الأستاذ الجامعي بشار إبراهيم، متخصص في المعلوماتية الحيوية. وهو اختصاص تأسس في ألمانيا عام 2001.
وللبروفسور بشار إبراهيم 25 بحثاً علمياً منشوراً في أهم المجلات العالمية. وهي أبحاث تُعنى بفهم أسباب الخلل الجيني المحدث للأورام بأنواعها، وتعتبر الأحدث على صعيد التزاوج بين الجانبين: الطبي الحيوي والهندسي.
وشارك في أكثر من 30 مؤتمراً علمياً في أوروبا وأميركا الشمالية، وأشرف على 11 رسالة دكتوراه وماجستير.
وهو حاصل على عدة جوائز في أوروبا وأميركا، وهو أحد 20 عضواً مختارين في الأكاديمية العربية الألمانية للعلوم الممولة من ألمانيا وقطر.
ويتحدث البروفيسور إبراهيم لـ"العربي الجديد" عن مشاكل الطالب العربي بألمانيا، وتحدياته العلمية والنفسية.
* بحسب خبرتك الكبيرة، هل وجدت اختلافات عميقة بين الجامعات الألمانية والجامعات العالمية الأخرى؟ وكيف؟
- من خلال خبرتي في ألمانيا، وعملي في بريطانيا والنمسا وإيطاليا، وزياراتي العلمية لكل دول الاتحاد الأوروبي الأساسية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، لاحظت اختلافات فعلية. ما يميز الجانب الألماني هما الدقة التامة والصدق في العمل، البعيدان عن أيّ مشاعر. كما أنّ الجانب الألماني معروف بقدرته الكبيرة في الاتجاهات البحثية، بخاصة مع التقدم التقني الذي يتميز به. وتتمحور مناهج الجامعات الألمانية على الاعتماد على النفس بشكل كبير، وتبني التحديات الكبيرة في المسائل العلمية، حتى لو كانت أعلى من مستوى الطلاب، وإمكاناتهم.
*ما هي الصعوبات والتحديات العلمية التي تواجه الطالب العربي في الجامعات الألمانية؟
- هنالك فوارق كبيرة في مستوى التعليم بين الدول العربية وألمانيا، تؤثر سلباً على العملية التعليمية. وبخاصة في ما يتعلق بالانتقال من منهج دراسي باللغة العربية، إلى اللغة الألمانية، وبالذات في التخصصات العلمية. كما أنّ هنالك فارقاً في المنهج وأساليب التعليم. ومما لا شك فيه أنّ المنهج الألماني معروف بتفوقه على العديد من المناهج العالمية. وبالنسبة للغة، فإنّ الطلاب العرب، وبخاصة في الدكتوراه، يتجهون للدراسة باللغة الإنكليزية، كبديل عن اللغة الألمانية لصعوبتها عليهم. وهنا تبرز مشكلة أخرى، فمعظمهم لا يتقن الإنكليزية أيضاً، وهو ما يؤثر سلباً على فهم أيّ محاضرة، أو الدخول في أيّ نقاش علمي.
*هل هناك تحديات أخرى، تتعدى الجوانب العلمية؟
- أكبر التحديات فهي طريقة التفكير العربية المختلفة تماماً عن الطريقة الألمانية. فهدف الطالب العربي هو فقط الحصول على القبول الجامعي، بغض النظر عن الجامعة أو الأستاذ أو القسم او المشروع بذاته. كما أنّ الطالب العربي لا يهتم برغباته وطموحاته، بل بسوق العمل وكيفية الحصول على إقامة أو جنسية. بمعنى آخر، فإنّ أهداف الطالب العربي تعيق دراسته بدل تحفيزها.
ولهذا السبب ينجح أغلبية الطلاب العرب لكن من دون تفوق. ومثالاً على ذلك، فإنّنا لن نتمكن من الإجابة عن عدد الأساتذة الجامعيين في ألمانيا، لأنّهم نادرون، علماً أنّه الاختصاص الأصعب في العالم الغربي، كما أنّ الحصول على الأستاذية شرف أكاديمي معتدّ به دولياً. نلاحظ مثلاً أنّ مدينة يبلغ عدد سكانها 100 الف نسمة، مثل مدينة ينا الواقعة في قلب ألمانيا، نجد فيها آلاف الأطباء، لكنّ عدداً محدوداً يحمل لقب الأستاذية (بروفسور).
