رجال الإطفاء
لم يكن أُلوغاريو بطلاً للإحساس بحدوث الأشياء فقط، وإنما كان دائماً مفتخراً بقدرته تلك. في بعض المرّات كان يظلُّ منهمكاً في التفكير للحظة، وبعدها كان يقول: "غداً ستمطر"، وكانت تمطر فعلاً في اليوم التالي.
أحياناً أخرى كان يهرش قفاه ويعلن: "يوم الثلاثاء سيفوز الرقم 57"، ويوم الثلاثاء يفوز الرقم 57 فعلاً. كان يتمتّع بين أصدقائه بإعجاب غير محدود. بعضُهم يتذكّر أشهر إجاباته الصائبة.
ذات يوم كانوا يتمشّون معه قبالة الجامعة، وسرعان ما اخترق صوت سيارة رجال الإطفاء الهواء الصباحي. ابتسم أُلوغاريو بطريقة غير محسوسة تقريباً وقال: "من الممكن أن بيتي الآن يحترق".
استقلّوا سيارة أجرة وكلّفوا السائق بتتبّع سيّارة الإطفاء عن قرب. عندما انعطفت سيّارة رجال الإطفاء صوب ريبيرا، قال ألوغاريو: "من المؤكد أن بيتي يحترق الآن". التزم الأصدقاء الصمت، صمت وقور ولطيف؛ فقد كانوا معجبين به كثيراً.
أخذ رجال الإطفاء طريق ريبيرا، وعندها وصلت العصبية إلى درجة قصوى. وحينما انعطفوا إلى الشارع الذي يسكن فيه ألوغاريو، تجمّد الأصدقاء وهم ينتظرون.
في الأخير، توقّفت سيارة رجال الإطفاء قبالة بيت ألوغاريو الغارق في اللهب، وبدأ الرجال سريعاً، وبرباطة جأش، عمليات الإطفاء. من حين إلى آخر كانت تطير في الهواء بعض الشظايا من نوافذ الطابق العلوي. نزل ألوغاريو من سيارة الأجرة بكل رصانة.
فكّ عقدة ربطة العنق، وبعدها بمظهر الفائز المتواضع، استعدّ لتلقّي التهنئات وعناق أفضل أصدقائه.
روتين
في سنة 1974، كانت تنفجر في بوينس آيريس عشر قنابل أو اثنتا عشرة قنبلة كل ليلة. كانت تنفجر يوميّاً بالرغم من اختلاف دلالات كل انفجار. كان الاستيقاظ في الثانية أو الثالثة فجراً على سماع دوي سلسلة من القنابل تقريباً عادةً. حتى الأطفال تعوّدوا على ذلك الروتين.
بدأ أحد أصدقائي من بوينس آيريس يعي هذا التكيّف منذ الليلة التي سمع فيها دويّ انفجار كبير بجوار بيته، ساعتها استيقظ ابنه الذي لا يبلغ الخمس سنوات بالكاد.
ما الذي جرى؟ ـ سأل الطفل ـ حمل صديقي ابنه بين ذراعيه، داعبه لكي يهدأ، لكن وفقاً للأسس التربوية التي كان ينهج، قال له الحقيقة: "إنه انفجار قنبلة".
رائع! ـ قال الطفل ـ ظننته هزيم الرعد.
هذا
أُخضع السجين ثلاث مرّات في الأسبوع للاستنطاق للتحقّق من هوية "من علّمه هذا". كان يردّ دائماً بصمت وقور، وعندها كان الملازم يضع آلة التعذيب الشنيعة المعروفة بالمنخس في خصيتيه.
ذات يوم، قرّر السجين الإجابة بعد وحي فجائي نزل عليه: "ماركس. نعم الآن أتذكّر، كان ماركس". سأل الملازم والدهشة بادية على محياه، لكنه بقي متيقّظاً: آه! وماركس هذا، من علّمه؟
أضاف السجين وقد أصبح في وضعية لتقديم التنازلات: "لستُ متأكّداً، لكن أظنّ أنه كان هيغل". ابتسم الملازم وهو راضٍ، أما السجين فقد فكّر: "ليت العجوز لا زال في ألمانيا".
* mario benedetti شاعر وقاص وروائي وكاتب مسرحي أوروغواياني (1920 - 2009) عرفه قرّاء العربية بشكل خاص من خلال روايته "الهدنة".
** ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي
اقرأ أيضاً: ماريو بنيديتي.. لقاء في مقبرة مونتيفيديو