27 سبتمبر 2018
بمناسبة تقرير "أمنستي"
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً مفصلاً عن إعدام النظام السوري 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا. وكان "قيصر" قد سرّب صور 11 ألف معتقل قتلوا في السجون في السنوات الأولى للثورة. العدد سيكون أضخم، لأن ما تسرّب لم يصل إلى كل ما جرى في السجون ومراكز الاحتجاز، حيث كان واضحاً بعد عام من الثورة (حين جرى اعتقالي) أن التعليمات كانت تنصّ على ممارسة الوحشية، بغض النظر عن نتائجها على المعتقلين، وأن توتر النظام كان قد وصل إلى مرحلة الرعب من قوة الشعب، وهو الأمر الذي جعله يطلق يد الأجهزة الأمنية (والمخابرات الجوية خصوصاً)، بحيث تمارس الوحشية، بعد أن كان "التأديب" قد فات أوانه.
حين اعتُقلت في 23 إبريل/ نيسان سنة 2012، وغير ما مورس علي، سمعت ممن عشت معهم أياماً عن صنوف التعذيب التي مورست. لكن ما كُشف في ما بعد، وخصوصاً في تسريبات "قيصر"، فسّر لي ما شاهدته، حين نقلت إلى مشفى 601، حيث شاهدت الأجساد الهزيلة، التي ليس فيها سوى العظم والجلد، فقد كان معي في الغرفة اثنان من هؤلاء، توفي واحد وأنا هناك، وكان ينقل الآخر إلى الإنعاش، ويعاد لينقل من جديد. وربما لم أكن أفهم سبب هذا الهزال، على الرغم من أنني عشت أياماً بأقل ما يمكن من الأكل. ولقد استشهد معتقل آخر خلال مدّة وجودي، وثالث كان قد فقد عقله، نتيجة التعذيب (ذلك كله خلال أسبوع من وجودي في المشفى، أو المسلخ، حيث يمارس التعذيب اليومي). ولفت انتباهي أن المسؤول الأمني كان مهتماً بتسجيل أسماء من توفوا.
كانت هذه الحالة في السنة الأولى للثورة، وتوسعت مع تأزّم وضع النظام، بعد أن تراجعت قدرته على المواجهة، ومن ثم قرّر ممارسة الإبادة في السجون، والتي طاولت مئات الآلاف، وفي المناطق المحاصرة، وكذلك في كل المناطق الخارجة عن سيطرته، فقد قرّر الانتصار بالإبادة، إبادة الشعب من أجل أن يبقى في السلطة. لكنها سلطةٌ بلا شعب. فقد قتلت مئات الآلاف (وربما مليون)، وشرّدت أكثر من نصف السكان في سورية وخارجها، بعد أن دمّرت جزءاً مهماً من سورية. بالتالي، فإنها تسير لأنْ لا تبقي الدولة أصلاً.
طبيعي أن تنفي السلطة ما جاء في تقرير "أمنستي"، لأنها لن تعترف بأنها تمارس الإبادة الجماعية، وأن تنفي روسيا ما جاء في التقرير فأمر مفهوم، لأنها تغطي جرائم السلطة، وتشاركها فيها، عبر القصف الوحشي على المدن والبلدات والقرى، بأحدث الأسلحة التي تقول إنها جرّبت أكثر من ستين نوعاً من الأسلحة الحديثة، لكن التبرير الروسي لرفض التقرير يقوم على أنه "يثير الأحقاد" بين السوريين، وكأن الكلمات وحدها ما يفضي إلى فعل إثارة الأحقاد، وليس الممارسات الفعلية للسلطة (ولروسيا كذلك). ويتجاهل الروس أن معظم سكان سورية يلمسون كل هذه الوحشية التي أشار التقرير إلى جزء محدود منها. وهنا، حتى من يُعتبر "موالياً" يعرف الوحشية، لأنها طاولته بشكل أو بآخر. يعرف كل السوريين، فيما عدا الممانعين وأصحاب المصالح، أي وحشيةٍ مارستها السلطة، وأن السلطة، بالأساس، هي التي مارست كل هذه الوحشية، وحتى وحشية "داعش" وجبهة النصرة ذات صلة بالسلطة ذاتها وداعميها.
ربما لا تقود تحيزات الصراع القائم، والأوهام التي تثير الخوف من "الجهاديين"، إلى أن يقول الذين يعتبرون موالين ذلك. لكن، حتى هؤلاء لا يخفى تلمسهم بشاعة ما مارسته السلطة، واعتبار أنها المدمِّر الأساس للبلد، ومن ثم خوفهم منها، من وحشيتها. ولا شك في أن كل من سُجن يعرف ما يجري في السجون، وقد فاق هؤلاء المليونين ربما. وكذلك يعرف الوحشية كل من هُدم بيته وشُرِّد، أو قتل أحدٌ من أهله. بالتالي، تعرف الملايين السورية، بدقة وتفصيل، وحشية النظام، وتصدِّق كل ما يقال عن ذلك. كيف يمكن لنا أن نقنع هؤلاء كلهم أن تقرير "أمنستي" كاذب؟ أما أنه "يزيد الأحقاد" فالشعب السوري لم يحقد، لكنه يريد إسقاط النظام ومحاسبة مسؤوليه على البربرية التي مارسوها، وأيضاً يريد محاسبة كل من تدخل لحماية النظام، من إيران وحزب الله، إلى روسيا، و"داعش" وجبهة النصرة، وكل من دعم تدمير الثورة من دول إقليمية وعالمية.
