مع كل مرارة الواقع التعليمي في الصومال فإن ملامح الوعي العام والمتنامي الواضحة بضرورة التعليم وأهميتة في تجاوز المحنة الوطنية استدعت وعيا آخر لدى المسؤولين في توظيف هذا الوعي، ويلفت علي الشيخ أحمد، رئيس جامعة مقديشو، أول جامعة تأسست بعد انهيار الحكومة المركزية في الصومال، إلى أن أملهم كبير في ذلك، إذ نجح الشعب الصومالي نسبياً في إدارة التعليم في ظل غياب الدولة المركزية، وأضاف "أملنا في عودة جودة التعليم إلى مستواها كبير، والآن يتوفّر في البلاد جميع المراحل التعليمية، هذا التعليم الذي يديره القطاع الخاص ربحياً كان أو غير ربحي هو الأغلب"، ويعتقد عضو إدارة جامعة سيمد إبراهيم محمود حامد أن " الجامعات في الصومال وبالأخص في مقديشو ربحية ما عدا الجامعات الأربع الكبرى".
تأسيس الجامعات الأهلية
كانت الحكومة العسكرية الصومالية التي حكمت البلاد ما قبل اندلاع الحرب الأهلية 1991، دولة اشتراكية تعتمد على النظام الشمولي الذي يجعل كافة الأنشطة الاقتصادية والسياسية والتعليمية بل والاجتماعية تحت ملكية وإشراف الدولة، الأمر الذي جعل انهيار نظامها السياسي يؤدي إلى انهيار الأنشطة كافة بما فيها التعليم بمستوياته ومؤسساته كافة .
وكنتيجة مباشرة لهذا الانهيار، فإن الأجيال الصومالية التي كانت تدرس في الجامعة الوطنية والمعاهد الفنية والمدارس الأساسية والثانوية أصبحت تواجه مستقبلاً قاتما حيث توقفت المسيرة التعليمية توقفا كاملا، بل تعرضت المؤسسات الأكاديمية للنهب والسلب والتدمير المنظم الأمر الذي ضاعف الأزمة التعليمية بشكل لا يمكن تصوره.
ونظراً للطبيعة الثورية والطاقة الكبيرة التي يملكها الطلاب فقد انخرط الجيل الأول من الطّلاب الذين فقدوا فرص التعليم في الحرب الأهلية وانضموا للجبهات الصومالية المتحاربة بمختلف مسمياتها وراياتها.
إزاء هذا الوضع فكّرت كوكبة من المثقفين والأعيان من الداخل والخارج في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ففتحوا أول مدرسة أهلية تعتمد على الجهود المحلية كما قاموا بإعادة ترميم عدد من المدارس المدمرة بالحروب، وابتكروا آلية جديدة لإدارتها، وذكر علي أن "تكوين لجنة من المثقفين وشيوخ القبائل وأعيان الصومال وتجارها تقوم بتوعية الشعب حول أهمية التعليم للإنسان، مستخدمين طرقاً مختلفة من إلقاء المحاضرات العامة والمشاركة في اللقاءات الجماهيرية، كما تقوم بالإشراف على العملية التعليمية"، وكانت هذه من أهم الآليات التي ابتكرها المثقفون.
ويضيف رئيس جامعة مقديشو "بما أنّه لا يوجد دعم حكومي، فلقد فُرض على أسر الطلاب دفع رسوم رمزية مقابل تعليم أطفالهم، تصرف على الأساتذة والعمال والإداريين كرواتب، وفي بعض الأحيان خاصة في المناطق التي تعيش فيها الطبقات الأكثر فقرا كانت اللجنة تتصل مع الهيئات التي تقوم بالعمل الإنساني لتوفير المادة الغذائية لإدارة ومعلمي وعاملي المدرسة ضمن برنامج الغذاء مقابل العمل".
وقد أظهرت هذه التجربة بعد تطبيقها على عدد من المناطق خاصة في العاصمة مقديشو فعالية كبيرة حيث وضعت حداً للحالة الكارثية التي كانت الأجيال الصومالية الصاعدة تواجهها في وقت كانت الحروب الأهلية في أوجها، بحيث انتشرت المدارس في البلاد، معتمدة على الدعم المحلي وفي بعض الأحيان الدعم الخارجي خاصة من بعض الهيئات العربية الخيرية العاملة في البلد..
