13 فبراير 2022
تأملات بشأن تفجير الكنيسة البطرسية
يمثل حادث تفجير الكنيسة البطرسية الذي راح ضحيته 26 مواطناً مصرياً نقطة تحول في مسار الصراع السياسي والتوتر المجتمعي في مصر. وهو حادث يكشف حجم الكارثة التي وصلت إليها البلاد، تحت حكم نظام عسكري، يبدو مستفيداً من الكوارث، ولا يتوارى عن توظيفها سياسياً بشكلٍ يضمن له البقاء والاستمرار على نحو ما حدث في حادثة الكنيسة. لذا، لم يكن غريباً أن يتبنى هذا النظام وإعلامه منذ وقوع الحادثة سيناريو العمل الإرهابي، من أجل تبرير سياسة القمع والعنف تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. ولا يذهب هذا النظام ومن يفكر وينظّر له (هل يفكّرون أصلا؟) أبعد من موضع قدميه، في تفسير حالة العنف والتوحش المجتمعي والطائفي التي أصبحت عليها البلاد، فهو لا يعبأ كثيراً بالمسبّبات بقدر ما تهمه النتائج. ولا يجب أن يمر حادث تفجير الكنيسة من دون الوقوف عنده، وقراءة دلالاته، وأهمها:
أولاً: يتطلب ما حدث إدانة قاطعة وغير مشروطة، وهذا أمر بدهي، وليس في حاجة لمرافعاتٍ أخلاقية وسياسية. ولكن، بالقدر ذاته، يتطلب الحدث فهماً عميقاً لأسبابه، وتفكيكاً لخلفياته، واستنباطاً لتداعياته، وما سوف يتركه على الحالة السياسية والمجتمعية في مصر. صحيح أن ما حدث قد يبدو، ولو ظاهرياً، كجزء من سياق عام، وحالة إقليمية متزايدة، باتت فيها عمليات العنف والقتل والاستباحة على أسس الهوية والدين والطائفة طقساً يومياً، إلا أن التطبيع النفسي والمجتمعي مع حدثٍ كهذا ستكون له تداعيات وخيمة في السياق المصري.
ثانياً، إذا كان حادثٌ كهذا يستحق الإدانة، فإن كل عمليات القتل والتصفية التي تقوم بها الدولة وأجهزتها الأمنية خارج إطار القانون تستحق الإدانة وبالقدر ذاته. قطعاً ليس هذا محاولةً لموازاة الدولة، كفكرة مجردة علي الأقل، مع تنظيمات إرهابية مجرمة، وإنما محاولة لكشف التناقض في التعاطي مع مسألة القتل واستحلال النفوس التي تمارسها كل الأطراف. فما يقوم به النظام الحالي من شيطنةٍ ونزعٍ للإنسانية عن مخالفيه، واغتيالهم معنوياً ومادياً، يغذّي دائرة
العنف والتطرّف والإرهاب التي يدفع ثمنها أبرياء كثيرون. ويتحمل هذا النظام وإعلامه مسؤوليةً كبيرةً بشأن إحداث مناخٍ انقساميٍّ واستقطابيٍّ سياسياً وطائفياً، بشكل لم تشهده مصر من قبل بشكل يغذّي العنف المجتمعي والطائفي ويساعدهما.
ثالثاً، هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها تفجيراً انتحارياً في قلب القاهرة، وذلك إذا ما صحّت رواية النظام وإعلامه حول قيام أحد المنتمين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهو الشاب محمود شفيق محمد مصطفى بتفجير نفسه بحزام ناسف داخل الكنيسة. وهي الرواية نفسها التي تبناها "داعش" في بيان له نشر بعد يومين من حادث الكنيسة. سبق ذلك تفجيرٌ مشابهٌ في كنيسة القدّيسين في الإسكندرية أوائل عام 2011 وراح ضحيته ما يقرب من 23 شخصاً، وراجت أخبار كثيرة بعد الثورة حول تورّط وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، في تدبير الحادث. وثمّة فروق عديدة بين التفجيرين، ليس أقلها أن تفجير كنيسة الاسكندرية لم يكن داخلها، وإنما على بابها من خلال عربية مفخخة، حسبما نُشر وقتها، في حين أن تفجير كنيسة القاهرة هو من قلب الكنيسة، في غرفة الصلاة.
