يزداد تذمّر الجزائريين من الطبقة الوسطى من حاضرهم القاسي المتميّز بصعوبة المعيشة، كما يزداد خوفهم من مستقبل غامض، فرغم التحولات السياسية التي تعيشها البلاد، بانتخاب رئيس جديد وسط الحراك الشعبي الذي كانت المشاكل المعيشية أحد أسباب اشتعاله، فإنّ الواقع يؤكد أن الشارع ما زال يعيش في ظل مزيد من الأزمات.
وعادت المخاوف من ارتفاع الأسعار لتتقدّم المشهد الاقتصادي، بعد حمل سنة 2020 لـ 13 ضريبة تمسّ جيوب الجزائريين المنهكة أصلاً بغلاء المعيشة، بطريقة مباشرة، منها المتعلقة بالدخل العام، وأخرى تخص الخدمات والأجهزة المنزلية والتبغ والتأمين على السيارات.
ضرائب ورسوم أثرت مباشرة على أسعار السلع والخدمات التي شهدت قفزات في أسعارها، أثقلت كاهل الأسر الجزائرية التي رأت قدرتها تتهاوى في السنوات الأخيرة بفعل تدهور الدينار، الذي فقد ثلث قيمته منذ بداية الأزمة الاقتصادية نهاية 2016.
وضعية معيشية جعلت المواطنين يعانون خلال الفترة الأخيرة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما دفع العديد منهم نحو الاقتراض بدلاً من الادخار، الذي كان ميزة المجتمع الجزائري، حسب المواطنة إيمان عبد الله، التي تعمل كاتبة ضبط في محكمة مدنية، قائلة لـ"العربي الجديد" إنها وزوجها لم يدّخرا أي دينار سنة 2019، ما اعتبرته "مصيبة"، إذ أصبحا "ينفقان ما يتقاضياه على عائلتهما المكونة من 5 أولاد".
وتضيف المتحدثة نفسها: "كنا في السابق ندخر ما يقارب مائة ألف دينار سنوياً (950 دولاراً حالياً) نتركها لقضاء عطلة صغيرة في الجزائر أو ننفقها في المناسبات الدينية وغيرها التي ترتفع فيها المصاريف".
وترجع المواطنة الجزائرية هذا التحول في العادات الاقتصادية لعائلتها إلى ارتفاع ضغوط المعيشة وما قابلها من ارتفاع الضرائب وتدني قيمة الدينار.
وتعتبر حالة إيمان مشابهة لحالة الملايين من الجزائريين الذين اضطروا للتخلي عن عادة توارثتها العائلات التي بنت عليها ثقافتها الاقتصادية.
ويبدو أن الاندثار البطيء لعادة الادخار العائلي لم يقتصر على أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط، بل امتد إلى أصحاب الدخل المرتفع، أي ما فوق مائة ألف دينار شهرياً (950 دولاراً)، إذ دُفعت هذه الفئة نحو تغيير عاداتها الإنفاقية والاستهلاكية، بشكل قلّص ادخارها ونسف العديد من مشاريعها.
وهذا هو حال عمر شرف الدين، الذي يشتغل مهندساً معمارياً، والذي كشف لـ"العربي الجديد" أن مدخراته تقلصت بحوالي النصف خلال سنة بسبب غلاء المعيشة، ما قاده إلى تغيير مشاريعه، كتغيير السيارة والاكتفاء بقضاء العطلة في تونس عوض الذهاب إلى تركيا وإسبانيا كما كان مبرمجاً.
وحسب بيانات رسمية، يمثل الادخار العائلي قرابة خُمس الادخار الوطني في الجزائر، ما جعله منبعاً لتمويل الاقتصاد المتعثر أخيراً بفعل تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط، غير أن هذه النسبة قد لا تصمد كثيراً نتيجة ارتفاع أعباء المعيشة وعدم مسايرة دخل العائلات لهذه التغيرات، ومنها ارتفاع التضخم من 2.4 بالمائة نهاية 2014، إلى 4.8 بالمائة نهاية 2019، وفق تقارير رسمية.
ويرى الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد الاجتماعي في جامعة باجي مختار، سعيد بربيش، أن "نهاية العهد بين الجزائريين والادخار كانت متوقعة بالنظر لعدة متغيرات، منها انهيار الدينار وما تبعه من ارتفاع التضخم، وفي المقابل نرى أن الرواتب لم تساير هذه التطورات التي فرضتها الأزمة المالية، إذ لم ترتفع الأجور منذ 2011، وبالتالي من يتقاضى اليوم 30 ألف دينار (280 دولاراً) يجد نفسه ينفق كل راتبه بعد أن كان ينفق 70 بالمائة منه قبل عشر سنوات".
وأضاف مختار لـ "العربي الجديد" أن "المخاوف بدأت تكثر وسط المجتمع من زوال الطبقة الوسطى التي كانت مفخرة الجزائر في العهد الاشتراكي، وتحول المجتمع إلى طبقتين "برجوازية" غنية تزداد غنى وتبحث عن جمع المال وأخرى فقيرة تزداد فقراً همها كسب قوت يومها، فغلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية بالنسبة للطبقة الوسطى عاملان يعجّلان باتساع دائرة الفقر على حساب دائرة "ميسوري الحال".
وإذا كان في الجزائر اليوم أسر اضطرت إلى تغيير عاداتها الاستهلاكية والإنفاقية، لمسايرة غلاء المعيشة، والصمود أمام مصاريف الشهر المرتفعة، فإن البلد الذي يعد من أغنى الدول في القارة الإفريقية ومن أكبر منتجي الغاز والنفط في القارة يوجد فيه ملايين الأفراد يعيشون تحت خط الفقر، لا يجدون قوت يومهم، ويعانون في صمت.
وحسب عضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الجزائريين، عبد الله تيزراوت، فإن "هناك مؤشرات مقلقة عن الفقر في البلاد، فبعد أن كشفت دراسة ميدانية قامت بها الرابطة في 2015، أي السنة الأولى من الأزمة النفطية، أن 14 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، تتوقع الرابطة أن يتسع حجم الفقر إلى 16 مليون شخص، أي قرابة 30 بالمائة من المجتمع".
وأضاف تيزراوت لـ "العربي الجديد" أن "القدرة الشرائية لدى الجزائريين قد انهارت بنسبة 60 في المائة خلال السنوات الماضية مع ارتفاع الأسعار، خاصة في ما يتعلق بالمواد الأساسية".