بوركينا فاسو في مرمى "القاعدة": خطر المتشدّدين يتمدّد

باريس

عبدالإله الصالحي

avata
عبدالإله الصالحي
17 يناير 2016
566AECAE-3F57-42A2-A590-7B502BEE302D
+ الخط -

لم يشكّل الاعتداء الدامي الذي استهدف، أول من أمس الجمعة واستمر حتى السبت، فندقاً ومطعماً في قلب عاصمة بوركينا فاسو، واغادوغو، يرتادهما رعايا غربيون وموظفو الأمم المتحدة والنخبة السياسية والاقتصادية المحلية، مفاجأة كبيرة للمتتبعين للأوضاع في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية. وجاء هذا الاعتداء بعد مرور شهرين على الاعتداء الدموي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الذي استهدف فندقاً فخماً في قلب باماكو عاصمة مالي، وأسفر عن مقتل 20 شخصاً. وهو الاعتداء الذي تبناه تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وأيضاً تنظيم "المرابطون" الذي يقوده الجزائري مختار بلمختار، وهما التنظيمان اللذان ينشطان بقوة في منطقة الساحل والصحراء ضد فرنسا وحلفائها، ويخوضان منذ سنوات عدة حرب استنزاف شرسة ضد الوجود الفرنسي.

الهجوم الذي بدأ ليل الجمعة، واستهدف فندق "سبلنديد" ومقهى "كابوتشينو" وسط العاصمة، أدى إلى مقتل 27 شخصاً على الأقل من 18 جنسية، إضافة إلى مقتل ثلاثة متشددين، بينما أنهت قوات الأمن عملياتها، السبت، ضد المهاجمين بعد 12 ساعة على بدء الاعتداء. وقال السفير الفرنسي لدى بوركينا فاسو جيل تيبو، إن 27 شخصاً قُتلوا في الهجوم، مشيراً في تغريدة على تويتر إلى أنه تم إنقاذ 150 شخصاً من 18 دولة من مكان الهجوم وتلقوا علاجاً. فيما أعلن وزير الاتصالات ريميس داندجينو لوكالة "فرانس برس"، أن وزير العمل كليمان ساوادوغو كان في الفندق عند بدء الهجوم، لكنه نجح بالخروج منه سالماً.

وتبنّى تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" الاعتداء الذي نسبه إلى كتيبة "المرابطون"، بحسب موقع "سايت" الأميركي المتخصص في متابعة مواقع الحركات المتشددة. وقال أحد المهاجمين، في بيان تبني العملية، إن ثلاثين شخصاً قُتلوا.

وندد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في بيان أصدره قصر الإليزيه أمس، بالاعتداء "المقيت والجبان" الذي ضرب واغادوغو. وأضاف بيان قصر الإليزيه "أن القوات الفرنسية تقدّم دعمها لقوات بوركينا"، معلناً "دعم" رئيس الجمهورية "التام" لرئيس بوركينا فاسو، روش مارك كريستيان كابوري.

وكانت القوات الفرنسية قد نجحت في السنوات الأخيرة بتوجيه ضربات مُوجعة للتنظيمات المتشددة المختلفة في منطقة الصحراء، والإجهاز على عدد من القيادات المحلية، وخصوصاً في شمال مالي، لكن الجهاديين تكيّفوا بسرعة مع المعطيات العسكرية الجديدة وغيّروا من تكتيكاتهم الحربية.

ونقل هؤلاء الحرب إلى قلب العواصم والمدن الكبرى في مالي والنيجر وساحل العاج وبوركينا فاسو، بالاعتماد على خلايا انتحارية قليلة العدد لكنها عالية التدريب والتسليح ومصممة على إلحاق أكبر عدد من الخسائر البشرية، مستهدفة بشكل دقيق المطاعم الفخمة والفنادق التي تأوي عادة الفرنسيين والرعايا الغربيين.

