لعلّ المؤرخ الأدبي هو أشد ما تفتقده ثقافتنا العربية المعاصرة، فأنموذج الناقد المؤرخ يتعدّى وجوده الندرة إلى ما يشبه الغياب، وما علينا سوى التنقيب في إرهاصات ومحاولات شحيحة لم تُستكمل ولم يُبن عليها.
مرّت -على سبيل المثال لا الحصر- قرابة ستة عقود على صدور "الاتجاهات الأدبية الحديثة في فلسطين والأردن حتى سنة 1950" لناصر الدين الأسد، من دون أن يُتابع ويُستكمل في بلدين عربيين شقيقين، ساحتهما الثقافية صغيرة نسبياً، مثل فلسطين والأردن.
حتى تأريخ الأسد لـ"مصادر الشعر الجاهلي"، وهو إنجازه الأهم، لم يستكمل هو الآخر، وبقي عملاً كلاسيكياً مبجّلاً ومهجوراً في آن.
وعليه، ليس غريباً أن يبقى التاريخ الأدبي للأردن وفلسطين مشوّشاً وعرضة لأهواء وتوظيفات سياسية سطحية لا تكترث لعمق التجربة الجماعية التي خاضها أهلنا الأردنيون والفلسطينيون جنباً إلى جنب، ولتاريخهما الاجتماعي المشترك، وتقاسمهما زمناً قاسياً ولحظات قليلة من الغبطة.
توظيفات تفتقر إلى أدنى تقدير لجهد ثلاثة أجيال من المثقفين حول ضفتي النهر. بقي تاريخنا الثقافي (وتاريخنا بالمطلق) مرويات شفوية وانطباعات وقطعاً ناقصة لا تشكّل صورة يمكن أن يبنى عليها الراهن الذي نريده.
التاريخ الثقافي ليس أهزوجة موسمية وحداء زجالين متنقّلين بين الأعراس. إنه الإنسان في تشكّله وممكنات مستقبله.