ترامب يتعلم من كتاب الأسد
باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.
عدّل الرئيس الصيني شي جين بينغ، في مارس/ آذار 2018، الدستور الصيني، لكي يصبح رئيساً إلى الأبد. ويبدو أن الفكرة راقت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي قال في اجتماع لمناصريه: "الرئيس الصيني صار الآن رئيساً مدى الحياة. أعتقد أن هذا أمر عظيم، ولعلنا نرغب في أن نجرّب ذلك في يوم ما".
لا يخفي ترامب إعجابه بالطغاة، فهو قد تغزّل مراراً بالديكتاتور الكوري، كيم جونغ أون. وأشاد برئيس الفيليبين، رودريغو دوتيرتي، الذي يرمي خصومه من الطائرات، ويأمر قوّاته بإطلاق النار على المحتجّين، ولا يحاول أن يخفي علاقته المريبة بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وكان جديد أشكالها تشكيكه في رواية الحكومة الألمانية أن معارض الرئيس، أليكسي نافالني، وقع ضحية تسميم متعمّد بغاز تملكه الحكومة الروسية. وليس أخيراً سعيه الدؤوب إلى تبرئة وليّ العهد السعودي من الاغتيال البربري للصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية في إسطنبول.
لا يخفي ترامب إعجابه بالطغاة، فهو قد تغزّل مراراً بالديكتاتور الكوري، كيم جونغ أون
ولا يكتفي ترامب بالإعجاب بالطغاة، بل يمارس أفعالاً تشبه أفعالهم كلّما أمكنه ذلك. وأخيراً، عيّن أحد كبار داعمي حملته الانتخابية، لويس ديجوي، مديراً عاماً لمؤسّسة البريد الأميركية، فكان أول ما قام به حرمان المؤسّسة آلات فرز الرسائل، وإلغاء العمل الإضافي، لكي يحاول وأد التصويت عبر البريد التي يخشى ترامب أنها تعني خسارته في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلة. وقبلها ضغط على مكتب الإحصاء الأميركي، لينهي عمله قبل شهر من موعده، لكي يمنع تسجيل أعداد كبيرة من العرب واللاتينيين والأميركان من أصل أفريقي. وهو يضغط على مركز الأمراض السارية، لكي يطرح لقاحاً لفيروس كورونا قبيل الانتخابات، لمساعدته في الفوز.
جدل متزايد في أميركا حول ما إذا كان الرئيس سيقبل نتائج انتخابات نوفمبر في حال خسارته
ويضع ترامب في المناصب الحسّاسة مناصريه وأتباعه، من دون النظر بالفعل إلى كفاءاتهم، وقبل أن يعين ديجوي مديراً عاماً للبريد، عيّن ابنته إيفانكا وزوجها جاريد مستشارين في البيت الأبيض، وكلاهما جاء دون أي خبرة سياسية أو خلفية إدارية. وجاريد شاب تنقصه الجاذبية وقوّة الشخصية، ورث ممتلكات عقارية تساوي ثروة، لكنه تمكّن من تبديد معظمها، بسبب سوء إدارته لها. أما إيفانكا، فانتقلت من عالم تصميم الحقائب إلى البيت الأبيض دون المرور بأي مهمةٍ سياسية أو حكومية. وهنالك كثير غيرهما، بما في ذلك تعيين مايك بومبيو رئيساً للمخابرات المركزية، ثم وزيراً للخارجية، من دون أن تكون لديه أي خبرة أمنية أو دبلوماسية، وتعيين المليارديرة بيتسي ديفوس المتبرّعة الكبيرة للحزب الجمهوري وله، وزيرة للتعليم، وهي ليست فقط جاهلة بقضايا التعليم، لكنها من حيث المبدأ معادية للتعليم العام والمجاني. والأسوأ تعيين القضاة الفيدراليين من مناصريه، بما في ذلك تعيين رجل ذي ماضٍ مختلَفٍ عليه في المحكمة العليا.
وككلّ الديكتاتوريين، يرفض ترامب المساءلة والرقابة على أعماله، وهو رفض مراراً تقديم وثائقه الخاصة بالضرائب للكونغرس والجهات المختصة، كذلك فإنه يمنع المسؤولين في إدارته من تلبية استدعاءات الكونغرس لهم للشهادة، وخصوصاً في أثناء جلسات مجلس النوّاب لعزل ترامب، وهو ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يجري بحقّه هذا الإجراء.
