تعيد رواية باسم خندقجي (نابلس، 1983) "مسك الكفاية/ سيرة سيدة الظلال الحرة" (الدار العربية للعلوم ناشرون)، كتابة جزءٍ من التاريخ الإسلامي، في وقتٍ يشهد فيه العراق وسوريا مهد الخلافتين العباسية والأموية. إذ تقدّم رحلة المُقاء بنة عطاء بن سبأ، "جارية" الخليفة أبي جعفر المنصور، وزوجته فيما بعد، ووالدة ابنيه موسى الهادي وهارون الرشيد، والتي سيصبح اسمها في قصوره "الخيزران".
خندقجي، المحكوم بالمؤبد لثلاث مرات في سجون الاحتلال لنشاطه في الانتفاضة الثانية، يعرف أنّ هناك أعمالاً عديدة وقفت عند العصور الإسلامية، بأسمائها وأحداثها المختلفة؛ لذا يعمل على تحويل النصّ التاريخي إلى نصّ روائيّ، تجري أحداثه على لسان صانعيه، دون أن يتعرّض النص التاريخي لسطوة صوت الكاتب، ودون أن تتدخّل الشخوص الروائية في صناعة تاريخ آخر، كما لم يفقد النصّ قدرته على ترك مساحات للمتخيّل والمحسوس أثناء السرد.
"مسك الكفاية" تدللّ في سردها وبنائها على معرفة في طبيعة النفس ونوازعها. إضافة إلى أنها تغامر في معالجة سيرة تاريخية مكتوبة سابقاً، ويفترض وقوع شخصياتها فريسةً للحدث التاريخي الذي سجلته كتب المؤرخين، لكنّ هذا ما لم يحدث. فالكاتب بنى عمارة دراميّة للخيزران، بدءاً من رحلة السبي، وصولاً إلى أن صارت زوجة الخليفة، في مسار مليء بالتشويق، لكنّ خندقجي الذي استطاع الاتصال بالمعرفة التاريخية من داخل سجنه، لم يستطع خلق علاقة مشابهة مع اللغة الحديثة، فجاءت لغته رومانسيّةً، تسهب في وصف الشخوص والأمكنة.
تقدّم الرواية كتابة أخرى للتاريخ الإسلامي، عبر تسليطها الضوء على الدور الذي كانت تلعبه الجواري في شؤون الحكم. فلم يكتف النص بسيرة المقاء، أو الخيزران، بل قدّم مسحاً لعيش الجواري في القصور، وقدرتهن على التأثير على مجريات الأحداث ورجال الدولة.
سيرة المقاء تتجاور مع صعود البرامكة في البلاط العباسي، والصراع على السلطة بين المنصور وأبناء عمومته، وبين موسى الهادي وهارون الرشيد.
تجربة روائية أولى، تأتي بعد عملين شعريين، لكاتبٍ سجينٍ يخوض تجربته الخاصة من داخل عزله الانفرادي.