بعد معاناة طويلة مع المرض، لجأ سعود البقمي إلى أحد محال بيع الأعشاب المرخصة بحثا عن حل لمشاكل الإمساك المزمن التي يعاني منها، قدم البائع لسعود خلطة عسل أكد أنها علاج فعال لمشاكل القولون، كما تعالج جملة من الأمراض، على ما جاء في نشرة ورقية مصاحبة لها، غير أن سعود وأربعة من أقاربه عانوا من آلام شديدة بعد تناول العسل، ما أدى إلى نقلهم إلى مستشفى الشملي (شمال السعودية)، ليشخص الأطباء حالتهم بأنها تسمم، تعافى الأقرباء لكن سعود ساءت حالته لأنه تناول العسل مرات عدة، ليتوفي بعد يومين قضاهما في العناية الفائقة. وبعد أن تحركت المديرية العامة للشؤون الصحية بحائل لتحليل خلطة العسل التي كانت آخر ما تناوله سعود وأقرباؤه، اكتشفت أن خلطة العسل كانت مغشوشة وفاسدة.
لا تعدّ حالة سعود وحيدة، إذ تعج المستشفيات السعودية بمرضى يعانون من مضاعفات خطيرة جراء هجر أدويتهم، والاعتماد على خلطات عشبية زعم مروجوها أنها تعالج كل الأمراض، بدءا من الزكام الخفيف وحتى السرطان، مرورا بالضغط والسكري والعقم، "إذ يصنع عطارون خلطات جديدة من الأعشاب والعسل يُزعم أنها تعالج كل شيء"، وفقا لما وثقه الدكتور خالد النمر استشاري وأستاذ أمراض القلب في جامعة الإمام محمد بن سعود، والذي عاين عشرات من مرضى القلب والكلى والسكري ساءت حالتهم لأنهم تركوا أدويتهم واتجهوا للخلطات العشبية.
اقــرأ أيضاً
باعة: لا نعرف شيئا عن الأعراض الجانبية
وفقا لما رصده معد التحقيق، فإن كلا من سوق (أوشيقر) الشعبي في الرياض وسوق الحب في الدمام (شرق السعودية) وسوق الصواريخ في جدة (غرب السعودية) يعجّ بمحال العطارة التي تروج لزيوت تعالج مختلف الأمراض، ويؤكد محمد موسوي البائع في أحد محال العطارة في سوق أوشيقر أن لهذه الخلطات زبائنها، وأنها نافعة لهم، ولكنه يعترف بأنه لا يعرف هل لها مضاعفات جانبية أم لا، ويقول لـ"العربي الجديد": "نحن نبيع فقط، ولا علاقة لنا بالمنتج، المسؤول عنه هي الشركة المنتجة، وهي من عليها مسؤولية تسجيل المنتج".
في ذات المحل وصفة زعم مروجوها أنها مستخلص من نباتات صينية نادرة تسحب الدهون من الخصر والأفخاذ، سعرها 180 دولارا، وتباع دون تحديد مكوناتها، والأهم بلا شهادة اعتماد من هيئة الدواء والغذاء، لكن المنتج اكتفى بأن كتب عليها "أعشاب صينية نادرة ليس لها أية مضاعفات جانبية".
حسنا، هذه كذبة كبيرة، إذ وثقت "العربي الجديد" حالات تضررت بسبب استخدام أعشاب مخلوطة مع أدوية لزيادة فعاليتها، دون أدنى اختبار لها، فعدا حادثة البقمي عانت سارة المزيد، من مضاعفات خطيرة في الرحم بسبب تناولها خلطة لوقف النزيف، فيما تعرض موسى البرجس لفشل كلوي كامل، بسبب تناوله أدوية وصفت له لإزالة حصى في المثانة، والقائمة طويلة.
ويؤكد المختص في مجال الطب البديل والمعالج المعتمد طبيا الدكتور فوزي العمري على أن نجاح الطب البديل في علاج عدد من الأمراض التي لا يعرفها الطب التقليدي أغرى الكثير من المخادعين بامتهان الأمر، بهدف كسب المال عن طريق الغش والتحايل على المرضى، ويقول لـ"العربي الجديد": "يجهل الكثيرون أن الأعشاب قد تكون قاتلة"، ويضيف: "ما يحدث ليس طبا بديلا، الطب البديل علم تستخدم فيه أعشاب معينة، أما ما يحدث حاليا فهو نوع من تجارة الوهم، والخداع، ويصل الأمر للغش الصريح، عن طريق خلط أدوية طبية مع هذه الأعشاب للإيهام بقدرتها العلاجية، وهذا أمر له عواقب وخيمة، خاصة لمن يتعاطى أدوية طبية، لأن بعض الأدوية تتعارض مع هذه الأعشاب، وقفت على حالات كثيرة توفي فيها مرضى بسبب استخدامهم لأنواع من هذه الخلطات، كما أن التحليلات أثبتت أن بعض الخلطات المقوية جنسيا كانت مخلوطة بالفياغرا، وهو أمر خطير لمرضى القلب".
