هو الأربعاء الأخير من إبريل/ نيسان. ما الذي يجعله مميزاً إذاً؟ ربما لا شيء بالنسبة إلى مناطق لبنانية وعربية أخرى، لكنّه بالنسبة للعاصمة بيروت وأبنائها مميز في كونه فرصة للتلاقي والاحتفال بذكرى تراثية فولكلورية ضاربة في التاريخ الاجتماعي للمدينة البحرية. هي "أربعاء أيوب" أو "أربعة أيوب" باللهجة المحلية.
أيوب المذكور، هو النبي أيوب المعروف بصبره الكبير، فالروايات الدينية لا سيما القرآنية والتوراتية، تضرب المثال به في الصبر على ما ابتلاه الله به من مصائب في صحته ورزقه وأولاده. مع ذلك، بقي مؤمناً بالله صابراً بانتظار الفرج، حتى باتت مقولة "يا صبر أيوب" من صميم التراث في كثير من البلدان العربية تاريخياً وحاضراً.
أما ارتباطه ببيروت فنابع من صحته العليلة بالذات، إذ تروي الحكايات الشعبية أنّه وصل من فلسطين إلى بيروت للاستشفاء فيها وفي جبل لبنان بسبب مناخهما الملائم؛ فكان ينزل إلى مياه البحر 7 مرات كلّ مرة لهذه الغاية.
تلك المياه التي سبح فيها النبي أيوب باتت اليوم ملوثة، أما شاطئ الرملة البيضاء فقضم معظمه ولم يبق غير القليل. ذلك القليل تحاول بعض الجمعيات اللبنانية من خلاله إعادة إحياء ذكرى "أربعة أيوب" التي دأب عليها البيارتة منذ زمن طويل. وبينما كان الوصول إلى الشاطئ دونه تلال من الرمال الحمراء التي كانت تميز العاصمة في الماضي، لم يتوانَ أبناؤها عن احتفالهم السنوي بشوي اللحوم وإعداد المأكولات الدسمة والحلويات لا سيّما المفتّقة، وهي صحن بيروتي يعدّ من طحينة السمسم والعقدة الصفراء (الكركم) والسكر والأرزّ بالإضافة إلى الصنوبر.
هذا الأربعاء أقيم الاحتفال مجدداً، ووصل بعض الأهالي. وفي مدينة يشكّل الأسمنت والازدحام والمركبات الكثيفة هويتها الجديدة بعيداً عن المساحات العامة التي تتضاءل شيئاً فشيئاً، يبدو الأمل صعباً في عودة كلّ شيء إلى ما كان عليه. مع ذلك، تبقى للذكرى نكهتها، ولبيروت مكانتها التاريخية والحاضرة، وللبيارتة شغفهم الخاص بتراثهم.