رغم الزيارات المتعددة للمسؤولين المصريين عن ملف التجارة، لدول أوروبية وآسيوية وأفريقية وعربية على مدار الفترة الأخيرة، وكذلك استقبال وفود رسمية حكومية ومن الشركات، إلا أن أداء الصادرات المصرية كان سلبياً، مسجلة تراجعاً ملحوظاً على مدار العامين الماضيين.
وتؤكد النتيجة التي آلت إليها الصادرات المصرية، إخفاق وزارة التجارة والصناعة في تنشيط التجارة الخارجية لمصر، ما ترتب عليه العديد من المشكلات الاقتصادية، على رأسها تراجع التدفقات من النقد الأجنبي، خاصة في ظل تنامي الواردات.
كما يشير تراجع الصادرات إلى عجز الاقتصاد المصري عن الحضور والمشاركة في السوق الدولية، بسبب انخفاض تنافسية السلع والمنتجات المحلية مقارنة بمثيلتها عالمياً.
وتبدو المبررات الحكومية، التي تساق عبر البيانات الصحافية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، غير منطقية حول أن البترول هو سبب هذا التراجع، لانخفاض أسعاره في السوق العالمية، لتصبح مجرد شماعة، ولو صح هذا الزعم لانخفضت كذلك الواردات المصرية.
فمنذ عام 2008، تراجع الميزان البترولي لمصر، وبعد أن كان يسجل فائضاً، أصبح يحقق عجزاً لتحول مصر إلى مستورد صاف للبترول.
تراجع كمي وكيفي
حسب الأرقام الصادرة عن هيئة الرقابة على الصادرات والواردات الحكومية، فإن قيمة الصادرات المصرية تراجعت في نهاية عام 2014 إلى 24.4 مليار دولار، مقابل 28.7 مليار دولار بنهاية عام 2013، بتراجع بلغت نسبته 15%.
لكن بالنظر إلى النصف الأول من العام الحالي 2015، فإن الصادرات سجلت تراجعاً أكثر حدة مع مقارنتها بنفس الفترة من العام الماضي.
وفق بيانات قامت "العربي الجديد" بجمعها، سجلت قيمة الصادرات في يناير/كانون الأول 2015 نحو 1.46 مليار دولار، مقابل 1.77 مليار دولار في الشهر نفسه من العام الماضي بتراجع بلغت نسبته 17.5%، كما تراجعت في فبراير/شباط إلى 1.46 مليار دولار، مقابل 1.92 مليار دولار في الفترة ذاتها من 2014، بانخفاض نسبته 23%.
وكان التراجع أكثر حدة في مارس/آذار الذي سجل 1.59 مليار دولار، مقابل 2.2 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بهبوط بلغت نسبته 27%.
وظل التراجع مسيطراً ولكن بنسب أقل في أبريل/نيسان الذي سجل 1.57 مليار دولار، مقابل 1.93 مليار دولار في الشهر نفسه من 2014، بخسارة بلغت نسبتها 18%، ارتفعت إلى 19% في مايو/أيار الذي بلغت قيمة صادراته 1.7 مليار دولار، مقابل 2.1 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام الماضي.
ومن خلال هذه البيانات، يتضح أن نسبة التراجع تراوحت ما بين 17.5% و27%، وهي نسب عالية، ودلالاتها السلبية، مقارنة بأداء أشهر عام 2014، أن التراجع السلبي هو السمة الرئيسة لأشهر 2015، بينما كان الأداء متذبذبا في أشهر عام 2014، حيث سجلت بعض الأشهر زيادة في الصادرات، لتظل نسبة الانخفاض ضئيلة إلى حد ما في أشهر ذلك العام.
اقرأ أيضاً: الصادرات المصرية لا تستفيد من تراجع الجنيه
وبينما استهدفت زيارة وزير التجارة والصناعة، منير فخري عبد النور، لعدة دول زيادة الصادرات المصرية، إلا أن ثمة ملمحا يثير تساؤلات، خاصة أن الصادرات المصرية لغالبية الدول التي زارها الوزير سجلت تراجعاً خلال العام الماضي.