من جانبه يحاول الدكتور النمر التوعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتحذير من مخاطر الوصفات مجهولة المصدر التي يروج لها باعة الأعشاب الطبية، مشددا على أنه لم يثبت علميا فائدة أي نوع من الأعشاب لعلاج مرض السكري، أو الأرق وأمراض القلب، وغيرها من الأمراض التي يروج لوصفات معالجة لها، قائلا: "يتم التسويق في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية للأعشاب، إذ يأخذ المريض العشبة من المحل على مسؤوليته دون متابعة طبية لآثارها الطبية، ولا أحد يعرف الأعراض الجانبية، بل إن بعض السعوديين يتركون الدواء المجاني الذي تقدمه الدولة لهم، ويلجؤون لأعشاب طبيبة باهظة الثمن، ظنا منهم أنها أكثر فائدة لهم".
علاج عبر إنستغرام
لا تقتصر العلاجات على الخلطات التي تباع في محلات العطارة، ولكن المشكلة الأكبر تتمثل في رجال ونساء يمتهنون العلاج الشعبي، دون قيود أو رقابة، ويزعمون أنهم يعالجون أمراضا لا يعرفها الطب الحديث، وينشط كثير من تجار الوهم على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع إنستغرام الذي يستغله الباعة كواجهة إعلانية لنشاطهم غير القانوني، فيعلنون فيه بلا خوف أو مساءلة قانونية، ومن بين هؤلاء إحدى المعالجات المشهورات على نطاق واسع بين النساء السعوديات، وتطلق على نفسها أم فيصل، وتزعم أنها تعالج مرض التصلب اللويحي المؤلم الذي لم يجد الطب المتقدم علاجا حتى اليوم، وتشترط الحصول على مبلغ 16 ألف دولار نقدا قبل البدء في العلاج، الذي يشتمل على تدليك موضعي وأدوية وأعشاب طبية مجهولة.
في اتصال لـ"العربي الجديد"، مع أم فيصل رفضت الإفصاح عن أسرار علاجها، وتؤكد على أنها اكتشفته بنفسها، من خلال تربيتها للحمام في منزلها، زاعمة أن: "وزارة الصحة حاولت الحصول منها على العلاج ولكنها رفضت لكي لا ينقطع رزقها"، ومع أنها لم تثبت أن هناك من استفاد من علاجها باهظ الثمن، إلا أن المصابين بالمرض والذين تعبوا من مراجعة المستشفيات مازالوا يدفعون لها هذا المبلغ الضخم، وحدث أمر مشابه مع نوره الأحمد التي تعرضت لخداع غالي الثمن، تقول نورة لـ"العربي الجديد": "كنت أعاني منذ سنوات من نزيف حاد، بحثت عن خلطات طبيعية، أخبرتني إحدى صديقاتي عن معالجة شعبية تقوم بعلاج الأمراض النسائية، شرحت لها ما أعانيه، طلبت أن أحول لها مبلغ 1200 دولار، ثم أرسلت لي عبر سائقها الخاص كيسا صغيرا يحتوي على بعض الأعشاب، وبعد أن استخدمتها لثلاثة أشهر لم أُشف"، لم تتعلم هيا من الدرس المكلف، بل لجأت لأكثر من معالجة، وكانت النتيجة المزيد من أكياس الأعشاب المجهولة، وأكثر من 10 آلاف دولار ضائعة، وفي كل مرة تمني نفسها بالشفاء الذي لا يتحقق.
من جانبها تؤكد رئيسة قسم التغذية وعلوم الأطعمة في جامعة أم القرى الدكتورة هيفاء حجازي على أهمية عدم استخدام أي منتج علاجي إلا بعد التأكد من وجود ختم الصحة أو هيئة الغذاء والدواء، وتقول لـ"العربي الجديد": "كثيرون يعتقدون أن الأعشاب الطبية إن لم تفد لن تضر، وهذا خطأ كبير، لأن كثيرا من الأعشاب تسبب الفشل الكلوي والكبدي، وتسبب تضخما في الشرايين، والجلطات، خاصة خلطات العسل التي يتم خلط الأدوية معها دون إعلان ذلك".
