وحرر البنك المركزي سعر صرف العملة المحلية، وحدد مستوى استرشادياً عند 13 جنيهاً للدولار بزيادة نحو 48% عن السعر المعروض للعملة الأميركية منذ مارس/ آذار.
اكتفى البنك المركزي بطرح 100 مليون دولار للبنوك في عطاء استثنائي اليوم، بعد قراره تعويم الجنيه.
وبرر طارق عامر، حاكم البنك المركزي المصري طرحه 100 مليون دولار فقط، أنه يريد أن يترك للبنوك مهمة توفير الدولار من خلال التدفقات النقدية المتوقع دخولها للبنوك بعد قرار تعويم الجنيه، وهو ما أكده هشام عكاشة، رئيس البنك الأهلي المصري، خلال لقاء عبر الهاتف مع الصحافيين، حيث قال "تم طرح العطاء الاستثنائي بالفعل اليوم بـ 100 مليون دولار للبنوك، ولا نية لطرح عطاء آخر بأربعة مليارات دولار".
وقال عكاشة "إن العملاء باعوا للبنك سبعة ملايين دولار في الساعات الثلاث الأولى من إعلان تحرير سعر صرف الجنيه".
وقرر البنك المركزي اليوم تحرير سعر صرف الجنيه، أي ترك سعره يتحدد بناء على العرض والطلب.
وقال البنك المركزي، اليوم الخميس، على موقعه الإلكتروني "إنه حدد سعر صرف العملة المحلية الآن عند 13 جنيهاً للدولار وسمح للبنوك بهامش حركة 10% أقل أو أكثر من هذا السعر حتى الواحدة ظهراً، حيث يطرح عطاء استثنائياً ومن بعده سيترك سعر صرف الجنيه يتحدد بناء على العرض والطلب".
وقال خبراء اقتصاد ومستثمرون ومستوردون، "إن قرار تحرير سعر الصرف له جوانب إيجابية وسلبية، حيث من المتوقع أن ترفع أسعار السلع الغذائية بنسبة 50%، وأن تنخفض السلع الاستهلاكية بنسبة 35%، وفقاً لأسعار الدولار".
شلل تام
وبحسب شركات الصيرفة، فإن سوق الصرف أصيبت بالشلل، وهناك صدمة لدى الشركات وحائزي الدولار، حيث تتراوح أسعار الشراء بين 13 و13.10 قروشاً ولا توجد عمليات بيع حتى الآن بالصرافات.
وقال محمد الأبيض رئيس شعبة شركات الصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية، في تصريحات خاصة، "إن قرار البنك المركزي بتعويم الجنيه جاء في وقته، وإن السوق السوداء والمرابين أصيبوا بصدمة غير متوقعة".
وأوضح أن معنى قرار البنك المركزي وجود سعر استرشادي يومي وفقاً للعرض والطلب، أي أن الدولار ممكن أن يرتفع أو ينخفض عن هذه الأسعار المعلنة اليوم.
وقال ناصر حماد، مدير إحدى شركات الصرافة بالقاهرة، في تصريحات خاصة، إن السوق تشهد حالة من التخبط والإرباك، خاصة عند شركات الصرافة والمتعاملين بسوق الصرف، موضحاً أن الشركات بدأت بالتعامل بالأسعار الرسمية التي حددها البنك المركزي.
وأضاف: "مازالت شركات الصرافة في انتظار توضيح آليات القرار، وعملية الشراء والبيع والحد الأقصى الذي سيكون مسموحاً به للعملاء عند شراء الدولار من مكاتب الصرافة".
وقال المركزي المصري، في بيان، إنه قرر اتخاذ عدة إجراءات لتصحيح سياسة تداول النقد الأجنبي من خلال تحرير أسعار الصرف، لإعطاء مرونة للبنوك العاملة في مصر لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي، بهدف استعادة تداوله داخل القنوات الشرعية وإنهاء السوق الموازية للنقد الأجنبي تماماً.
وقال حماد "الشركات لا تبيع الدولار، وهي تشتري بأسعار أقل من البنك لحين وضوح الرؤية ومعرفة أوضاع السوق، وفهم التعاملات القادمة بطريقة جيدة"، لافتاً إلى أن حائزي الدولار لن يفرطوا فيه بسهولة، ومن المتوقع أن يتضح السوق، يوم الأحد المقبل، بشكل جيد، وعلى أساسها ستتخذ القرارات الخاصة بالبيع والشراء.
أما محمد رضوان عضو شعبة الصرافة، فقال "إن أسعار الدولار بالسوق السوداء تتحدد وفقاً لما ستوفره البنوك للعملاء "نموذج 4 الخاص بالاستيراد"، وعلى هذا الأساس سيتم تحديد السعر في السوق السوداء أو الصرافات".
تباين الآراء
تباينت ردود أفعال خبراء الاقتصاد على قرار البنك المركزي تعويم قيمة العملة الوطنية وتحرير سعر صرفها لدى البنوك، وفيما رأى بعضهم أنها تعزز من جاذبية الاستثمار في مصر، حذر آخرون من آثار القرار على أسعار السلع الأساسية، حيث توقعوا أن ترتفع أسعارها، مرجحين احتمال تحرير أسعار الوقود في خطوة لاحقة.
وقال الخبير الاقتصادي وائل النحاس "هناك خطورة شديدة تواجه الاقتصاد والعملة بعد قرار تعويم الجنيه، حيث يستطيع أي فرد تحويل واستبدال أمواله إلى دولار ويتوقف الأمر كله على وجود دولار بالبنك فقط".