فإحصاءات هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، تبين أن الصادرات المصرية تراجعت خلال عام 2014 مقارنة بعام 2013 بنسبة 9% للدول العربية، و10% للاتحاد الأوروبي، و28% للدول الآسيوية غير العربية، ودول أوروبا الشرقية بنسبة 51%، و47% لدول أميركا اللاتينية.
أما الدول التي زادت إليها صادرات المصرية خلال عامي المقارنة فهي "تجمع النافتا"، ويضم دول الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بنسبة 28%، لكن قيمة الزيادة كانت متواضعة بنحو 145 مليون دولار، وكذلك زادت الصادرات المصرية بنسبة 22% للدول الأفريقية غير العربية بنحو 600 مليون دولار.
القطاعات السلعية
وتبين الإحصاءات أن تراجع الصادرات شمل غالبية القطاعات الرئيسة لنشاط التصدير بين عام 2013 و2014، فكانت نسبة التراجع في الصادرات البترولية 23%، وفي الصادرات الزراعية بدون القطن 5%، والغذائية 6%، والتعدينية 31%، والكميائية والدوائية 20%، والأخشاب والأثاث 12%، والقطن وملابس الجاهزة 12%، والكتب والمنتجات الورقية 27%.
وهناك عدة أسباب ساهمت في تراجع أداء الصادرات المصرية، منها عجز الطاقة، حيث ساهمت مشكلة عجز الوقود خلال العامين الماضيين في تباطؤ معدلات إنتاج بعض الصناعات التصديرية لمصر، ومنها صناعات الأسمدة والأسمنت، بسبب عجز الغاز الطبيعي، الذي يعد عماد العملية الإنتاجية في هذه الصناعات.
كذلك ساعدت سياسات المصرف المركزي المصري الرامية إلى الحد من السوق السوداء للعملات الأجنبية، وكذلك عجزه عن تدبير العملات الأجنبية اللازمة للوفاء بمستلزمات الإنتاج، في عدم وفاء الشركات المصرية بحصصها الإنتاجية، مما أدى إلى تراجع عقود التصدير للصناعات المصرية.
وتضيف حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، التي تمر بها مصر عوائق أخرى، جعلت المتعاملين مع السوق المصرية يتخوفون من التعاقد مع المصدرين المصريين، كما ساهمت هذه الحالة بطبيعتها في حالة من الشك لدى المصدرين المصريين أنفسهم في مستقبل الاقتصاد المصري.
كما أن معدلات النمو الاقتصادي في مصر لازالت ضعيفة، فمعدلات بحدود 3.7%، لا تدل على أداء طبيعي للقاعدة الإنتاجية، حيث لا يزال الناتج المحلي ومعدلات نموه تعتمد على الاستهلاك بنسبة تفوق 95%.
ومن الدلالات الأكثر سلبية للنمو أن الاستهلاك يعتمد على منتجات يتم استيرادها من الخارج، وبالتالي فقاعدة الصادرات المصرية لازالت محدودة، ولا تمتلك مزايا نسبية تمكنها من مزاحمة منافسيها في السوق الدولية.
ومن العوامل المؤثرة سلباً في تراجع قيمة الصادرات المصرية، ارتفاع استهلاك هذا البلد من البترول والغاز الطبيعي، حيث يزداد الاستهلاك بنحو 3% سنوياً، فضلا عن تراجع معدلات الإنتاج بسبب ارتفاع مديونية الحكومة تجاه شركات النفط الأجنبية، والتي دفعت الحكومة إلى البحث عن تدابير مالية لسداد جزء من هذه المستحقات، بعد أن عزفت بعض الشركات عن المضي في أعمال التنقيب والإنتاج لتأخر مستحقاتها.
وبحسب الهيئة المصرية العامة للبترول، مطلع يوليو/تموز الجاري، فإن مستحقات شركات النفط الأجنبية العاملة لدى الحكومة بلغت 3.5 مليارات دولار بنهاية يونيو/حزيران، بزيادة 6.1% عنها في مارس/آذار.
اقرأ أيضاً:
1.83 مليار دولار خسائر مصر بسبب تراجع الصادرات
السيسي أعدم الصادرات أيضاً