تجربة السجن مريرة وعسيرة، لكنّ الخروج منه قد يحمل تحديات أكبر. كثيراً ما يفكر السجين في حياته كيف ستكون في مرحلة ما بعد الزنزانة، خصوصاً إذا أمضى فترة زمنية طويلة في الداخل. يجد نفسه أمام رهان بناء حياته من جديد، وإرساء علاقات إنسانية ومهنية تمكّنه من تعويض ما ضاع من عمر داخل غياهب السجون.
يطلق سراح السجناء في المغرب في حالتين، إما انتهاء المحكومية، أو بعفو ملكي يكون خاصاً بالحالات الإنسانية، أو ظروف خاصة أخرى. وينقسم هؤلاء بعد إطلاق سراحهم إلى فريقين، الأول هو من السجناء الذين يخرجون ليفشلوا في إثبات ذواتهم، فيكونون عالة على المجتمع، ومنهم من يعود إلى السجن مرة أخرى. أما الفريق الثاني فعندما يخرج أحد أفراده من السجن يشمّر عن سواعد الجد، ويشق طريقه بنجاح وصبر، ويحقق ذاته في مجالات اجتماعية ومهنية، فيتجاوز الزنازين وعالمها المظلم والمحبط، وينير دربه بالعمل والإصرار.
محمد صمد الدين، رجل أعمال ناجح في مجال زيت الأركان (الأرقان أو الأرغان شجر ينبت في جنوب المغرب)، إذ يمتلك أكثر من مشروع في هذا المجال. هو أحد هؤلاء الناجحين الذين خرجوا من السجن بلا تجارب في الحياة، بعد أن حُبس عشرين عاماً بسبب جريمة يؤكد أنّها وقعت من دون قصد منه.
وفي سنّ الأربعين خرج صمد الدين من السجن وهو لا يلوي على شيء، كما يقول لـ"العربي الجديد"، ولا يعرف من أين يبدأ مشوار حياته ولا أين ينتهي. لكنّ شرارة العطاء ظهرت فجأة عندما التقى سيدة في منطقته القروية في الجنوب تعمل في جني وطحن الأركان، فكانت الفكرة وبدأ التنفيذ على الفور.
مرت الأعوام ليبدأ هذا السجين السابق في إرساء علاقاته المهنية بثبات وفعالية، فقد انطلق من فكرة تأسيس تعاونية نسائية مختصة في بيع زيت الأركان، وكان هو المشرف على تسييرها، قبل أن يغادرها ويؤسس لنفسه شركة خاصة، فتوالت من بعدها شركاته في عدد من المجالات.
اقــرأ أيضاً
عبد الوهاب رفيقي، معتقل إسلامي سابق حظي بعفو ملكي، خاض بنجاح أيضاً تجربة ما بعد السجن الذي قضى فيه زهاء تسع سنوات. أعوام السجن لم تفت عضده، بل كانت السبب في تحقيقه نجاحات اجتماعية لاحقاً. يقول رفيقي لـ"العربي الجديد"، إنّه بعد تجربة السجن المريرة، وبعد طول تأمل ونقد ذاتي عزم بعد الخروج على الانفتاح بشكل أوسع على المجتمع، ومحاولة اكتشاف الحياة من جديد. يضيف: "طرقت أبواباً كثيرة، وعشت تجارب مختلفة خلال السنوات الخمس الماضية. خضت مجال الجمعيات، واقتحمت عالم السياسة لدرجة ترشحي لخوض الانتخابات التشريعية". يستطرد رفيقي: "عملت في إذاعة خاصة منشطاً مدة سنتين، وكنت كاتباً في إحدى الجرائد اليومية، وتوجت كلّ هذا بتأسيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، والإشراف على موقع الميزان، في إطار المساهمة في جهود محاربة الإرهاب والتطرف على المستوى الفكري".
يتابع رفيقي أنّه في أثناء ذلك، كان وما زال يحاضر في ملتقيات عديدة. وقد حضر عدداً كبيراً من المؤتمرات واللقاءات، وزار عدداً من الدول في مختلف القارات، وقدم تجربته لكلّ العالم لأخذ العبرة والاستفادة. يقول: "تابعت دراساتي العليا في سلك الدكتوراه، وكتبت مقالات عديدة، وشاركت في تأليف بعض الكتب، وكنت نشيطاً على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سمح لي بالتواصل مع عدد واسع من الشباب، والتقرب منهم".
يخلص السجين السابق إلى أنّه منذ خروجه من السجن، رتب أوراق حياته جيداً، وفي الفترة الراهنة يشعر كأنّه استعاد كلّ حياته، ولديه الأمل بمزيد من العطاء والبذل، كما يقول.
سجين ثالث، يفضّل عدم الكشف عن هويته، سبق له السجن عدة سنوات بسبب اعتداء على شخص أدى إلى حصول إعاقة، لكنّه ما إن خرج من السجن حتى نال شهادة الدكتوراه في شعبة القانون العام برتبة مشرف. يقول إنّه فكر كثيراً في طريقة ما يقضي بها أيامه الطويلة في سجن مدينة سلا، فلم يجد سوى مطالعة الكتب والدراسة التي تتيحها مديرية السجون للمعتقلين، فأكمل دراسته التي انقطع عنها صغيراً.
يتابع أنّه رويداً رويداً استطاع أن يحقق نقاطاً جيدة ويحصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) ثم الإجازة، فانتهى به المطاف إلى تحضير شهادة الدكتوراه. وكانت هذه الشهادة العلمية نافعة له في حياته ما بعد تجربة السجن، فقد مكّنته من فتح مكتب خاص بالاستشارات القانونية، أكسبه مساراً مهنياً ناجحاً، وعلاقات إنسانية وقانونية كبيرة أنسته مرارة الاعتقال.
