في غزّة
تستمرّ المقاومة
بمولد كهرباء
يوقد في كوفيَّة،
عنيد كالرمل
كالنقش على الجدران
وأسماء الشّهداء
وصورهم.
الأكسجين في هذه المدينة مسروق،
والحيوات على الرفوف محنّطة
والأنفاس مهرّبة عبر الأنفاق
كالممنوعات.
في المساء،
عند غروب الشمس
تفتح غزّة جراحها
تنزف قرب البحر
تغطي دموعها بالمنديل
ثمّ تغويك بعينيها.
■ ■ ■
تذكرة مفتوحة
أنا مواطن بحقيبة
وطني لون الشمس
قدماي ترقصان مع الريح
لساني يلتقط اللكنات
وعيناي تعرفان نساء الطرقات.
أنا تذكرة مفتوحة
لا أحمل إلّا دفتر مذكرات فارغا
وبقايا من حكايات
وجواز سفر لوجوه شعوب أحببتها
وابتسامة الأمس الجميلة
وورقة من متحف الذكريات
هذا كلّ ما أحمل معي.
جزيرتي تبحر مع التيار
وتمارس الحب على عجل
في المطارات
تستلقي أمامي عارية
في حجرات نوافذ القطارات
كلّ صباح
أرسم خريطتي الأرضية
من فسيفساء الكنائس الفارغة
والساحات المكتظة
تجول عيناي في الأزقة
ألمح أطفالاً بالبوظة
زوايا مظلمة
جدران مضيئة
أماكن آثمة للمشاغبين
في عالمي هذا اللامتناهي
يتوقف الزمن
ليسكر مع "البابا"
والمجاهدين
ويدعو الجماهير
والممثلين
فتردّه خائباً
تكريماً للمهرّجين
تنقضّ الأرواح على الليالي
تحاصر القصيدة
على مفترقات طرق تنتصب فيها مصابيح
تردد ابتهالات التكوين.
أُغنّي الجَمال بلساني
وبه ألعق عَرَق العصور
به أروي حكايات الأجداد
وأحرّف كل الحقائق حول نفسي.
نُصغي إلى جرس برج الكنيسة يسخر منّا
يذكرنا بالوقت في يوم لا نهاية له
والبخور الذي يزكم أنفاسنا
يعدنا بأبهى قطرات السلام.
من على سور فناء كنيستي
أرفض كلّ الأناجيل التي لقموني
على مرّ السنين
وصناديق القرابين المذهّبة على المذبح
المغلقة بقفل الإنسان.
آمنت بشائعات الحمقى
والأبيات المنقوشة بغضب على الجدران،
"أحبك"
"لا للعولمة"
"أريدك معي"
"لا"
"عليك اللعنة"
مشيت ومشيت
حتى وجدت كلّ هذا
مشيت ومشيت
حتى لم أجد شيئاً من هذا
تمددت في سرير الفندق
قال لي مالكه
"أتحتمل اثنتين؟"
أعرف شمساً لا تشرق إلا في المساء
أعرف بحراً مخبأ تحت الصحراء
أعرف فتاة تعيش على الأرض
أعرف شجرة سوداء
في ليل غير أكيد.
أعرف صبيّاً برازيلياً
ينظر إلى السماء
يحدّق في الطائرة ويتساءل
كيف صعدوا إلى هناك؟
أعرف سجيناً تونسياً
أعرف يابانياً
سرقوا درّاجته الهوائية.
أعرف ليبياً بلا جواز سفر
يعمل في محجر.
أعرف فتاة من كوسوفو
تعزف على بيانو متهاوٍ.
أعرف فلسطينياً
يزور قبر ابنه كل يوم
وأعرف الأم
التي لا تريد الحديث
وزميله الذي كان معه يومها
أعرف راقصاً من كاتالونيا
يحكمه ظلّه
يراقص بقدميه حلقات الرمل
والقمر يرقص بجانبه.
هذا هو عالمي
هذه هي مدينتي
وهذه هي اللحظة
التي أحمل فيها الرياح معي.
هذه هي أرضي
هذا هو عالمي
والحكاية
التي أحمل في حقيبتي.
■ ■ ■
وادي غزّة
جافّ وادي غزّة
لا شيء في أحضانه سوى الحجارة المبتورة
ونفايات الحديد
وقطع الخرسانة
وطفل يلهو مع والده،
أغنام "خالد"
تأخذ لون جفاف الأرض
عندما تغطيها موجة من الطين
ودموع الفلاحين.
جافٌّ وادي غزّة،
يمتلئ بالطمي والماء فقط
عندما تفيض الخزانات السخيّة على الجهة الأخرى
دون سابق إنذار
لتغرق قرية
كما أغرقتها سابقًا
بقذائف الفُسفور.
* Karl Schembri شاعر وروائي وصحافي وناشط في مجال العمل الإنساني، مالطي المولد والنشأة (1978). تأتي في مقدمة أعماله مختارات شعرية نشرها تضامناً مع الشعب الفلسطيني خلال عدوان الاثنين والعشرين يوماً الصهيوني على غزة (2009) تحت عنوان "الدم نازل كما المطر" أو "الدم نيزل بش شتا" باللغة المالطية. عاش شكمبري وعمل لسنوات في غزة.
** ترجمة عن المالطية وليد نبهان