ليس اغتصاب نساء وفتيات سوريات بالخبر الجديد، فقد جرى توثيقه من قبلُ بشكل محدود. الأحدث منه قضايا التحرش الجنسي في الغرب التي طاولت فنانين وسياسيين. فقامت قيامة الإعلام في العالم، ولم تقعد حتى الآن. المؤسف، تجاهل "المجتمع الدولي" جرائم تتطلّب شن حملة عالمية لإيقافها والمعاقبة عليها، لإنقاذ سمعة الضمير العالمي.
قدّم النظام في حرب السنوات السبع، المثال الأكثر دموية على القتل، وأيضاً المثال الأبرز على وحشيته في جرائم الاغتصاب التي بدأها في حماة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وجدّدها مع الثورة التي اندلعت، وعمّمها في سورية كلها، فالانتقام من الشعب يسمح بكل جريمة. فكان الاعتداء على النساء لا لسبب، إلا القيام بعمل إغاثي، والأغلب، أن تكون زوجة أو ابنة ناشط معارض.
قد يزعم البعض أننا نعيش في عالم ظالم، والسوريون مثلهم مثل غيرهم يأخذون نصيبهم من جريمة شائعة مذ وجدت البشرية على سطح الأرض. في الحرب العالمية الثانية، اغتصب الألمان والروس والأميركان ملايين النسوة من مختلف الأعمار، ابتداء من الفتيات الصغيرات اللواتي لا تزيد أعمارهن عن ثماني سنوات إلى عجائز في الثمانين.
ولم تشذ عنها حروب القارة الأفريقية والآسيوية وأميركا اللاتينية. بينما الأرقام السورية لا تزيد عن عدة آلاف من النسوة والأطفال والشبان؛ فطلب الحرية مكلف وليس بلا ثمن. إذا اعتقدنا، أن هذه التبريرات تسوّغها، فنحن مجرمون أسوة بمرتكبيها، ومن أمروا بها، أو سكتوا عنها، أو ادعوا أنها دفاعاً عن الوطن.
تختلف الحرب السورية عن الحروب الأخرى في أنها ليست حرب استقلال، ولا نزاع على أراض محتلة، ولا ضد الاستعمار. إنها حرب ضد الشعب الذي طالب بالحرية ودولة ديمقراطية مدنية يسودها القانون، وهو أمر لا يمكن التسامح معه في نظام مقاوم وممانع. لديه مهام قومية مستعجلة لا يجوز عرقلتها؛ تحرير الجولان، ويبدو أنه سيتأجل، بعدما أصبح تحرير القدس أولوية.
لا يقصد التهويل من الجريمة، فهي مهوّلة بحد ذاتها، لأسباب أحدها أن المجتمع السوري محافظ، وليس في هذا ما يميزه عن مجتمعات غير محافظة، عقوبة الاغتصاب في الغرب تصل إلى المؤبد والإعدام، ولا ينزاح عن الاغتصاب وصف الجريمة حتى في المجتمعات البدائية. لكن في مجتمعاتنا قد تُقتل الضحية ثانية وهي جريمة أخرى إضافية.
مهما أدنّا هذه الجريمة فسوف نشعر بالتقصير، ومهما حاولنا فلن نخفف ألماً، ولن نرفع إهانة، ولن نداوي جرحاً، أو نمسح دمعة. إذ لا شيء يعادل آلام امرأة اغتصبت، مأساتها تتعدى انتهاك الجسد إلى تدمير الروح، وإذلال الكرامة، والعبث بالشرف. ولسوف تبقى هذه الجريمة مسلطة علينا جميعاً، ولن نبرأ منها إلا بتحقيق العدالة، ولن نتحرّر إلا بتحرّرهن.
إن أشد ما يرتكبه هذا العالم من بشاعة، عندما يطلب من السوريين مفاوضة المجرم، بينما مكانه المحاكم الجنائية الدولية.