اقرأ أيضاً: بوركينا فاسو: أربعة تحديات أمام الرئيس المنتخب

ويُشكّل نقل المواجهات إلى العواصم والمدن الكبرى، ونقل العمليات إلى بلدان كانت حتى وقت قريب في مأمن من الهجمات، كابوساً مخيفاً للقوات الفرنسية، نظراً للثغرات الأمنية الكبيرة في دول منطقة الساحل وأيضاً لتداعياتها على مراحل الانتقال الديمقراطي في هذه الدول الهشة. وهذا ما عكسه اعتداء واغادوغو الذي وقع على بعد كيلومترات قليلة من الثكنة العسكرية التي تأوي حوالي 200 من عناصر القوات الخاصة التي تعمل في إطار عملية "برخان" التي تقود الحرب ضد التنظيمات المتشددة في منطقة الساحل والصحراء.

وحسب عدد من المراقبين، فإن الجيش الفرنسي وعلى الرغم من إمكانياته الهائلة واستعانته بالأميركيين، فهو يجد نفسه عاجزاً عن استئصال نشاط المتشددين، نظراً للطبيعة العرقية المعقّدة في المنطقة، وللصلات الوثيقة التي تربط بين هذه التنظيمات، والتي تجعلها تتوحّد وتنسّق في ما بينها من أجل استهداف الوجود الفرنسي والغربي في المنطقة.

وإذا كانت التنظيمات المتشددة التاريخية مثل تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"المرابطون" تتركز بشكل أساسي في شمال مالي قبل عملية "سرفال" التي شنّتها القوات الفرنسية في العام 2012، فإن خارطة هذه التنظيمات تمدّدت بشكل أخطبوطي ومقلق في كافة المناطق المالية، وأيضاً في جنوب ليبيا والنيجر والشريط الصحراوي الذي يخترق حدود العديد من دول الساحل. وهذا ما جعل البعض يعتبر بأن التدخل الفرنسي فشل في خيار الحرب الاستئصالية وزاد من تعقيد خريطة المنظمات المتشددة في المنطقة، على الرغم من نجاحه في منع إقامة معاقل آمنة لهم.

ويُشكّل اعتداء واغادوغو غير المسبوق، تحدياً إضافياً للرئيس الجديد روش مارك كريستيان كابوري، الذي تسلّم مهامه في مستهل شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي. فإضافة إلى المهام الإصلاحية الاقتصادية والاجتماعية والدستورية التي تنتظر كابوري، يبرز الأمن ومكافحة الإرهاب كتحدٍ في قائمة أولوياته، خصوصاً أن المرحلة الانتقالية شهدت تراجعاً كبيراً على المستوى الأمني، إذ دخلت الأجهزة الأمنية والجيش في معمعة التجاذبات السياسية، ما أثّر كثيراً على أدائها. كما أن قسماً من القوات الخاصة المكلفة بمحاربة الإرهاب والمدرّبة من قِبل كوادر فرنسية، تم إلحاقها بأجهزة أمنية أخرى بعد المحاولة الانقلابية في سبتمبر/ أيلول الماضي، ما أدى إلى تذويبها وشل قدراتها.

وكان رئيس أركان الجيش السابق الجنرال برينغوروما زاغري، دق ناقوس الخطر في يونيو/ حزيران الماضي عقب هجوم تبناه تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في شمال البلاد عند الحدود مع مالي، وأسفر عن مقتل ستة جنود. وحذر الجنرال زاغري وقتها من وجود مخطط محكم للتنظيمات المتشددة لاستهداف بوركينا فاسو بسبب تردي الأوضاع الأمنية بعد انهيار نظام الرئيس المخلوع بليز كامباوري في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2014.

وعلى الرغم من هذه التحذيرات التي أكدتها وزارة الدفاع الفرنسية، فإن ذلك لم يمنع المتشددين من مواصلة المعركة بشراسة مع القوات الفرنسية، خصوصاً من قِبل تنظيم "المرابطون" الذي يقوده مختار بلمختار الذي يكن حقداً للوجود الفرنسي في منطقة الساحل.

اقرأ أيضاً: الإرهاب يضرب مالي: نقل المعركة ضد فرنسا إلى الخارج؟

ذات صلة

الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
خالد شيخ محمد عقب القبض عليه في مارس 2003 (Getty)

سياسة

في صباح الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كان خالد شيخ محمد يجلس في مقهى في كراتشي بدولة باكستان، عندما شاهد الطائرة الأولى تصطدم ببرج التجارة العالمي
الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
المساهمون