يُرتب الخمسيني الفلسطيني أبو العبد أبو سلطان بتثاقل بضاعته على ظهر عربته الصغيرة في مدخل متنزّه "الجندي المجهول" الشهير وسط مدينة غزة، وقد بدا الألم واليأس واضحان على ملامحه، بسبب سوء حاله، وضعف الحركة الشرائية والإقبال.
اليأس الذي نقش على وجه بائع المكسرات والقهوة أبو سلطان لم يمنعه من تكرار محاولاته، التي تبدأ الساعة التاسعة من كل صباح حتى ساعات المساء، على أمل أن يأتي صباح يحمل الرزق في طياته، ويعوّضه قلّة إقبال الزوار.
حال البائع الخمسيني انسحب على عشرات الباعة المتجولين، وأصحاب عربات بيع المشروبات والمسليات داخل متنزهات مدينة غزة، الذين تأثروا بسوء الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها القطاع المحاصر.
ويقول أبو سلطان لـ"العربي الجديد: "عدم انتظام صرف الرواتب، وزيادة نسب البطالة بين صفوف الشباب، دفعا أعداداً كبيرة إلى فتح بسطات وعربات رغم عدم وجود زبائن".
ويضيف أبو سلطان: "نعاني من جفاف في الحركة الشرائية"، لافتاً الى أنه في بعض الأيام يرجع إلى منزله دون أن يحصل على ما يمكّنه من سد رمق عائلته، وقد تسبب هذا الأمر أيضاً في خسارته وتلف بعض حاجياته.
على بعد أمتار من أبو سلطان، وقف بائع الذرة محمد أبو حسين (24 عاماً)، ينتظر زبوناً طال انتظاره. ويقول: "بدأت العمل قبل أربعة أعوام، كانت أعواماً صعبة، بسبب قلة الزوار، لكن الفترة الحالية هي الأقسى علينا، بسبب شح الزبائن، وارتفاع الأسعار".
ويشير محمد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الأيام أصبحت متشابهة ومكررة، حتى في أيام الإجازات ونهاية الأسبوع، مضيفاً: "في بادئ الأمر كنت أبيع نحو 30 كيلوغراما من الذرة المسلوقة يوميا، بينما لا أستطيع إكمال 3 كيلوغرامات في هذه الأيام، وخاصة أن عدد الباعة أصبح أكثر من عدد الزبائن".
اقرأ أيضاً: 10 سنوات على حصار غزة: أرقام مفجعة لمعاناة مستمرة
في الناحية المقابلة، وقف بائع القهوة تيسير عنبر (34 عاماً)، الذي قال لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل في البناء، لكن ذلك توقف مع منع دخول مواد البناء للقطاع، ما دفعني إلى العمل كبائع قهوة".
الحال لم يختلف من بائع إلى بائع، أو من متنزه إلى متنزه، حيث ساد الجمود عملهم جميعاً، حتى ذلك الرجل الذي يدعى هشام الحصري ويطوف بعربة الأطفال.
ويقول الحصري لـ"العربي الجديد": "بعد أن سافر ابني الذي كان يعمل على العربة قبل ثلاثة أعوام، أصبحت أطوف خلف هذه العربة كي أؤمّن لقمة عيش أبنائي، وقمت بتحويلها من عربة تعمل على الكهرباء، إلى أخرى تعمل بالدفع اليدوي (..) الوضع اختلف كلياً عن السابق، أصبح سيئاً لدرجة لا تطاق".
ولفت تقرير اقتصادي نُشر أخيراً، إلى تردي الظروف المعيشية في القطاع. وشهد العام 2015 ارتفاعا في معدلات البطالة، لتصل إلى 42.7% في الربع الثالث من العام الماضي، وتجاوز عدد العاطلين من العمل ما يزيد عن 200 ألف شخص.
وبحسب البنك الدولي، فإن معدلات البطالة في القطاع تعتبر الأعلى عالميا، حيث تزيد عن 60% بين فئة الشباب.
وأشار التقرير إلى ارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 65%، بينما تجاوز عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والمؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان غزة.
اقرأ أيضاً:
سوق الشجاعية في غزة.. من الإبرة حتى الصاروخ
الاحتلال يحظر دخول العمال الفلسطينيين إلى المستوطنات