وأظهرت تطورات الأيام القليلة الماضية، ملامح مرحلة جديدة من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الخانقة، عمّت البلاد بنسبٍ متفاوتة من محافظة إلى أخرى، مع ارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية وانعدام المشتقات النفطية في محطات الوقود وإغلاق ما تبقى من المنافذ الجوية، جنباً إلى جنب مع التدهور المريع والمستمر لأسعار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وانتقال البلاد إلى مستوى جديد من الكارثة التي تهدد الملايين.
وأكد سكان في العاصمة اليمنية لـ"العربي الجديد" تراجع مستوى الحركة العامة على المستويين الخاص والعام كنتيجة للأزمة، في ظلّ مخاوف من اشتدادها مع كل يوم إضافي، إذا ما استمر إغلاق الموانئ التي تصل عبرها أغلب الواردات التجارية من الخارج، في حين لا يزال المئات من المسافرين اليمنيين جواً عالقين في المطارات في انتظار عودة الرحلات الجوية، بمن فيهم المرضى، الذين يحتاجون للعلاج في الخارج.
على المستوى المحلي، لاقى قرار التحالف بإغلاق المنافذ كافة، استياءً لدى مختلف الأوساط اليمنية، التي رأت أن القرار يفرض عقاباً جماعياً على ملايين اليمنيين، خصوصاً مع شموله للمناطق التي تطلق عليها الحكومة الشرعية والتحالف تسمية "المحافظات المحررة"، وهي المناطق الأكبر من حيث المساحة وعدد المنافذ، لكنها الأقل من حيث الكثافة السكانية التي تتركز في المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائهم أو في المناطق المشتعلة بالمواجهات والمتأثرة بالحرب كمحافظة تعز.
وعقب موجة الإدانات الدولية التي تضامنت مع السعودية إزاء الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون واستهدف مطار الرياض الدولي، مساء السبت الماضي، أدى قرار التحالف بإغلاق المنافذ، إلى موجة مغايرة من ردات الفعل التي عبّر أصحابها عن رفضهم للحصار المفروض على اليمن، وأبرزها دعوة مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء الماضي، التحالف، لإبقاء الموانئ والمطارات اليمنية مفتوحة لإيصال المساعدات الإنسانية.
وأعلن رئيس مجلس الأمن الدوري للشهر الحالي، سيباستيانو كاردي، في تصريح للصحافيين، عقب اجتماع معلّق عقده المجلس حول اليمن بطلب من السويد، يوم الأربعاء، أنّ أعضاء المجلس الـ15 عبروا عن قلقهم جراء "الوضع الإنساني الكارثي في اليمن"، وشددوا على "أهمية إبقاء كل الموانئ والمطارات اليمنية مفتوحة"، فيما حذّرت الأمم المتحدة، وعلى لسان مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، من أنّ الحصار الذي يفرضه التحالف على اليمن، يجعل البلد يواجه "المجاعة الأضخم" منذ عقود، مما قد يؤدي إلى سقوط ملايين الضحايا، في وقت أصدرت 15 منظمة دولية، بياناً يطالب بالاستئناف الفوري لإيصال المساعدات، ويحذّر من كارثة في حال استمر الإغلاق.
وكانت الأمم المتحدة علّقت منذ الاثنين الماضي، رحلاتها الإنسانية إلى مطار صنعاء الدولي، وأشعرت السفن الإغاثية الموجودة في ميناء الحديدة غربي البلاد بالانسحاب. وعلى الرغم من أنباء عن إعادة فتح ميناء عدن منذ يوم الأربعاء الماضي، إلاّ أنّ أزمة إغلاق المنافذ، تبقى مرتبطة بميناء الحديدة، باعتباره المرفأ الأهم الذي تصل إليه أغلب الواردات التجارية والمساعدات الإنسانية.
عسكرياً، وعلى الرغم من التصعيد الذي رافق التطورات الأخيرة، بتكثيف الضربات الجوية للتحالف في صنعاء ومحافظات أخرى شمالي البلاد، إلا أن المواقع والمعسكرات التي يتم استهدافها، في الغالب، سبق أن تعرّضت للقصف خلال العامين الماضيين. وحتى على مستوى القصف الذي يذهب ضحيته مدنيون، كما حصل في محافظة حجة، يوم الثلاثاء الماضي، فالحوادث باتت مكررة، في الحرب التي طال عمرها فوق التوقعات.
ويبدو إجمالاً، أن اليمن وبعد أيام على إغلاق المنافذ، دخل مرحلة جديدة من الأزمة الإنسانية الكارثية بالأساس والتي صنفتها الأمم المتحدة بالأسوأ عالمياً، مع وجود حوالى 80 بالمائة من السكان بحاجة إلى مساعدات، وفقدان ملايين اليمنيين لمصادر دخلهم أو انقطاع مرتباتهم الوظيفية في القطاع الحكومي منذ أكثر من عام، في حين ارتفعت أسعار بعض السلع إلى الضعف، مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.