فرضت السلطات القضائية العراقية إجراءات جديدة على النشر في المواقع الإلكترونية التي تشمل بدورها منصات التواصل الاجتماعي، متوعدةً بتجريم كل من يتورط في إنشاء مواقع إلكترونية تحمل أسماء مستعارة أو غير حقيقية.
القرار يأتي بعد تصاعد ظاهرة إنشاء حسابات على منصات التواصل الاجتماعي، أبرزها "تويتر" و"فيسبوك"، ومواقع إلكترونية مختلفة، يتم من خلالها عرض تسريبات وقضايا فساد مالي وانتهاكات يتورط فيها مسؤولون في الحكومة العراقية وسياسيون وأفراد من أسرهم، ما شكل في الأشهر الأخيرة أحد وسائل الضغط الكبيرة في البلاد. ومن ذلك المنطلق، اعتُبر القرار تضييقاً جديداً أو محاولة لخنق قنوات نشر المعلومات، حيث يلجأ الناشطون إلى إنشاء صفحات أو مواقع وهمية لنشر ما يريدون فيها من معلومات وحقائق عن انتهاكات أو فساد بدون أن يتعرضوا للأذى.
وبحسب بيان رسمي صدر مساء أمس الثلاثاء عن مجلس القضاء الأعلى، فإنّ "المجلس وجّه المحاكم بالتعامل مع ظاهرة إنشاء المواقع الإلكترونية الوهمية التي تسيء إلى مؤسسات الدولة ورموزها والشخصيات السياسية والاجتماعية والمواطنين بصورة عامة، على اعتبارها من جرائم التزوير المقترنة بجرائم القذف والسب المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات النافذ، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم بأقصى العقوبات".
وبينما لم يتطرّق مجلس القضاء إلى تفاصيل العقوبات، إلّا أنّ القرار اعتُبر تضييقاً على الحريات، ويحمل أبعاداً خطيرة، حيث عدّه مواطنون تشجيعاً على السكوت على ملفات فساد، خاصة أنه يحمل عبارات فضفاضة يمكن استخدامها كسلاح لترهيب الناشط أو صاحب المعلومة.
ويقرّ مسؤول حكومي عراقي في بغداد، بدوره، في اتصال مع "العربي الجديد"، بأن بيان مجلس القضاء قد يتسبب في إعاقة حق الحصول على المعلومة وكذلك محاربة الفساد. ويضيف "هناك صفحات أو مواقع متخصصة بابتزاز المواطنين، خصوصاً الفتيات، ونشر صور خاصة والهدف منها مالي، وأخرى تهدف إلى نشر شائعات عن عائلات أو أسر، وأخرى لبث الفتنة والطائفية والتعصب. وهذا كلّه محمود القضاء عليه وملاحقة من يقف خلفه بل ونباركه ونطالب بالمزيد، لكن الخشية من أن يكون القرار مقيداً لعمليات نشر تتحدث عن فساد وانتهاكات، وهذه لن تخرج للنور إلا من خلال صفحات التواصل الاجتماعي وبالتأكيد عبر أسماء غير حقيقية"، وفقاً لقوله.
وأكد أنّ "لجوء هؤلاء إلى نشر الملفات والوثائق في مواقع تحمل أسماء مستعارة، هو خطوة لحماية أنفسهم من أولئك الفاسدين، إذ أنهم لا يستطيعون تقديم شكاوى رسمية إلى القضاء ويكونون بمواجهة مافيات الفساد، كما أنّ الشكاوى قد تغلق داخل السلطة القضائية ولا تكشف للرأي العام، لذا كان اللجوء إلى تلك المواقع للتشهير بالفاسدين وعدم إمكانية التكتم عليهم، كما تكون ملفاتهم والوثائق التي تدينهم في متناول يد السلطة القضائية إذا ما أرادت فتح تحقيق فيها".
وعبّر ناشطون عن استيائهم من القرار، معتبرين أنّه ضغط على الحريات الشخصية، خاصة أنّ الكثيرين لا يريدون التصريح بأسمائهم في مواقع التواصل.
ويرى علي السلامي، وهو ناشط على "فيسبوك"، ويمتلك حساباً لنشر ظواهر ومخالفات في الشارع والحياة اليومية ببغداد، أن إنشاء حساب بغير اسمه لم يكن اختياراً أو لعباً منه بل للحفاظ على حياته. ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "مثل هكذا قرارات تترك بلا تفصيل ستحرق جهود المواطنين في رصد الأشياء السلبية في المجتمع في بيئة غير آمنة ويكون قتل الإنسان نفسه أسهل من اقتناء السلاح الذي يقتل به"، وفقاً لقوله، معتبراً أن القضاء عليه أن يكون أكثر تحديداً وتفصيلاً في قراراته، وإلا اعتبرت في صالح ماكينة الفساد والانتهاكات القانونية والإنسانية في العراق".