وهنالك أيضاً الجانب النفسي. فالألمان شعب لا يتعامل بتصنّع ولا يحب المجاملات ويتعامل بصراحة كبيرة، كما أنّهم حذرون من الغرباء وبالذات العرب. هذا الأمر يدفع العديد من العرب إلى الاعتقاد أنّ الألمان لا يتقبلونهم، بدلاً من تحليهم بالصبر ومحاولتهم تبديل الصورة. فكره العرب للألمان وللمكان يؤدي من ناحية نفسية، إلى إضعاف قدرتهم الإبداعية.
*هل المشاكل التي يعاني منها الطالب العربي، يعاني منها الطلاب الألمان والوافدون الآخرون أيضاً؟
- لا يعاني منها الطلاب الألمان، لكنّ العديد من طلاب آسيا وأفريقيا وحتى أميركا الجنوبية والوسطى يعانون منها. الفارق أنّ معاناة الطالب العربي تزداد، بسبب اختلاف الثقافة والجوانب النفسية، فضلاً عن قلة الخبرة والتخطيط وعدم بذل الجهد لفهم الفكر الألماني.
من جهة أخرى، ما يعيب الجامعات الألمانية أنّ أنظمتها طاردة حتى للألمان. والمقصود هنا أنّ أنظمتها صارمة في التعيينات والترقيات. وبالنسبة للعرب، قد تكون صعوبة الدراسة أكثر الأسباب طرداً لهم من الجامعات، بالرغم من أنّ الدراسة في ألمانيا شبه مجانية بالمقارنة مع دول كبريطانيا وأميركا.
*لماذا اخترت ألمانيا بالذات للتخصص؟
- سبب اختياري ألمانيا عشقي للرياضيات والفيزياء. فقد قررت منذ صغري استكشاف التفاضل والتكامل الحديث، الذي طوره الألماني غوتفريد لايبنز بالمناصفة مع إسحق نيوتن. كما كنت أرغب في استكشاف علوم الحياة في ألمانيا. وكنت أتساءل دوماً، كيف خسرت ألمانيا الحروب، ومع ذلك أصبحت في مقدمة الدول الصناعية. وصممت على الدراسة في جامعة ينا، وهي مركز اكتشاف البصريات، وجامعة هايدلبيرغ اقدم جامعة في ألمانيا، التي تأسست قبل أكثر من 600 عام، سنة 1386، وتعتبر من أهم مراكز أبحاث السرطان في العالم.
*كيف عانيت على الصعيدين الشخصي والعلمي في جامعات ألمانيا؟
- لحسن الحظ ليس لدي أيّ معاناة جديرة بالذكر على الجانب العلمي. لكنني أعرف الكثيرين من الزملاء العرب الذين يصعب عليهم إيجاد عمل في ألمانيا، ويصعب عليهم الإندماج مع الألمان. ويعود ذلك، في معظمه، إلى نفس أسباب عدم قدرة الطلاب على الإندماج في الجامعات والمعاهد الألمانية، وتقبل طريقة العيش في البلاد.
في الجانب الشخصي، أعاني كثيراً نفسياً، فكلّ مرة أحقق فيها جائزة عالمية، أو منصباً مرموقاً، أقدَّم كألماني، أو خريج مدرسة ألمانية. وعلى الرغم من انّي أحب ألمانيا بشكل لا يوصف، وأخلص لها، فإنّ كلّ خلية تنبض في جسدي تؤكد أنني عربي، من بلاد الحضارات، بلاد الرافدين. فأنا عراقي وهو أمر لا يمكن إنكاره. فكلما قدمت بهذه الطريقة، قلت داخلي: هل نسيتم أن تذكروا أنني من الدولة نفسها التي تسمعون عنها كلّ يوم أسوأ الأخبار وتسمونها ببلاد الإرهاب؟ لكن وللأمانة، فإنّ هذه المعاناة شكلت أكبر المحفزات لي، كي أزيد إنتاجي العلمي، وأعكس صورة أجمل عن بلدي الأصلي، حتى ولو كان الأمر محصوراً في إطار الزملاء والطلاب لا أكثر.