رابعاً، هي أيضا المرة الأولى التي يستهدف فيها تنظيم "داعش" كنيسةً مصريةً منذ بدء عملياته قبل حوالي ثلاثة أعوام. وهذا تحوّل كبير في استراتيجية التنظيم في مصر، والتي كانت تركّز في السابق على النظام ومؤسساته وأفراده، خصوصاً من العسكريين وأفراد الأمن، ولم تكن تتعرّض لمدنيين، خصوصاً من المسيحيين. ما يعني أن التنظيم ينقل تجربته في العراق وسورية إلى مصر، من أجل زيادة التوتر الطائفي لصالح أجندته المتطرّفة.
خامساً، لا يهم النظام الحالي في مصر من قُتل، ولا يسأل هذا النظام نفسه لماذا وصلت الأوضاع إلى هذه المرحلة غير المسبوقة من العنف الطائفي، بقدر ما يهمه توظيفه القتل لتحقيق مكاسب سياسية. وهو سلوكٌ أصبح معتاداً من نظامٍ يعتاش على مسألة الحرب على الإرهاب الذي يقوم هو ذاته بتغذيته، وأحيانا صناعته من خلال سياساته الأمنية القمعية تجاه أبرياء كثيرين. لذا، فقد كان الحادث المروّع بمثابة تأكيد لسردية النظام عن الحرب على الإرهاب، وإنقاذ، ولو مؤقتاً، له من أزماته الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.
سادساً، ثمّة محاولة واضحة من الكنيسة الأرثوذكسية لتوظيف الحادث الإرهابي، لتعزيز مكاسبها الطائفية، ولو علي حساب المواطنين المسيحيين أنفسهم. وهي هنا لا تختلف كثيراً عن أي هيئة أو حركة سياسية مدّجنة، ترتبط مع النظام بعلاقة زبائنية، ولا مانع لديها من التضحية ببعض أبنائها من أجل حماية مصالحها. وهي الآن في تحالف سياسي وشهر عسل مع النظام الحالي منذ انقلاب يوليو 2013، ولا تريد لحادثٍ كهذا أن يعكّر صفو هذه العلاقة. لذا، حاولت الكنيسة احتواء غضب أهالي القتلى وبعض الشباب الذين وجهوا أصابع الاتهام للنظام، بسبب تقصيره في حماية أرواح إخوتهم الأبرياء.
للأسف، لا يبدو أن ما حدث في الكنيسة البطرسية سيكون الحدث الأخير في مسلسل العنف الطائفي والسياسي في مصر، خصوصاً في ظل تعاطي كل الأطراف معه بالعقلية نفسها، وبالطريقة البائدة التي لا تتجاهل جذوره وأسبابه الحقيقية فحسب، وإنما تسعى إلى توظيفه من أجل تحقيق مكاسب ونقاط سياسية، في إطار صراع بائس على سلطة ومجتمع، باتا تائهيْن وفاقديْن للمعنى والضمير.
أولاً: يتطلب ما حدث إدانة قاطعة وغير مشروطة، وهذا أمر بدهي، وليس في حاجة لمرافعاتٍ أخلاقية وسياسية. ولكن، بالقدر ذاته، يتطلب الحدث فهماً عميقاً لأسبابه، وتفكيكاً لخلفياته، واستنباطاً لتداعياته، وما سوف يتركه على الحالة السياسية والمجتمعية في مصر. صحيح أن ما حدث قد يبدو، ولو ظاهرياً، كجزء من سياق عام، وحالة إقليمية متزايدة، باتت فيها عمليات العنف والقتل والاستباحة على أسس الهوية والدين والطائفة طقساً يومياً، إلا أن التطبيع النفسي والمجتمعي مع حدثٍ كهذا ستكون له تداعيات وخيمة في السياق المصري.
