للبنانيين، والشاميين عموماً، ذاكرتان منفصلتان مع الأغنية المصرية. الأولى هي ذاكرة ما يسمّى بـ"الزمن الجميل"، تستقي ديمومتها من نوستالجيا مستهلكة؛ زمن أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب... وتقف هذه الذاكرة تقريباً مع تشييع عبد الحليم عام 1977. ثم يأتي الفراغ. فراغ استمرّ عقداً من الزمن، نهضت فيه الأغنية اللبنانية، بالتزامن مع اشتداد الحرب الأهلية.
فراغ مصريّ لعقد كامل (تخللته وقفات فردية مع وردة وسميرة سعيد...)، ينكسر فجأة مع مجموعة من الأغاني الإيقاعية، ليستعيد الشاميون علاقتهم الحميمة بالأغنية المصرية: "لولاكي" (علي حميدة، 1988)، "داني، بحبك يا أسمراني" (إيهاب توفيق، 1989)، "شوّقنا" (عمرو دياب، 1989).. وغيرها من الأعمال المتشابهة بهويتها وإيقاعها، والمختلفة بمغنّيها. فبرزت أسماء مثل هشام عباس، ومحمد فؤاد، وعلي حميدة، وإيهاب توفيق، ومصطفى قمر، ومعهم جميعاً عمرو دياب طبعاً. استمرت نجومية هؤلاء على الساحة العربية، وتحديداً في لبنان حتى نهاية التسعينيات. سيطروا على الإذاعات والفيديو كليب، متقدمين في أوقات كثيرة على الفنانين اللبنانيين، مثل راغب علامة وعاصي الحلاني وربيع الخولي، وغيرهم من نجوم تلك المرحلة اللبنانية. لكن، ما كان يجهله المستمع اللبناني في تلك الحقبة، أنّ خلف كل هذه الأسماء شخصا واحدا، صانع نجوم الثمانينيات والتسعينيات، هو الموزّع والملحّن الليبي حميد الشاعري.
لم تتضح معالم صانع النجوم هذا، بشكل واضح، في بلاد الشام، إلا بعد دويتو "عيني" (1997) بين هشام عباس والشاعري. ثمّ دويتو "آه يا غزالي" بين الشاعري ومصطفى قمر (2000). كل هذه الإيقاعات التي رافقت حالة السلام اللبناني، وعودة الحياة إلى ليالي بيروت، كانت برعاية حميد الشاعري. الموزّع الموسيقي الذي عرّف العالم العربي أهمية التوزيع، بعد سنوات كان الموزّع جندياً مجهولاً، متوارياً خلف نجومية الفنان، وشهرة كاتب الكلام والملحّن.
صنع حميد الشاعري هوية الموسيقى المصرية الجديدة في أذهان اللبنانيين. طبعاً لاحقته اتهامات ساذجة من منظّري المدرسة الكلاسيكية في لبنان، عن تسطيح الموسيقى، وإفساد الذائقة العامة، وتشويه الذاكرة الموسيقية المصرية في أذهان اللبنانيين. لكنه كلام لم يجد صداه في الشارع، فمع ألبومَي "ميال" و"متخافيش" ثم "نور العين" لعمرو دياب، كانت توزيعات حميد الشاعري هي الأشهر في لبنان، وعمرو دياب نجم لا ينافسه على عرشه لا فنان لبناني ولا مصريّ.
مطلع الألفية الجديدة، بدأ وهج حميد الشاعري يخفت في مصر وفي لبنان. برزت أسماء أخرى، وعادت النجومية حكراً على المغني بشكل أساسي. استعادت الأغنية المحلية اللبنانية بريقاً تجارياً، متزامناً مع بروز برامج المواهب وتلفزيون الواقع. وُلد نجوم شاميون جدد، ولم يبق من النجوم المصريين، على الساحة اللبنانية، سوى عمرو دياب الذي اختفت حفلاته تدريجياً في لبنان.
ومع وصول الجيل الجديد من النجوم المصريين، أي تامر حسني، ومحمد حماقي، ورامي صبري، وشيرين، بات نجاح الأغنية المصرية في لبنان، مرتبطا بالأغنية نفسها وليس بالفنان، فتنجح أغنية لشيرين هنا، وأغنية لتامر حسني هناك، لكن الروح اللبنانية بقيت تميل نحو نجومها المحليين الجدد: وائل كفوري، وملحم زين، وجوزيف عطية، وإليسا، ونانسي عجرم...
اختفاء الأغنية المصرية من المجال العام اللبناني دفعت نقيب الموسيقيين المصريين، هاني شاكر، إلى توجيه انتقاد إلى الإذاعات اللبنانية العام الماضي، متهماً إياها بـ "تجاهل الأغنية المصرية".