أعتقد أنّ هذه المعاناة أشترك بها مع غيري من العرب في ألمانيا. وبالذات ما يتعلق بتربية الأطفال ومستقبل عائلاتنا المجهول. فنحن ببساطة نريد أن نربيهم على الأخلاق العربية الأصيلة، وتعليمهم مناهج الدين، لكنّ دولنا غير المستقرة تدفعنا للهجرة. فهل نقول لأوطاننا: شكراً لكم، لكن انسوا أمرنا الآن، فنحن لا نستطيع مساعدتكم؟ هل ننتظر من الغرب أن يأتي ليبني أوطاننا وأجيالنا أم نحن المسؤولون عن ذلك؟ هل نستمر بالإسهام في بناء ألمانيا الرائعة الجميلة أم نبني دولنا التي تحتاج الينا والتي للأسف تقول لنا صراحة: لا نريدكم!؟
- من خلال خبرتي في ألمانيا، وعملي في بريطانيا والنمسا وإيطاليا، وزياراتي العلمية لكل دول الاتحاد الأوروبي الأساسية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، لاحظت اختلافات فعلية. ما يميز الجانب الألماني هما الدقة التامة والصدق في العمل، البعيدان عن أيّ مشاعر. كما أنّ الجانب الألماني معروف بقدرته الكبيرة في الاتجاهات البحثية، بخاصة مع التقدم التقني الذي يتميز به. وتتمحور مناهج الجامعات الألمانية على الاعتماد على النفس بشكل كبير، وتبني التحديات الكبيرة في المسائل العلمية، حتى لو كانت أعلى من مستوى الطلاب، وإمكاناتهم.
*ما هي الصعوبات والتحديات العلمية التي تواجه الطالب العربي في الجامعات الألمانية؟
- هنالك فوارق كبيرة في مستوى التعليم بين الدول العربية وألمانيا، تؤثر سلباً على العملية التعليمية. وبخاصة في ما يتعلق بالانتقال من منهج دراسي باللغة العربية، إلى اللغة الألمانية، وبالذات في التخصصات العلمية. كما أنّ هنالك فارقاً في المنهج وأساليب التعليم. ومما لا شك فيه أنّ المنهج الألماني معروف بتفوقه على العديد من المناهج العالمية. وبالنسبة للغة، فإنّ الطلاب العرب، وبخاصة في الدكتوراه، يتجهون للدراسة باللغة الإنكليزية، كبديل عن اللغة الألمانية لصعوبتها عليهم. وهنا تبرز مشكلة أخرى، فمعظمهم لا يتقن الإنكليزية أيضاً، وهو ما يؤثر سلباً على فهم أيّ محاضرة، أو الدخول في أيّ نقاش علمي.
*هل هناك تحديات أخرى، تتعدى الجوانب العلمية؟
- أكبر التحديات فهي طريقة التفكير العربية المختلفة تماماً عن الطريقة الألمانية. فهدف الطالب العربي هو فقط الحصول على القبول الجامعي، بغض النظر عن الجامعة أو الأستاذ أو القسم او المشروع بذاته. كما أنّ الطالب العربي لا يهتم برغباته وطموحاته، بل بسوق العمل وكيفية الحصول على إقامة أو جنسية. بمعنى آخر، فإنّ أهداف الطالب العربي تعيق دراسته بدل تحفيزها.
ولهذا السبب ينجح أغلبية الطلاب العرب لكن من دون تفوق. ومثالاً على ذلك، فإنّنا لن نتمكن من الإجابة عن عدد الأساتذة الجامعيين في ألمانيا، لأنّهم نادرون، علماً أنّه الاختصاص الأصعب في العالم الغربي، كما أنّ الحصول على الأستاذية شرف أكاديمي معتدّ به دولياً. نلاحظ مثلاً أنّ مدينة يبلغ عدد سكانها 100 الف نسمة، مثل مدينة ينا الواقعة في قلب ألمانيا، نجد فيها آلاف الأطباء، لكنّ عدداً محدوداً يحمل لقب الأستاذية (بروفسور).
وهنالك أيضاً الجانب النفسي. فالألمان شعب لا يتعامل بتصنّع ولا يحب المجاملات ويتعامل بصراحة كبيرة، كما أنّهم حذرون من الغرباء وبالذات العرب. هذا الأمر يدفع العديد من العرب إلى الاعتقاد أنّ الألمان لا يتقبلونهم، بدلاً من تحليهم بالصبر ومحاولتهم تبديل الصورة. فكره العرب للألمان وللمكان يؤدي من ناحية نفسية، إلى إضعاف قدرتهم الإبداعية.
