حين كان السوريون يتظاهرون في 2011، أُصيب بعض من راهن على نخب الثرثرة والتهريج السياسي والثقافي، بخيبات متواصلة. إذ بعد وقت قصير من فرحهم بسقوط "نظام كامب ديفيد" في القاهرة، استُحضروا في الشام وبيروت لوصف الثورات العربية بـ"المؤامرة الكونية"، حتى وصلت التهمة إلى التونسي محمد البوعزيزي، والمصري خالد سعيد، مثلما توصف اليوم هذه الثورات بتحذلق فارغ بـ"حروب الجيل الرابع".
مع استفحال الإنكار للواقع والمتغيّرات، استحضَر "شهود الزور" هؤلاء غول الطائفية، إذ لم ترق لهم الثورة السورية، لأنها "خرجت من المساجد"، ولم تكن على مسطرة انفصامهم المتغني بـ"ثورة الخميني". وفي حراك السويداء، أخيراً، وُجد أحدهم مستمسكاً بـ"غياب العنصر النسائي".
وليس بعيداً عن كارثية الانفصام الخائب، بتنا بين باحثين عن "سلطان مخلص" أو رهن البلاد لـ"ولي فقيه" و"رفيق الأرثوذكسية بوتين"، لبقاء الأوليغارشية الأسدية وحاشيتها.
ومن أغرب ما أنتجه المسرح الهزلي "الممانع" أخيراً، لصرف النظر عن كارثة أُخذت إليها سورية اليوم، استرجاع شاشات الأسد، وما يشبهها لبنانياً، مشهد "الشرطي الأميركي الملعون يدوس رقبة الزنجي جورج فلويد... كان يمكنه قتله يا أخي بطريقة أخرى!".
وسط ذلك، كانت مصادفات كثيرة تحضر مجدداً من العقل الباطني للأسدية، كتواجد عدسة التلفزيون السوري في درعا تلتقط (صدفة) "عناصر مسلحة" تطلق النار على المتظاهرين "لتشويه الدولة"، وصدفة اتهام الممانعة بثينة شعبان، ورفيقها خالد العبود، لفلسطينيي المخيمات (الملثمين) "بإثارة الشغب". وبالصدفة طُبق شعار "الأسد أو نحرق البلد"، كصدفة تعذيب وقتل الطفل حمزة الخطيب، وجز حنجرة إبراهيم قاشوش، وقتل غياث مطر وباسل شحادة، مقابل إطلاق سراح رجالات "النصرة" و"داعش" من صيدنايا.
على الرغم من التدمير والتهجير والمذابح والانهيارات، يصرّ شهود الزور على تجميل "جمهورية فيشي الأسدية"، متوعدين السويداء، وربما سلمية ومصياف، وغيرها من "بؤر إرهابية"، بـ"دواعش" الدويلة "المافيوزية" الأسدية لـ"تطهيرها" وجعلها أكثر "تجانساً". وليس مستغرباً استعادة خطاب "العمالة" و"الصمود في وجه المؤامرة الكونية"، وأن الناس تتظاهر في السويداء لقاء "500 ليرة".
في المحصلة، فإنّ رهانات معسكر الثورات المضادة على كيّ الوعي العربي، مصيرها كمصير المهرجين ساكبي دموع التماسيح على جورج فلويد.