اقــرأ أيضاً
ربما كان النقيب على حقّ، لكن ربّما أيضاً يتجاهل هاني شاكر أن الأغنية المصرية غرقت، منذ بداية الألفية، في محليتها، لتأتي الثورة وتخلق نجوماً جدداً؛ فرقاً ومغنين مستقلين (بغض النظر عن هشاشة التسمية) وتعيد خلط المشهد الموسيقي المصري، فتزيح نجوماً وتصنع آخرين، ثمّ تولد موسيقى المهرجانات، ثم تستعيد الأغنية الشعبية القليل من عافيتها. زعزعة ثقافية لا تغري المستمع اللبناني الراكن إلى مساحته الآمنة، وسط مجموعة من الأسماء المحلية المعروفة.
فراغ مصريّ لعقد كامل (تخللته وقفات فردية مع وردة وسميرة سعيد...)، ينكسر فجأة مع مجموعة من الأغاني الإيقاعية، ليستعيد الشاميون علاقتهم الحميمة بالأغنية المصرية: "لولاكي" (علي حميدة، 1988)، "داني، بحبك يا أسمراني" (إيهاب توفيق، 1989)، "شوّقنا" (عمرو دياب، 1989).. وغيرها من الأعمال المتشابهة بهويتها وإيقاعها، والمختلفة بمغنّيها. فبرزت أسماء مثل هشام عباس، ومحمد فؤاد، وعلي حميدة، وإيهاب توفيق، ومصطفى قمر، ومعهم جميعاً عمرو دياب طبعاً. استمرت نجومية هؤلاء على الساحة العربية، وتحديداً في لبنان حتى نهاية التسعينيات. سيطروا على الإذاعات والفيديو كليب، متقدمين في أوقات كثيرة على الفنانين اللبنانيين، مثل راغب علامة وعاصي الحلاني وربيع الخولي، وغيرهم من نجوم تلك المرحلة اللبنانية. لكن، ما كان يجهله المستمع اللبناني في تلك الحقبة، أنّ خلف كل هذه الأسماء شخصا واحدا، صانع نجوم الثمانينيات والتسعينيات، هو الموزّع والملحّن الليبي حميد الشاعري.
لم تتضح معالم صانع النجوم هذا، بشكل واضح، في بلاد الشام، إلا بعد دويتو "عيني" (1997) بين هشام عباس والشاعري. ثمّ دويتو "آه يا غزالي" بين الشاعري ومصطفى قمر (2000). كل هذه الإيقاعات التي رافقت حالة السلام اللبناني، وعودة الحياة إلى ليالي بيروت، كانت برعاية حميد الشاعري. الموزّع الموسيقي الذي عرّف العالم العربي أهمية التوزيع، بعد سنوات كان الموزّع جندياً مجهولاً، متوارياً خلف نجومية الفنان، وشهرة كاتب الكلام والملحّن.
صنع حميد الشاعري هوية الموسيقى المصرية الجديدة في أذهان اللبنانيين. طبعاً لاحقته اتهامات ساذجة من منظّري المدرسة الكلاسيكية في لبنان، عن تسطيح الموسيقى، وإفساد الذائقة العامة، وتشويه الذاكرة الموسيقية المصرية في أذهان اللبنانيين. لكنه كلام لم يجد صداه في الشارع، فمع ألبومَي "ميال" و"متخافيش" ثم "نور العين" لعمرو دياب، كانت توزيعات حميد الشاعري هي الأشهر في لبنان، وعمرو دياب نجم لا ينافسه على عرشه لا فنان لبناني ولا مصريّ.
مطلع الألفية الجديدة، بدأ وهج حميد الشاعري يخفت في مصر وفي لبنان. برزت أسماء أخرى، وعادت النجومية حكراً على المغني بشكل أساسي. استعادت الأغنية المحلية اللبنانية بريقاً تجارياً، متزامناً مع بروز برامج المواهب وتلفزيون الواقع. وُلد نجوم شاميون جدد، ولم يبق من النجوم المصريين، على الساحة اللبنانية، سوى عمرو دياب الذي اختفت حفلاته تدريجياً في لبنان.
ومع وصول الجيل الجديد من النجوم المصريين، أي تامر حسني، ومحمد حماقي، ورامي صبري، وشيرين، بات نجاح الأغنية المصرية في لبنان، مرتبطا بالأغنية نفسها وليس بالفنان، فتنجح أغنية لشيرين هنا، وأغنية لتامر حسني هناك، لكن الروح اللبنانية بقيت تميل نحو نجومها المحليين الجدد: وائل كفوري، وملحم زين، وجوزيف عطية، وإليسا، ونانسي عجرم...
اختفاء الأغنية المصرية من المجال العام اللبناني دفعت نقيب الموسيقيين المصريين، هاني شاكر، إلى توجيه انتقاد إلى الإذاعات اللبنانية العام الماضي، متهماً إياها بـ "تجاهل الأغنية المصرية".