حين اعتُقلت في 23 إبريل/ نيسان سنة 2012، وغير ما مورس علي، سمعت ممن عشت معهم أياماً عن صنوف التعذيب التي مورست. لكن ما كُشف في ما بعد، وخصوصاً في تسريبات "قيصر"، فسّر لي ما شاهدته، حين نقلت إلى مشفى 601، حيث شاهدت الأجساد الهزيلة، التي ليس فيها سوى العظم والجلد، فقد كان معي في الغرفة اثنان من هؤلاء، توفي واحد وأنا هناك، وكان ينقل الآخر إلى الإنعاش، ويعاد لينقل من جديد. وربما لم أكن أفهم سبب هذا الهزال، على الرغم من أنني عشت أياماً بأقل ما يمكن من الأكل. ولقد استشهد معتقل آخر خلال مدّة وجودي، وثالث كان قد فقد عقله، نتيجة التعذيب (ذلك كله خلال أسبوع من وجودي في المشفى، أو المسلخ، حيث يمارس التعذيب اليومي). ولفت انتباهي أن المسؤول الأمني كان مهتماً بتسجيل أسماء من توفوا.
كانت هذه الحالة في السنة الأولى للثورة، وتوسعت مع تأزّم وضع النظام، بعد أن تراجعت قدرته على المواجهة، ومن ثم قرّر ممارسة الإبادة في السجون، والتي طاولت مئات الآلاف، وفي المناطق المحاصرة، وكذلك في كل المناطق الخارجة عن سيطرته، فقد قرّر الانتصار بالإبادة، إبادة الشعب من أجل أن يبقى في السلطة. لكنها سلطةٌ بلا شعب. فقد قتلت مئات الآلاف (وربما مليون)، وشرّدت أكثر من نصف السكان في سورية وخارجها، بعد أن دمّرت جزءاً مهماً من سورية. بالتالي، فإنها تسير لأنْ لا تبقي الدولة أصلاً.
طبيعي أن تنفي السلطة ما جاء في تقرير "أمنستي"، لأنها لن تعترف بأنها تمارس الإبادة الجماعية، وأن تنفي روسيا ما جاء في التقرير فأمر مفهوم، لأنها تغطي جرائم السلطة، وتشاركها فيها، عبر القصف الوحشي على المدن والبلدات والقرى، بأحدث الأسلحة التي تقول إنها جرّبت أكثر من ستين نوعاً من الأسلحة الحديثة، لكن التبرير الروسي لرفض التقرير يقوم على أنه "يثير الأحقاد" بين السوريين، وكأن الكلمات وحدها ما يفضي إلى فعل إثارة الأحقاد، وليس الممارسات الفعلية للسلطة (ولروسيا كذلك). ويتجاهل الروس أن معظم سكان سورية يلمسون كل هذه الوحشية التي أشار التقرير إلى جزء محدود منها. وهنا، حتى من يُعتبر "موالياً" يعرف الوحشية، لأنها طاولته بشكل أو بآخر. يعرف كل السوريين، فيما عدا الممانعين وأصحاب المصالح، أي وحشيةٍ مارستها السلطة، وأن السلطة، بالأساس، هي التي مارست كل هذه الوحشية، وحتى وحشية "داعش" وجبهة النصرة ذات صلة بالسلطة ذاتها وداعميها.
ربما لا تقود تحيزات الصراع القائم، والأوهام التي تثير الخوف من "الجهاديين"، إلى أن يقول الذين يعتبرون موالين ذلك. لكن، حتى هؤلاء لا يخفى تلمسهم بشاعة ما مارسته السلطة، واعتبار أنها المدمِّر الأساس للبلد، ومن ثم خوفهم منها، من وحشيتها. ولا شك في أن كل من سُجن يعرف ما يجري في السجون، وقد فاق هؤلاء المليونين ربما. وكذلك يعرف الوحشية كل من هُدم بيته وشُرِّد، أو قتل أحدٌ من أهله. بالتالي، تعرف الملايين السورية، بدقة وتفصيل، وحشية النظام، وتصدِّق كل ما يقال عن ذلك. كيف يمكن لنا أن نقنع هؤلاء كلهم أن تقرير "أمنستي" كاذب؟ أما أنه "يزيد الأحقاد" فالشعب السوري لم يحقد، لكنه يريد إسقاط النظام ومحاسبة مسؤوليه على البربرية التي مارسوها، وأيضاً يريد محاسبة كل من تدخل لحماية النظام، من إيران وحزب الله، إلى روسيا، و"داعش" وجبهة النصرة، وكل من دعم تدمير الثورة من دول إقليمية وعالمية.