وغالباً ما يُضطر سكان مدينتي رفح والشيخ زويد، والذين يُقدّر عددهم بالآلاف، إلى التوجّه لمستشفى العريش العام، وهذا ليس بالأمر السهل، إذ إن الطريق من رفح إلى العريش مغلقة بعدد من الكمائن (الحواجز) التي تفتش المواطنين والسيارات بشكل دقيق، ويتوقف فيها المواطنون لساعات طويلة. وقد يضطر المواطن إلى المبيت في العريش في حال ذهابه إليها، نظراً إلى حظر التجوال مساء كل يوم، على الرغم من أن الوصول من رفح إلى العريش سابقاً لم يكن يحتاج لأكثر من ساعة واحدة، إلا أن إغلاق الجيش المصري للطريق الدولي الرابط بين المدينتين وكثافة الحواجز، أديا للتضييق على حركة السكان المحليين.
عداد القتلى
لا يختلف أحد في سيناء أو من المتابعين لشأنها على أن الخاسر الأول في كل ما يجري منذ سنوات هو المواطن السيناوي، بعد أن دخل الموت والتعذيب إلى كل بيت في سيناء، إذ فقدت عشرات الأسر أبناءها، بل فُقدت عائلات بأكملها، ودُمرت مئات المنازل، وجُرفت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، وكله تحت شعار "الحرب على الإرهاب". وعلى الرغم من أن الدولة المصرية تخفي أرقام الضحايا سواء المدنيين أو العسكريين في سيناء، إلا أن مصادر في وزارة الصحة المصرية، ومصادر قبلية، أكّدت أن الحد الأدنى للقتلى المدنيين منذ أربع سنوات تجاوز ألفي قتيل، نصفهم من النساء والأطفال. أما عن الإصابات، فأكدت المصادر أنه بات أمراً اعتيادياً أن تصل يومياً إصابات من مناطق رفح والشيخ زويد خصوصاً، إما قنصاً أو برصاص قوات الجيش المنتشرة على الكمائن في مناطق شمال سيناء. ونبّهت إلى أن أعداداً غير قليلة من الإصابات تعاني من بتر في الأطراف، وهذه قضية أخرى، إذ لا تجد أي اهتمام صحي أو متابعة لتركيب أطراف بديلة، وجزء منهم أطفال، إلا أن أياً من الجهات الحكومية لم تحرك ساكناً لمتابعة ملفهم.
اختلاف عن سابقيه
وعلى الرغم من أن سيناء لم تحظ باهتمام في العهود السابقة للسيسي بالشكل المطلوب، إلا أن أهلها كان يعيشون بنوعٍ من الاحترام المتبادل مع الدولة، ويتم حل القضايا العالقة بين كبار القبائل والدولة وفق قنوات معروفة للطرفين، بينما كان الأمن مستتباً. كذلك عمل نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك على تنمية سيناء بشكل نسبي، من خلال بناء منازل ووحدات صحية، وتعبيد الطرق في مناطق واسعة من سيناء، وبناء جامعة العريش لسكان محافظة شمال سيناء. في المقابل، لم يُسجل أي إنجاز لنظام السيسي في ملفات الصحة والتعليم والبنية التحتية أو تحسين ظروف الحياة، بل على النقيض تماماً، دُمر كل ما بني في الأنظمة السابقة.
المفقودون والمختفون قسرياً
ملف آخر لم تعرفه سيناء من قبل، يتمثل بالمفقودين والمختفين قسرياً، فمئات الشباب والنساء لا يعرف أهاليهم أي معلومات عنهم، إذ تترافق مع الحملات العسكرية اعتقالات تعسفية بحق المواطنين، ويتم تحويلهم للسجون العسكرية، أو التابعة لجهاز الأمن الوطني المصري. وقالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" إن عشرات الشباب مختفون قسرياً لدى الدولة المصرية منذ انقلاب يوليو/ تموز 2013، من دون إبلاغ عائلاتهم بأي معلومات عنهم، أو التهم الموجهة إليهم، إذ لا تعترف أصلاً بوجودهم لديها. وأشارت إلى أن بعض العائلات عرفت بوجود أبنائها في سجون النظام المصري، من خلال المعتقلين الذي يرونهم ويطلبون منهم إبلاغ أي جهة إعلامية بوجودهم في السجن، إلى أن تصل المعلومة إلى العائلة، فيما لا تستطيع فعل شيء في ظل عدم اعتراف الدولة بوجودهم.
وقدّرت المصادر القبلية عدد المختفين قسرياً بثلاثة آلاف شاب وعدد من النساء اللواتي اعتقلن خلال الحملات العسكرية، غالبيتهم في سجون الإسماعيلية والقاهرة، في ظروف اعتقال صعبة للغاية، من دون تقديمهم لمحاكمات مدنية.
مصير سيناء
بعد كل ما سبق، والواقع الجديد في ظل نظام السيسي، ينتاب كثيرين قلق على مصير سيناء، بعد أن أصبحت بلا أي مظاهر للحياة. وهناك من يشكك في شمال سيناء بنوايا النظام ويعتبره مستفيداً من استمرار الوضع الأمني على حاله، ليضاف إلى تلك الشكوك تنفيذ الجيش المصري للمنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة، بمسافة عريضة، دمرت خلالها مئات المنازل وجرفت الأراضي، على الرغم من أن منطقة الشريط الحدود مع قطاع غزة هي أكثر المناطق الآمنة بالنسبة للجيش المصري مقارنة بكافة مناطق سيناء. وتعمّدت الدولة إبقاء تعاملها قاسياً مع أهالي سيناء المدنيين، ما دفعهم لترك منازلهم وأرضهم والتوجه لمناطق العريش وبئر العبد، عدا عن تبخر وعود بناء مدينة رفح الجديدة، بعد تنفيذ مخطط المنطقة العازلة، واستبدالها بمدينة للمهجرين قرب مدينة العريش، أي على بعد عشرات الكيلومترات عن الحدود مع غزة.