تحرك متأخر
لم تتحرك هيئة الغذاء والدواء السعودية، وهي الجهة المختصة بفحص الأدوية والمواد الغذائية في السعودية، إلا قبل عامين فقط، وبدأت في ملاحقة هذه المستحضرات، وكشف المسؤول الإعلامي للهيئة أنهم بلاحقون 151 شخصا وصفحة إلكترونية، يبيعون عبر مواقع التواصل مستحضرات عشبية ودوائية "خطرة"، وغير مرخصة، ولكن كل ما تقوم به الهيئة هو التبليغ عن المنتج لسحبه من الأسواق، دون معاقبة من باعه، أو من روج له، على الرغم من أن التحاليل المخبرية أثبتت أن كثيرا ممن يروجون لهذه الخلطات يقومون بخلط أدوية الضغط أو السكري وبعض المسكنات مع العسل لإيهام المستهلك أنها تغني عن العلاج، دون النظر لأضرارها الجانبية.
وخلال الأسبوع الماضي ضبط مفتشو الهيئة العامة للغذاء والدواء 1411 منتجاً مخالفاً في عدد من محال العطارة، خلال جولات تفتيشية بالعاصمة الرياض وحدها. وأكدت الهيئة أنها ضبطت "مستحضرات وخلطات مجهولة التركيب، لعلاج القولون، ولعلاج آلام المفاصل، ولعلاج مرض السكري، ولعلاج الأمراض الجلدية والأكزيما، إضافة إلى منتجات ذات ادعاءات طبية مخالفة، كما أن بعض المستحضرات ملوّثة بكميات عالية من الزئبق السام التي تؤثر بشكل خطير في صحة الإنسان، إضافة إلى تلوّث بعض المنتجات بكميات عالية من البكتيريا تفوق المسموح به في المواصفات القياسية السعودية، وتحتوي بعض المستحضرات على مواد تسبّب تشوّه الجنين"، ولكن على الرغم من هذه التحركات الرسمية، مازالت الداء مستفحل، لوجود الكثير من العقبات تقف في الهيئة، أهمها ضآلة العقوبة التي لا تتجاوز الإنذار والغرامة المالية بنحو 1200 دولار فقط، وهو أقل بكثير من المبلغ الذي يمكن أن يحصله المروج في الأسبوع الواحد، كما أن كثيرا من هذه الخلطات "تباع من المنزل وعبر التوصيل الخاص"، كما تقول أم محمد، التي تعاني مرضا مزمنا، وخاضت تجربة العلاج بالأعشاب على أمل الشفاء، إذ أوصل لها السائق الخاص بالمعالجة "الدواء" الذي اكتشفت أنه لم يؤدّ إلى أي تحسن على الرغم من منح المعالجة 1000 دولار، "ضاعت في الهواء" كما تقول.
لا تعدّ حالة سعود وحيدة، إذ تعج المستشفيات السعودية بمرضى يعانون من مضاعفات خطيرة جراء هجر أدويتهم، والاعتماد على خلطات عشبية زعم مروجوها أنها تعالج كل الأمراض، بدءا من الزكام الخفيف وحتى السرطان، مرورا بالضغط والسكري والعقم، "إذ يصنع عطارون خلطات جديدة من الأعشاب والعسل يُزعم أنها تعالج كل شيء"، وفقا لما وثقه الدكتور خالد النمر استشاري وأستاذ أمراض القلب في جامعة الإمام محمد بن سعود، والذي عاين عشرات من مرضى القلب والكلى والسكري ساءت حالتهم لأنهم تركوا أدويتهم واتجهوا للخلطات العشبية.
باعة: لا نعرف شيئا عن الأعراض الجانبية
وفقا لما رصده معد التحقيق، فإن كلا من سوق (أوشيقر) الشعبي في الرياض وسوق الحب في الدمام (شرق السعودية) وسوق الصواريخ في جدة (غرب السعودية) يعجّ بمحال العطارة التي تروج لزيوت تعالج مختلف الأمراض، ويؤكد محمد موسوي البائع في أحد محال العطارة في سوق أوشيقر أن لهذه الخلطات زبائنها، وأنها نافعة لهم، ولكنه يعترف بأنه لا يعرف هل لها مضاعفات جانبية أم لا، ويقول لـ"العربي الجديد": "نحن نبيع فقط، ولا علاقة لنا بالمنتج، المسؤول عنه هي الشركة المنتجة، وهي من عليها مسؤولية تسجيل المنتج".
