رغم وجود هيئة كاملة في العراق، تُعرف باسم جهاز التقييس والسيطرة النوعية، للإشراف على فحص البضائع الداخلة إلى البلد، إلا أن مسؤولين عراقيين يؤكدون أن أكثر من 55 في المائة من البضائع المستوردة، غير مطابقة للمواصفات وغير آمنة، بينما تدخل بسبب التهريب والفساد المستشري في المنافذ الحدودية.
مسؤول في وزارة التخطيط العراقية، يقول لـ"العربي الجديد"، إن المسح الأخير لفرق التفتيش أظهر أن نحو 55 في المائة من المواد المستوردة كان ينبغي ألا تدخل العراق، وأغلبها أجهزة كهربائية ومنزلية ومواد طهي وقطع غيار سيارات وبعضها مواد بلاستيكية غير صالحة للاستخدام البشري.
ويضيف المسؤول أن تلك البضائع تستورد بمبالغ ضخمة وتصل إلى الأسواق، بسبب الفساد في المنافذ الحدودية، بينما تتكبد البلاد خسائر ضخمة، لاسيما أنه كان يمكن استيرادها بنفس السعر بجودة أعلى.
ويتابع: "فحصنا مؤخراً عينات من جهاز خاص بضخ البنزين من خزان الوقود إلى محرك السيارات، وهو الأكثر طلباً في العراق بسبب رداءة البنزين، لكننا اكتشفنا أنه عبارة عن غير أصلي ومقلد رغم أنه يباع بنفس سعر الجهاز الأصلي"، مشيرا إلى أن هذه الحالة تنطبق على الكثير من السلع المستوردة.
ويلفت إلى أن الأجهزة الكهربائية المقلدة تسببت بكوارث ووفيات أيضا، عدا عن الخسائر المالية التي قدرت العام الماضي بأكثر من 30 مليون دولار، جراء إدخال بضائع رديئة أو فاسدة من مناشئ إيرانية أو آسيوية خاصة من الصين.
يقول لطيف السعدي، عضو غرفة تجارة بغداد لـ"العربي الجديد"، إن البضائع الرديئة غالبيتها تدخل باتفاق بين التاجر وموظف فاسد في الجمارك، أو المنفذ الحدودي ضمن صفقات مالية.
ويضيف السعدي: "كانت البضائع تتركز على الأجهزة الكهربائية بمختلف أنواعها أو قطع غيار السيارات والأثاث المنزلي المغشوش والمواد المنزلية بشكل كامل، لكن اليوم تحولت إلى السجائر والملابس وحتى الأدوية ومستلزمات التجميل، وهذا خلل كبير".
ويتابع أن "البضائع التي يرفضها الأردن وتركيا ودول أخرى يجري تحويلها إلى العراق وتدخل بسهولة، والأكثر فداحة أن بضائع إيرانية ترفض السلطات هناك تداولها بأسواقها بسبب مخالفتها الشروط يتم نقلها للعراق وبيعها هنا".
ومع تصاعد شدّة الحر ظهراً في صيف بغداد اللاهب، يجول أبو أحمد بين محال الأجهزة الكهربائية في منطقة الكرادة بقلب بغداد، لينتقل من محل لآخر.
أبو أحمد، ذو الـ57 عاما، يقول إن "آلاف الماركات في السوق كلها رديئة وأسعارها مرتفعة جدا. لا أعرف أي ماركة أقتني مع أنّ أي جهاز لا يمتد عمره لأكثر من عام واحد"، يأخذنا أبو أحمد إلى أحد المحال، ويعدد لنا ماركات أجهزة التكييف، حتى لا نكاد نحصيها ولا نحصي أسعارها.
ويقول لـ"العربي الجديد": لم يتجاوز عمر جهاز التكييف في منزلي العام الواحد، لكن المراوح تعطلت وأضحت تصدر أصواتا تملأ البيت ضجيجاً، مضيفا أن "البيت العراقي اليوم، يحتاج إلى تجديد أجهزته الكهربائية في كل موسم، بينما لا طاقة لنا كمواطنين بسطاء وكموظفين بذلك".
ويضيف: لا أعرف لماذا كل هذه الشركات، البضاعة الإيرانية والصينية والهندية بماركات مختلفة تملأ السوق. أين نحن من الأجهزة القديمة التي كانت لا تتعطل طوال العمر، وبعضها لحد الآن يعمل لدينا من عشرات السنين؟
لكن محمد الحسيني صاحب محل لبيع الأجهزة الكهربائية في بغداد، يقول إن واقع السوق والقدرة الشرائية للمواطنين هي التي تحدد ملامح السوق وشكل البضاعة، مشيرا إلى أن القدرة الشرائية لدى أغلب المواطنين ضعيفة، وبالتالي لا يقبلون على الأجهزة مرتفعة الثمن.
ويضيف الحسيني: "لا ننكر أنّ الأجهزة هذه رديئة، لكن بنفس الوقت التيار الكهربائي في العراق متذبذب وغير مستقر، وهو السبب الرئيس باحتراق تلك الأجهزة، فالحكومة مسؤولة عن ذلك، ولا يمكن أن نلقي كل شيء على كاهل التجار".
ويعاني قطاع الكهرباء العراقي من أوضاع متردية للغاية عقب سنوات طويلة من الفساد المالي والإداري في البلاد، فضلاً عما يربو على ثلاثة أعوام من الحرب على تنظيم داعش، والتي أدت إلى تدمير البنية التحية في كثير من المحافظات التي احتلها التنظيم شمال وغرب البلاد.
كما يعاني المواطنون من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة خلال اليوم، بسبب العجز الكبير الذي تعاني منه الدولة الغنية بالنفط في إنتاج الكهرباء.
وأدى انقطاع الكهرباء لفترات طويلة خلال ساعات النهار شديد الحرارة في الصيف الماضي، إلى اندلاع تظاهرات في بعض المحافظات، شابتها أعمال عنف واشتباكات مع قوات الأمن.
ويقول محمد عوض الحمداني إن غياب دوائر أجهزة التقييس والسيطرة النوعية، فتح الباب واسعا أمام استغلال التجار، مشيراً إلى أنه "قبل عام 2003، كانت أجهزة التقييس والسيطرة النوعية تعمل بجد، وهي أيضا عليها رقابة من أجهزة أخرى، فكانت أي بضاعة غير مطابقة للمواصفات المسموح بها، لا تدخل العراق، ومن يدخلها يتعرّض لعقوبات وغرامات مالية كبيرة".
وبتابع "اليوم هناك غياب كامل لهذه الأجهزة الحكومية، لذا استغلّ التجار ذلك وبدأوا بعقد صفقات مع الشركات المصنّعة وفق ما يطلبون منها، المهم لديهم تحقيق الأرباح، فلا ضمان للجودة".