بعد ذلك المجهود الكبير من المثقفين في توجيه الطاقة الشبابية الضائعة توجيهاً صحيحاً، وبعد القبول الاجتماعي للمدارس، ظهر تحد آخر تمثل في كيفية تكملة المسيرة التعليمية لخريجي المدارس الأهلية في الصومال، فكان تدشين "جامعة مقديشو" استجابة لتلك الحاجة وفي وقت كانت البلاد تعيش بمرحلة ظلامية لتفتح الآمال من جديد أمام تلك الأعداد من خريجي الثانويات في الصومال.
وأكد علي الشيخ "أن القائمين على تأسيس جامعة مقديشو أدركوا بعد انهيار الحكومة المركزية في الصومال خطورة الوضع المتمثل بانهيار المرافق التعليمية في طول البلاد وعرضها، الأمر الذي جعل شباب الصومال في مهب الرياح وعرضة لفقدان مستقبلهم كما أن الكثيرين منهم انضموا الى الميليشيات العشائرية، واخرين لجأوا لقوارب الموت، وفتح الجامعة كان بمثابة عملية نجدة وتنبيه المجتمع لضرورة عمل ما لإنقاذ أبناء الصومال، ومن الناحية الأخرى العملية بعث روح الأمل ومحاربة اليأس المسيطر على القلوب بسبب الأزمات والكوارث المتتالية في الساحة الصومالية".
النقابات والأندية الطلابية
تؤشر الممارسة السياسية داخل المؤسسات التعليمة في الصومال وبالأخص في مقديشو على أن المجتمع الصومالي لم يصل إلى المستوى الذي يمكنه من الممارسة السياسية بطرق سلمية، بسبب ضيق فضاء الحريات، والتهديدات الأمنية التي تترصد بكل من يجهر برأي قد لا يرضي بعض الأطراف المتنفذة، كالحكومة والحركات الإسلامية المسلحة، أو الميليشيات القبلية. وما يزيد من المخاوف غياب المؤسسات الدستورية المسؤولة عن تنظيم العملية السياسية، والمؤسسات الأمنية المؤهلة لتولي هكذا قضايا.
علاقات الطلبة ضمن الفضاء العام
عالم التعليم في المدارس والجامعات يختلف عن العوالم الأخرى، فالطلاب يتعلمون في فصل واحد وفي مدرسة أو جامعة واحدة وهم من بيئات وخلفيات وقبائل وأقاليم مختلفة، وحتى عندما كانت الحروب الأهلية في ذروة جنونها، فمعظم الجامعات لم تسجل فيها اعتداءات أخلاقية وجسدية بين الطلاب، أو بين الطلبة والأساتذة والإدارة، وقد تكون كذلك باقي المؤسسات الجامعية الأخرى في البلد، كما أن بعض طلاب وخريجي الجامعات أسسوا شراكات عائلية وعملية مما يدل على طبيعية العلاقات الاجتماعية بين الطلاب.
الحرم الجامعي
على الرغم من قلة المدن الجامعية التي تتناسب مع متطلبات المرحلة الجامعية فإن علاقة الطلاب مع هذا الفضاء تفيدهم بالإمكانات الموجودة والتي تساعدهم على تقوية تكوينهم الثقافي والأكاديمي والمهني من خلال تعاملهم مع هذا الجو العلمي طلابا وأساتذة ومكتبة تقليدية أو الكترونية. إلا أنهم يواجهون جملة من المصاعب في بيئتهم الجامعية تتمثل في عدم وجود دعم حكومي للجامعات الصومالية بصورة عامة. وصعوبات أمنية، بحيث تعمل الجامعات في بيئة لا تتوفر لها أدنى مقومات الأمن، واعتماد اقتصاد الجامعات على الرسوم الدراسية وزيادتها بين فترة وأخرى مما يثقل كاهل أولياء الأمور في العرف المحلي، ما يعني أن العجز في ميزانيات الجامعات ظاهرة دائمة. وكذلك الاختلاف الديموغرافي (السكاني)، وغياب التخطيط أدى إلى تكدس الجامعات في أماكن معينة وافتتاحها كذلك في أماكن لا توجد فيها مدارس ثانوية، كما يظهر سوء التخطيط في تشابه التخصصات، في جميع أو غالبية الجامعات.
ويتوجب الانتباه إلى أن الجامعات الصومالية نشأت في ظروف قاسية حقا لأنها خرجت من رحم كوارث الحرب الأهلية وويلاتها، فهي حديثة العهد في نشأتها، قليلة الإمكانات في قدراتها المادية، فهناك ضعف في التمويل والإدارة، مما ينعكس بدوره على أنشطة الطلاب وحياتهم في الجامعات.