شخوصٌ في أذهاننا يحضرون مع الموسيقى. والعكس. موسيقى تُحضر معها شخوصاً، ثمّ تحضر معها ذكريات تولّد أحاسيس زمان، وأحاسيس الحاضر حيال ذلك الزمان. في مثلِ تلك الفترة، وبعد الانتهاء من "عزيل" الصيف استعداداً للشتاء، وفي البيت نفسه، "بكيزة وزغلول" على الشاشة. لم تكن الشاشة كبيرة، لكن كافية. بكيزة التي لا تعرف العيش، وزغلول القادرة على التكيّف دائماً. التناقض نفسه الذي نعيش من خلاله يومياتنا. والاسمان كوميديان، جاذبان، تنكّريان، يشبهان تلك الأسماء التي نهرب إليها حين نرغب في إخفاء حقيقتنا.
وذكرى "بكيزة وزغلول" تأتي صدفة من دون مناسبة. لا عدد سنوات لافتاً على بدء المسلسل، ولا ذكرى وفاة. لا شيء. فقط تلك الذكرى التي تأتي فجأة، وتُصبح حقيقة دافئة وجميلة، أكثر من أيّ شيء آخر. وحدها هذه الذكرى ومثيلاتها، تُسكت ألم يوميّاتنا. تأتي إلينا خفيفة لكن صادقة، بعيدة لكن دافئة، مثلنا في الماضي، قبل أن تتكاثر أوجاعنا، ونطرد الأحلام حلماً تلو الآخر.
"أنا بكيزة الدرملي بنت الأصول، وأنا زغلول العشماوي بنت أبو زغلول". الحياة في شقّين، وبينهما التفاصيل الأعمق. صداقة وألفة وكثير من الحب. ضحكات عرفناها على طبقات خشبية حفرنا عليها أسماءنا وقلوباً ليست مهداة إلى أحد. مجرّد قلوب، لنقول إنّنا نحب مثل الآخرين. ومثلهم، كانت لدينا أحرفٌ أولى لم تكتمل. ومثلهم، اختبأنا خلف أشجار لنحمي ابتساماتنا الأولى...
و"بابا ونيس، ماما مايسة، إحنا ولادكو هنرفع راسكو"، نكايةً بجميع كارهي الضاد. طوبى للذين لم يعرفوا "الفراخ" ولا "الحمام المحشي". و"هند والدكتور نعمان"، و"افتح يا سمسم"، وذلك الذي يشبه أحرفاً بقيت من غير أسماء، "رأفت الهجّان".
جميعهم ذكرى تُعيد لنا ابتساماتنا الأولى، التي نخاف أن نخسرها إلى الأبد. "بكيزة وزغلول وهند ونعمان ورأفت" كانوا وحدهم على الشاشات، من دون بقية لا قيمة لهم. ننظر إليهم وينظرون إلينا ونتبادل حباً وشوقاً. مثل كنوز نعثر عليها أخيراً، ونعيش معها إلى أن نبلغ لحظاتنا الأخيرة. نلفظ ما بقي من أنفاس بابتسامة، على أن نلتقي بآخرين في حلقات مقبلة.
وأم كلثوم حين نعثر عليها صباحاً قبل فيروز، ونعيش الفوضى، ونغيّر طقوسنا الموروثة. ووردة الجزائرية، إذا أردنا طمس كلّ هذه الآلام، كلّ هذه الأمراض الخبيثة. حياة بين بكيزة وزغلول، وبين أم كلثوم ووردة، ليست حياة بل أحلام تُزهر أحلاماً.
أعود إليهم جميعهم... إلى بداية وابتسامة أولى. إلى المرة الأولى التي أضع فيها أحمر الشفاه، وأعجز عن تحريك شفتَيّ.
اقــرأ أيضاً
وذكرى "بكيزة وزغلول" تأتي صدفة من دون مناسبة. لا عدد سنوات لافتاً على بدء المسلسل، ولا ذكرى وفاة. لا شيء. فقط تلك الذكرى التي تأتي فجأة، وتُصبح حقيقة دافئة وجميلة، أكثر من أيّ شيء آخر. وحدها هذه الذكرى ومثيلاتها، تُسكت ألم يوميّاتنا. تأتي إلينا خفيفة لكن صادقة، بعيدة لكن دافئة، مثلنا في الماضي، قبل أن تتكاثر أوجاعنا، ونطرد الأحلام حلماً تلو الآخر.
"أنا بكيزة الدرملي بنت الأصول، وأنا زغلول العشماوي بنت أبو زغلول". الحياة في شقّين، وبينهما التفاصيل الأعمق. صداقة وألفة وكثير من الحب. ضحكات عرفناها على طبقات خشبية حفرنا عليها أسماءنا وقلوباً ليست مهداة إلى أحد. مجرّد قلوب، لنقول إنّنا نحب مثل الآخرين. ومثلهم، كانت لدينا أحرفٌ أولى لم تكتمل. ومثلهم، اختبأنا خلف أشجار لنحمي ابتساماتنا الأولى...
و"بابا ونيس، ماما مايسة، إحنا ولادكو هنرفع راسكو"، نكايةً بجميع كارهي الضاد. طوبى للذين لم يعرفوا "الفراخ" ولا "الحمام المحشي". و"هند والدكتور نعمان"، و"افتح يا سمسم"، وذلك الذي يشبه أحرفاً بقيت من غير أسماء، "رأفت الهجّان".
جميعهم ذكرى تُعيد لنا ابتساماتنا الأولى، التي نخاف أن نخسرها إلى الأبد. "بكيزة وزغلول وهند ونعمان ورأفت" كانوا وحدهم على الشاشات، من دون بقية لا قيمة لهم. ننظر إليهم وينظرون إلينا ونتبادل حباً وشوقاً. مثل كنوز نعثر عليها أخيراً، ونعيش معها إلى أن نبلغ لحظاتنا الأخيرة. نلفظ ما بقي من أنفاس بابتسامة، على أن نلتقي بآخرين في حلقات مقبلة.
وأم كلثوم حين نعثر عليها صباحاً قبل فيروز، ونعيش الفوضى، ونغيّر طقوسنا الموروثة. ووردة الجزائرية، إذا أردنا طمس كلّ هذه الآلام، كلّ هذه الأمراض الخبيثة. حياة بين بكيزة وزغلول، وبين أم كلثوم ووردة، ليست حياة بل أحلام تُزهر أحلاماً.
أعود إليهم جميعهم... إلى بداية وابتسامة أولى. إلى المرة الأولى التي أضع فيها أحمر الشفاه، وأعجز عن تحريك شفتَيّ.