وأوضح أن السلع التي تمس المواطن المصري ستتأثر بشكل كبير عقب قرار التعويم، مثل الزيت والسكر وستزداد أسعارها.
وأشار إلى أن قرار تعويم الجنيه قضى تماماً على السوق السوداء، نظراً لأن الأسعار بات متاح تحديدها من الجميع، ولا يوجد ارتباط بأسعار البنك المركزي الآن، لأنه أصبح سعراً استرشادياً.
وطالب بإعادة شركات الصرافة إلى العمل بالقوانين الجديدة، بعدما اتضح عدم مسؤوليتهم عن ارتفاع أسعار الدولار كما أكد من قبل. وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تحركاً لأسعار الوقود وإلغاء الدعم.
أما أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية، اعتبر أن قرار تعويم الجنيه ليس في توقيته لأن المبادرة الخاصة بتوقف الاستيراد لمدة 3 أشهر التي أعلن عنها الاتحاد العام للغرف التجارية أخيراً، هوت بسعر الدولار، حيث سجل الدولار 12 جنيهاً، أمس الأربعاء، وكان من المتوقع أن ينخفض إلى 10 جنيهات، يوم الأحد المقبل، وكان هذا هو التوقيت المناسب لتحرير الجنيه.
وأوضح أن أسعار السلع الغذائية ستتأثر بزيادة الدولار، حيث سترتفع بنسبة 50% نتيجة لزيادة أسعار الدولار الرسمي من 888 جنيهات إلى 14 جنيهاً، لكن في المقابل يجب أن تنخفض أسعار السلع الاستهلاكية غير الغذائية مثل السيارات والحديد والإسمنت ومواد البناء بنسبة 35% لأنه تم شراؤها بسعر 18 جنيهاً وانخفض الى 14 جنيهاً أي بنسبة حوالى 35%.
وأضاف، هناك أثر إيجابي أيضاً يتمثل في زيادة تحويلات العاملين بالخارج إلى البنوك المصرية لتساوي السعرين الرسمي والموازي".
ولفت شيحة إلى أنه في حالة عدم توفير البنك لجميع المستوردين، فإن أسعار الدولار بالصرافات قد تصل إلى 20 و30 جنيهاً، ونعود مجدداً للنقطة صفر.
دعم الاقتصاد
وقال محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، "إن قرار تعويم الجنيه في الوقت الحالي جيد وكان لابد من صدوره من قبل نظراً لتفاقم الأمور"، مضيفاً أنه في كل الأحوال الجنيه يعتبر "مُعَوَّماً" بالفعل منذ ارتفاع الدولار في السوق السوداء، موضحاً أنه في ظل صدور القرار سيتم توفير الدولار في البنوك لتغطية احتياجات المستثمرين.
وأضاف "أن تحرير سعر الجنيه يعني أن الدولة تدعم الاقتصاد الحر في سعر السحب والإيداع سواء تحويلات المصريين من الخارج"، مشيراً إلى أنه يعتبر السعر العادل لتحويلهم، مع الوفرة التي ستحدث في الدولار بعد ذلك سيتم وضع السعر العادل للجنيه مقابل الدولار.
وتابع لابد من تشجيع مكاتب الصرافات على العمل مع وضع بعض الآليات لضبط الأسعار من جهة الدولة، وضبط الأسواق كما السابق، ومنع إمكانية التعامل في السوق السوداء مرة أخرى، مشيراً إلى أن الدولة تتكبد خسائر بسبب ارتفاع الدولار، فضلاً عن تدخل البنك المركزي في ضبط سعر الدولار لأول مرة في البنوك، إذ عدم توفر الحصيلة الدولارية بشكل جيد سيخفض الأسعار، ويسبب تحرك الدولار.
وعن تأثير ارتفاع سعر الدولار بالنسبة للأدوية، قال: "أغلقت بعض الشركات العالمية مقراتها، وحدث نقص في الأدوية بسبب الخسائر لتضارب سعر الدولار في السوق، مطالباً بضرورة تغير سعر الأدوية الجبرية التي وضعتها وزارة الصحة في ظل تغير سعر الدولار في السوق، وإمكانية خفض سعر الدولار، وجلب المستثمرين وتحسين البنية التشريعية في الاتجار".
وأشاد اتحاد الصناعات المصرية في بيان صحافي بإعلان البنك المركزي، اليوم، تحرير سعر صرف العملة وأن يكون التسعير وفقاً لآليات العرض والطلب، لافتاً إلى أن ذلك يعكس سعر العملة المحلية بصورة أكثر واقعية وخاصة في ظل الظروف الراهنة والتي شهدتها البلاد في الفترة الماضية.
وأفاد الاتحاد أن هذه الخطوة سيكون لها أثر إيجابي في انخفاض معدلات التضخم فضلاً عن إسهامها في تحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تسعى إليه الدولة. كما أن تحرير سعر العملة سيخدم قطاع الأعمال بأكمله، حيث ستلبي احتياجات الصناعة من ناحية شراء واستيراد مواد ومستلزمات الإنتاج.
وقد أكد اتحاد الصناعات المصرية، أن هذه الخطوة تساعد على تشجيع الاستثمار واستقرار العملية الإنتاجية في المصانع وتوافر السلع في الأسواق بصورة منتظمة للحد من استغلال بعضهم عجز السلع في السوق والحد من المغالاة في الأسعار. كما أن هذا القرار يعتبر من أجرأ الخطوات الاقتصادية في مصر وذلك بجانب القرارات الاقتصادية التي اتخذها رئيس الجمهورية في الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار والذي سيتم بموجبها دعم القطاعات الصناعية والزراعية والاستثمارية ومن ثم الاقتصاد المصري.