في ذات المحل وصفة زعم مروجوها أنها مستخلص من نباتات صينية نادرة تسحب الدهون من الخصر والأفخاذ، سعرها 180 دولارا، وتباع دون تحديد مكوناتها، والأهم بلا شهادة اعتماد من هيئة الدواء والغذاء، لكن المنتج اكتفى بأن كتب عليها "أعشاب صينية نادرة ليس لها أية مضاعفات جانبية".
حسنا، هذه كذبة كبيرة، إذ وثقت "العربي الجديد" حالات تضررت بسبب استخدام أعشاب مخلوطة مع أدوية لزيادة فعاليتها، دون أدنى اختبار لها، فعدا حادثة البقمي عانت سارة المزيد، من مضاعفات خطيرة في الرحم بسبب تناولها خلطة لوقف النزيف، فيما تعرض موسى البرجس لفشل كلوي كامل، بسبب تناوله أدوية وصفت له لإزالة حصى في المثانة، والقائمة طويلة.
ويؤكد المختص في مجال الطب البديل والمعالج المعتمد طبيا الدكتور فوزي العمري على أن نجاح الطب البديل في علاج عدد من الأمراض التي لا يعرفها الطب التقليدي أغرى الكثير من المخادعين بامتهان الأمر، بهدف كسب المال عن طريق الغش والتحايل على المرضى، ويقول لـ"العربي الجديد": "يجهل الكثيرون أن الأعشاب قد تكون قاتلة"، ويضيف: "ما يحدث ليس طبا بديلا، الطب البديل علم تستخدم فيه أعشاب معينة، أما ما يحدث حاليا فهو نوع من تجارة الوهم، والخداع، ويصل الأمر للغش الصريح، عن طريق خلط أدوية طبية مع هذه الأعشاب للإيهام بقدرتها العلاجية، وهذا أمر له عواقب وخيمة، خاصة لمن يتعاطى أدوية طبية، لأن بعض الأدوية تتعارض مع هذه الأعشاب، وقفت على حالات كثيرة توفي فيها مرضى بسبب استخدامهم لأنواع من هذه الخلطات، كما أن التحليلات أثبتت أن بعض الخلطات المقوية جنسيا كانت مخلوطة بالفياغرا، وهو أمر خطير لمرضى القلب".
من جانبه يحاول الدكتور النمر التوعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتحذير من مخاطر الوصفات مجهولة المصدر التي يروج لها باعة الأعشاب الطبية، مشددا على أنه لم يثبت علميا فائدة أي نوع من الأعشاب لعلاج مرض السكري، أو الأرق وأمراض القلب، وغيرها من الأمراض التي يروج لوصفات معالجة لها، قائلا: "يتم التسويق في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية للأعشاب، إذ يأخذ المريض العشبة من المحل على مسؤوليته دون متابعة طبية لآثارها الطبية، ولا أحد يعرف الأعراض الجانبية، بل إن بعض السعوديين يتركون الدواء المجاني الذي تقدمه الدولة لهم، ويلجؤون لأعشاب طبيبة باهظة الثمن، ظنا منهم أنها أكثر فائدة لهم".
علاج عبر إنستغرام
لا تقتصر العلاجات على الخلطات التي تباع في محلات العطارة، ولكن المشكلة الأكبر تتمثل في رجال ونساء يمتهنون العلاج الشعبي، دون قيود أو رقابة، ويزعمون أنهم يعالجون أمراضا لا يعرفها الطب الحديث، وينشط كثير من تجار الوهم على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع إنستغرام الذي يستغله الباعة كواجهة إعلانية لنشاطهم غير القانوني، فيعلنون فيه بلا خوف أو مساءلة قانونية، ومن بين هؤلاء إحدى المعالجات المشهورات على نطاق واسع بين النساء السعوديات، وتطلق على نفسها أم فيصل، وتزعم أنها تعالج مرض التصلب اللويحي المؤلم الذي لم يجد الطب المتقدم علاجا حتى اليوم، وتشترط الحصول على مبلغ 16 ألف دولار نقدا قبل البدء في العلاج، الذي يشتمل على تدليك موضعي وأدوية وأعشاب طبية مجهولة.