ثانياً، إذا كان حادثٌ كهذا يستحق الإدانة، فإن كل عمليات القتل والتصفية التي تقوم بها الدولة وأجهزتها الأمنية خارج إطار القانون تستحق الإدانة وبالقدر ذاته. قطعاً ليس هذا محاولةً لموازاة الدولة، كفكرة مجردة علي الأقل، مع تنظيمات إرهابية مجرمة، وإنما محاولة لكشف التناقض في التعاطي مع مسألة القتل واستحلال النفوس التي تمارسها كل الأطراف. فما يقوم به النظام الحالي من شيطنةٍ ونزعٍ للإنسانية عن مخالفيه، واغتيالهم معنوياً ومادياً، يغذّي دائرة
ثالثاً، هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها تفجيراً انتحارياً في قلب القاهرة، وذلك إذا ما صحّت رواية النظام وإعلامه حول قيام أحد المنتمين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهو الشاب محمود شفيق محمد مصطفى بتفجير نفسه بحزام ناسف داخل الكنيسة. وهي الرواية نفسها التي تبناها "داعش" في بيان له نشر بعد يومين من حادث الكنيسة. سبق ذلك تفجيرٌ مشابهٌ في كنيسة القدّيسين في الإسكندرية أوائل عام 2011 وراح ضحيته ما يقرب من 23 شخصاً، وراجت أخبار كثيرة بعد الثورة حول تورّط وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، في تدبير الحادث. وثمّة فروق عديدة بين التفجيرين، ليس أقلها أن تفجير كنيسة الاسكندرية لم يكن داخلها، وإنما على بابها من خلال عربية مفخخة، حسبما نُشر وقتها، في حين أن تفجير كنيسة القاهرة هو من قلب الكنيسة، في غرفة الصلاة.
رابعاً، هي أيضا المرة الأولى التي يستهدف فيها تنظيم "داعش" كنيسةً مصريةً منذ بدء عملياته قبل حوالي ثلاثة أعوام. وهذا تحوّل كبير في استراتيجية التنظيم في مصر، والتي كانت تركّز في السابق على النظام ومؤسساته وأفراده، خصوصاً من العسكريين وأفراد الأمن، ولم تكن تتعرّض لمدنيين، خصوصاً من المسيحيين. ما يعني أن التنظيم ينقل تجربته في العراق وسورية إلى مصر، من أجل زيادة التوتر الطائفي لصالح أجندته المتطرّفة.
خامساً، لا يهم النظام الحالي في مصر من قُتل، ولا يسأل هذا النظام نفسه لماذا وصلت الأوضاع إلى هذه المرحلة غير المسبوقة من العنف الطائفي، بقدر ما يهمه توظيفه القتل لتحقيق مكاسب سياسية. وهو سلوكٌ أصبح معتاداً من نظامٍ يعتاش على مسألة الحرب على الإرهاب الذي يقوم هو ذاته بتغذيته، وأحيانا صناعته من خلال سياساته الأمنية القمعية تجاه أبرياء كثيرين. لذا، فقد كان الحادث المروّع بمثابة تأكيد لسردية النظام عن الحرب على الإرهاب، وإنقاذ، ولو مؤقتاً، له من أزماته الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.
سادساً، ثمّة محاولة واضحة من الكنيسة الأرثوذكسية لتوظيف الحادث الإرهابي، لتعزيز مكاسبها الطائفية، ولو علي حساب المواطنين المسيحيين أنفسهم. وهي هنا لا تختلف كثيراً عن أي هيئة أو حركة سياسية مدّجنة، ترتبط مع النظام بعلاقة زبائنية، ولا مانع لديها من التضحية ببعض أبنائها من أجل حماية مصالحها. وهي الآن في تحالف سياسي وشهر عسل مع النظام الحالي منذ انقلاب يوليو 2013، ولا تريد لحادثٍ كهذا أن يعكّر صفو هذه العلاقة. لذا، حاولت الكنيسة احتواء غضب أهالي القتلى وبعض الشباب الذين وجهوا أصابع الاتهام للنظام، بسبب تقصيره في حماية أرواح إخوتهم الأبرياء.
للأسف، لا يبدو أن ما حدث في الكنيسة البطرسية سيكون الحدث الأخير في مسلسل العنف الطائفي والسياسي في مصر، خصوصاً في ظل تعاطي كل الأطراف معه بالعقلية نفسها، وبالطريقة البائدة التي لا تتجاهل جذوره وأسبابه الحقيقية فحسب، وإنما تسعى إلى توظيفه من أجل تحقيق مكاسب ونقاط سياسية، في إطار صراع بائس على سلطة ومجتمع، باتا تائهيْن وفاقديْن للمعنى والضمير.