اقــرأ أيضاً
يطلق سراح السجناء في المغرب في حالتين، إما انتهاء المحكومية، أو بعفو ملكي يكون خاصاً بالحالات الإنسانية، أو ظروف خاصة أخرى. وينقسم هؤلاء بعد إطلاق سراحهم إلى فريقين، الأول هو من السجناء الذين يخرجون ليفشلوا في إثبات ذواتهم، فيكونون عالة على المجتمع، ومنهم من يعود إلى السجن مرة أخرى. أما الفريق الثاني فعندما يخرج أحد أفراده من السجن يشمّر عن سواعد الجد، ويشق طريقه بنجاح وصبر، ويحقق ذاته في مجالات اجتماعية ومهنية، فيتجاوز الزنازين وعالمها المظلم والمحبط، وينير دربه بالعمل والإصرار.
محمد صمد الدين، رجل أعمال ناجح في مجال زيت الأركان (الأرقان أو الأرغان شجر ينبت في جنوب المغرب)، إذ يمتلك أكثر من مشروع في هذا المجال. هو أحد هؤلاء الناجحين الذين خرجوا من السجن بلا تجارب في الحياة، بعد أن حُبس عشرين عاماً بسبب جريمة يؤكد أنّها وقعت من دون قصد منه.
وفي سنّ الأربعين خرج صمد الدين من السجن وهو لا يلوي على شيء، كما يقول لـ"العربي الجديد"، ولا يعرف من أين يبدأ مشوار حياته ولا أين ينتهي. لكنّ شرارة العطاء ظهرت فجأة عندما التقى سيدة في منطقته القروية في الجنوب تعمل في جني وطحن الأركان، فكانت الفكرة وبدأ التنفيذ على الفور.
مرت الأعوام ليبدأ هذا السجين السابق في إرساء علاقاته المهنية بثبات وفعالية، فقد انطلق من فكرة تأسيس تعاونية نسائية مختصة في بيع زيت الأركان، وكان هو المشرف على تسييرها، قبل أن يغادرها ويؤسس لنفسه شركة خاصة، فتوالت من بعدها شركاته في عدد من المجالات.
عبد الوهاب رفيقي، معتقل إسلامي سابق حظي بعفو ملكي، خاض بنجاح أيضاً تجربة ما بعد السجن الذي قضى فيه زهاء تسع سنوات. أعوام السجن لم تفت عضده، بل كانت السبب في تحقيقه نجاحات اجتماعية لاحقاً. يقول رفيقي لـ"العربي الجديد"، إنّه بعد تجربة السجن المريرة، وبعد طول تأمل ونقد ذاتي عزم بعد الخروج على الانفتاح بشكل أوسع على المجتمع، ومحاولة اكتشاف الحياة من جديد. يضيف: "طرقت أبواباً كثيرة، وعشت تجارب مختلفة خلال السنوات الخمس الماضية. خضت مجال الجمعيات، واقتحمت عالم السياسة لدرجة ترشحي لخوض الانتخابات التشريعية". يستطرد رفيقي: "عملت في إذاعة خاصة منشطاً مدة سنتين، وكنت كاتباً في إحدى الجرائد اليومية، وتوجت كلّ هذا بتأسيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، والإشراف على موقع الميزان، في إطار المساهمة في جهود محاربة الإرهاب والتطرف على المستوى الفكري".
يتابع رفيقي أنّه في أثناء ذلك، كان وما زال يحاضر في ملتقيات عديدة. وقد حضر عدداً كبيراً من المؤتمرات واللقاءات، وزار عدداً من الدول في مختلف القارات، وقدم تجربته لكلّ العالم لأخذ العبرة والاستفادة. يقول: "تابعت دراساتي العليا في سلك الدكتوراه، وكتبت مقالات عديدة، وشاركت في تأليف بعض الكتب، وكنت نشيطاً على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سمح لي بالتواصل مع عدد واسع من الشباب، والتقرب منهم".
يخلص السجين السابق إلى أنّه منذ خروجه من السجن، رتب أوراق حياته جيداً، وفي الفترة الراهنة يشعر كأنّه استعاد كلّ حياته، ولديه الأمل بمزيد من العطاء والبذل، كما يقول.
سجين ثالث، يفضّل عدم الكشف عن هويته، سبق له السجن عدة سنوات بسبب اعتداء على شخص أدى إلى حصول إعاقة، لكنّه ما إن خرج من السجن حتى نال شهادة الدكتوراه في شعبة القانون العام برتبة مشرف. يقول إنّه فكر كثيراً في طريقة ما يقضي بها أيامه الطويلة في سجن مدينة سلا، فلم يجد سوى مطالعة الكتب والدراسة التي تتيحها مديرية السجون للمعتقلين، فأكمل دراسته التي انقطع عنها صغيراً.
يتابع أنّه رويداً رويداً استطاع أن يحقق نقاطاً جيدة ويحصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) ثم الإجازة، فانتهى به المطاف إلى تحضير شهادة الدكتوراه. وكانت هذه الشهادة العلمية نافعة له في حياته ما بعد تجربة السجن، فقد مكّنته من فتح مكتب خاص بالاستشارات القانونية، أكسبه مساراً مهنياً ناجحاً، وعلاقات إنسانية وقانونية كبيرة أنسته مرارة الاعتقال.