في اتصال لـ"العربي الجديد"، مع أم فيصل رفضت الإفصاح عن أسرار علاجها، وتؤكد على أنها اكتشفته بنفسها، من خلال تربيتها للحمام في منزلها، زاعمة أن: "وزارة الصحة حاولت الحصول منها على العلاج ولكنها رفضت لكي لا ينقطع رزقها"، ومع أنها لم تثبت أن هناك من استفاد من علاجها باهظ الثمن، إلا أن المصابين بالمرض والذين تعبوا من مراجعة المستشفيات مازالوا يدفعون لها هذا المبلغ الضخم، وحدث أمر مشابه مع نوره الأحمد التي تعرضت لخداع غالي الثمن، تقول نورة لـ"العربي الجديد": "كنت أعاني منذ سنوات من نزيف حاد، بحثت عن خلطات طبيعية، أخبرتني إحدى صديقاتي عن معالجة شعبية تقوم بعلاج الأمراض النسائية، شرحت لها ما أعانيه، طلبت أن أحول لها مبلغ 1200 دولار، ثم أرسلت لي عبر سائقها الخاص كيسا صغيرا يحتوي على بعض الأعشاب، وبعد أن استخدمتها لثلاثة أشهر لم أُشف"، لم تتعلم هيا من الدرس المكلف، بل لجأت لأكثر من معالجة، وكانت النتيجة المزيد من أكياس الأعشاب المجهولة، وأكثر من 10 آلاف دولار ضائعة، وفي كل مرة تمني نفسها بالشفاء الذي لا يتحقق.
من جانبها تؤكد رئيسة قسم التغذية وعلوم الأطعمة في جامعة أم القرى الدكتورة هيفاء حجازي على أهمية عدم استخدام أي منتج علاجي إلا بعد التأكد من وجود ختم الصحة أو هيئة الغذاء والدواء، وتقول لـ"العربي الجديد": "كثيرون يعتقدون أن الأعشاب الطبية إن لم تفد لن تضر، وهذا خطأ كبير، لأن كثيرا من الأعشاب تسبب الفشل الكلوي والكبدي، وتسبب تضخما في الشرايين، والجلطات، خاصة خلطات العسل التي يتم خلط الأدوية معها دون إعلان ذلك".
تحرك متأخر
لم تتحرك هيئة الغذاء والدواء السعودية، وهي الجهة المختصة بفحص الأدوية والمواد الغذائية في السعودية، إلا قبل عامين فقط، وبدأت في ملاحقة هذه المستحضرات، وكشف المسؤول الإعلامي للهيئة أنهم بلاحقون 151 شخصا وصفحة إلكترونية، يبيعون عبر مواقع التواصل مستحضرات عشبية ودوائية "خطرة"، وغير مرخصة، ولكن كل ما تقوم به الهيئة هو التبليغ عن المنتج لسحبه من الأسواق، دون معاقبة من باعه، أو من روج له، على الرغم من أن التحاليل المخبرية أثبتت أن كثيرا ممن يروجون لهذه الخلطات يقومون بخلط أدوية الضغط أو السكري وبعض المسكنات مع العسل لإيهام المستهلك أنها تغني عن العلاج، دون النظر لأضرارها الجانبية.
وخلال الأسبوع الماضي ضبط مفتشو الهيئة العامة للغذاء والدواء 1411 منتجاً مخالفاً في عدد من محال العطارة، خلال جولات تفتيشية بالعاصمة الرياض وحدها. وأكدت الهيئة أنها ضبطت "مستحضرات وخلطات مجهولة التركيب، لعلاج القولون، ولعلاج آلام المفاصل، ولعلاج مرض السكري، ولعلاج الأمراض الجلدية والأكزيما، إضافة إلى منتجات ذات ادعاءات طبية مخالفة، كما أن بعض المستحضرات ملوّثة بكميات عالية من الزئبق السام التي تؤثر بشكل خطير في صحة الإنسان، إضافة إلى تلوّث بعض المنتجات بكميات عالية من البكتيريا تفوق المسموح به في المواصفات القياسية السعودية، وتحتوي بعض المستحضرات على مواد تسبّب تشوّه الجنين"، ولكن على الرغم من هذه التحركات الرسمية، مازالت الداء مستفحل، لوجود الكثير من العقبات تقف في الهيئة، أهمها ضآلة العقوبة التي لا تتجاوز الإنذار والغرامة المالية بنحو 1200 دولار فقط، وهو أقل بكثير من المبلغ الذي يمكن أن يحصله المروج في الأسبوع الواحد، كما أن كثيرا من هذه الخلطات "تباع من المنزل وعبر التوصيل الخاص"، كما تقول أم محمد، التي تعاني مرضا مزمنا، وخاضت تجربة العلاج بالأعشاب على أمل الشفاء، إذ أوصل لها السائق الخاص بالمعالجة "الدواء" الذي اكتشفت أنه لم يؤدّ إلى أي تحسن على الرغم من منح المعالجة 1000 دولار، "ضاعت في الهواء" كما تقول.