*هل المشاكل التي يعاني منها الطالب العربي، يعاني منها الطلاب الألمان والوافدون الآخرون أيضاً؟
- لا يعاني منها الطلاب الألمان، لكنّ العديد من طلاب آسيا وأفريقيا وحتى أميركا الجنوبية والوسطى يعانون منها. الفارق أنّ معاناة الطالب العربي تزداد، بسبب اختلاف الثقافة والجوانب النفسية، فضلاً عن قلة الخبرة والتخطيط وعدم بذل الجهد لفهم الفكر الألماني.
من جهة أخرى، ما يعيب الجامعات الألمانية أنّ أنظمتها طاردة حتى للألمان. والمقصود هنا أنّ أنظمتها صارمة في التعيينات والترقيات. وبالنسبة للعرب، قد تكون صعوبة الدراسة أكثر الأسباب طرداً لهم من الجامعات، بالرغم من أنّ الدراسة في ألمانيا شبه مجانية بالمقارنة مع دول كبريطانيا وأميركا.
*لماذا اخترت ألمانيا بالذات للتخصص؟
- سبب اختياري ألمانيا عشقي للرياضيات والفيزياء. فقد قررت منذ صغري استكشاف التفاضل والتكامل الحديث، الذي طوره الألماني غوتفريد لايبنز بالمناصفة مع إسحق نيوتن. كما كنت أرغب في استكشاف علوم الحياة في ألمانيا. وكنت أتساءل دوماً، كيف خسرت ألمانيا الحروب، ومع ذلك أصبحت في مقدمة الدول الصناعية. وصممت على الدراسة في جامعة ينا، وهي مركز اكتشاف البصريات، وجامعة هايدلبيرغ اقدم جامعة في ألمانيا، التي تأسست قبل أكثر من 600 عام، سنة 1386، وتعتبر من أهم مراكز أبحاث السرطان في العالم.
*كيف عانيت على الصعيدين الشخصي والعلمي في جامعات ألمانيا؟
- لحسن الحظ ليس لدي أيّ معاناة جديرة بالذكر على الجانب العلمي. لكنني أعرف الكثيرين من الزملاء العرب الذين يصعب عليهم إيجاد عمل في ألمانيا، ويصعب عليهم الإندماج مع الألمان. ويعود ذلك، في معظمه، إلى نفس أسباب عدم قدرة الطلاب على الإندماج في الجامعات والمعاهد الألمانية، وتقبل طريقة العيش في البلاد.
في الجانب الشخصي، أعاني كثيراً نفسياً، فكلّ مرة أحقق فيها جائزة عالمية، أو منصباً مرموقاً، أقدَّم كألماني، أو خريج مدرسة ألمانية. وعلى الرغم من انّي أحب ألمانيا بشكل لا يوصف، وأخلص لها، فإنّ كلّ خلية تنبض في جسدي تؤكد أنني عربي، من بلاد الحضارات، بلاد الرافدين. فأنا عراقي وهو أمر لا يمكن إنكاره. فكلما قدمت بهذه الطريقة، قلت داخلي: هل نسيتم أن تذكروا أنني من الدولة نفسها التي تسمعون عنها كلّ يوم أسوأ الأخبار وتسمونها ببلاد الإرهاب؟ لكن وللأمانة، فإنّ هذه المعاناة شكلت أكبر المحفزات لي، كي أزيد إنتاجي العلمي، وأعكس صورة أجمل عن بلدي الأصلي، حتى ولو كان الأمر محصوراً في إطار الزملاء والطلاب لا أكثر.
أعتقد أنّ هذه المعاناة أشترك بها مع غيري من العرب في ألمانيا. وبالذات ما يتعلق بتربية الأطفال ومستقبل عائلاتنا المجهول. فنحن ببساطة نريد أن نربيهم على الأخلاق العربية الأصيلة، وتعليمهم مناهج الدين، لكنّ دولنا غير المستقرة تدفعنا للهجرة. فهل نقول لأوطاننا: شكراً لكم، لكن انسوا أمرنا الآن، فنحن لا نستطيع مساعدتكم؟ هل ننتظر من الغرب أن يأتي ليبني أوطاننا وأجيالنا أم نحن المسؤولون عن ذلك؟ هل نستمر بالإسهام في بناء ألمانيا الرائعة الجميلة أم نبني دولنا التي تحتاج الينا والتي للأسف تقول لنا صراحة: لا نريدكم!؟