سيُذكر في كتب التاريخ باعتباره الرجل الذي قسّم أميركا لأول مرة منذ الحرب الأهلية
وثمّة الآن جدل متزايد حول ما إذا كان الرئيس سيقبل نتائج انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في حال خسارته، فمع اقتراب الموعد، تجدُ الرجلَ يزيد من استخدام لغة التشكيك في عملية التصويت، ويعتبر مسبقاً أن التصويت سيكون مزيفاً، في استقراءٍ منه لخسارته المقبلة. وقد نبّهت شخصيات وازنة، بمن فيها هيلاري كلينتون والسيناتور بيرني ساندرز، إلى أن ترامب قد لا يغادر البيت الأبيض في حال خسارته سلماً. ولكن أكبر شهادة في هذا الخصوص جاءت من محاميه الشخصي وكاتم أسراره، مايكل كوهين، الذي سيصدر قريباً كتاباً بعنوان "الخائن"، يروي فيه علاقته الطويلة بترامب محامياً وحلّال مشكلات ودريئة أحياناً للأعمال الطائشة التي كان يقترفها ترامب. وفي مقدّمة لكتابه، نشرها قبل أيام، حذّر كوهين الذي يعرف ترامب جيداً، من أن الرئيس "لن يغادر منصبه بسلام، لأنه يعلم أنه سيقضي عقوبة بالسجن، عندما لا يعود رئيساً". وكتب كوهين في المقدمة: "باستثناء زوجته وأطفاله، كنت أعرف ترامب أكثر من أي شخص آخر"، ثمّ استدرك أنه في الحقيقة كان يعرف الرجل "أكثر مما عرفته عائلته، لأنني كنت شاهداً على الرجل الحقيقي، في نوادي التعرّي، واجتماعات العمل المشبوهة، وفي اللحظات غير المحمية عندما كشف من هو حقاً: غشاش، كاذب، محتال، متنمر، عنصري، مفترس، ومحتال". وناقش كوهين احتمال خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع تخلّفه في استطلاعات الرأي عن منافسه المرشح الرئاسي الديمقراطي، جو بايدن. وبرأي الرجل الذي رأى ترامب الحقيقي، فإن ترامب "سيواجه عقوبة السجن إذا ترك منصبه"، ولذلك قد لا يغادر البيت الأبيض بسهولة. وكان ترامب نفسه، في مقابلة قبل أسابيع مع كريس والاس من قناة فوكس نيوز، قد رفض تأكيد قبوله نتيجة الانتخابات في حال الفوز أو الخسارة.
ترامب تلميذ مجتهد في مدرسة الديكتاتورية التي يعتبر بشار الأسد ووالده من قبله أستاذين فيها. وهو، إن دقّقنا قليلاً، يتّبع تعاليم كتاب الأسدين في الديكتاتورية. باستثناء القمع المباشر والمعمّم، تقوم ديكتاتورية الأسد على خمسة مبادئ: الكذب وإثارة الخوف والاعتماد على الطائفة أو العشيرة، ورفع الشعارات الجوفاء، والاحتماء بالعائلة. ولو نظرنا في أفعال الرئيس ترامب، لوجدنا أنه يحاول تطبيقها تماماً.
يضع ترامب في المناصب الحسّاسة مناصريه وأتباعه، من دون النظر بالفعل إلى كفاءاتهم
وقد جاء، في مقالة في "واشنطن بوست" في شهر يوليو/ تمّوز الفائت، أن الرئيس ترامب احتاج 827 يوماً لتجاوز 10,000 ادعاء كاذب ومضلل، أي بمعدل 12 كذبة في اليوم. لكنه بعد 440 يوماً فقط، تجاوز حاجز الـ 20,000 كذبة، أي بمتوسط 23 يومياً على مدى 14 شهراً، تضمّنت الأحداث الجسام من محاكمة ترامب إلى الوباء العالمي الذي حطم الاقتصاد واندلاع الاحتجاجات على وفاة جورج فلويد في حجز الشرطة. ولا توجد في الولايات المتحدة عشائر وطوائف، ولكنّ لدى ترامب جيشاً من العنصريين البيض الذين يؤمنون بالتفوق العنصري للعرق الأبيض، وهم غالباً من ذوي التعليم المنخفض، ومن سكان المناطق المنعزلة غير المنخرطة مع أعراق وحضارات أخرى. ويحاول ترامب دائماً إثارة الخوف لدى الأميركيين البيض، من المكسيكيين والأفارقة والمسلمين والملوّنين والفقراء. وجميعنا يذكر حين وصف المكسيكيين بالمغتصبين، ومنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، لأنهم "إرهابيون"، وكانت آخر محاولاته حين حذّر سيدات الضواحي الراقية من خطط الديمقراطيين، للسماح للملوّنين الفقراء بالسكن في جوارهن. وقد رفع ترامب شعارات كبيرة، مثل بناء السور مع المكسيك، واعتقال هيلاري كلينتون، وجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى. ولئن لم يحقّق ترامب أياً من هذه الشعارات، فذلك أيضاً طبيعي، ونحن نعرف أن "البعث" وقائده لم يحقّقا قطّ أياً من شعارته الطنّانة. وأخيراً، يعتمد ترامب على عائلته اعتماداً كبيراً، فقد عيّن ابنته وصهره مستشارَين بصلاحيات واسعة، أما ولداه وكنّته فهم أعمدة الحملة الترامبية لإعادة الانتخاب وتبرير الفساد.
ومع ذلك، لا أحسب أن الخوف من تمرّد ترامب على نتائج انتخابات نوفمبر حقيقي. ومع قناعتي بأن ترامب يتمنى لو يغدو ديكتاتور أميركا، لكن قوى المجتمع المدني والمواطنة والإعلام والمؤسسات الديمقراطية وآلية فصل السلطات ستقف جميعاً في وجهه، إن فكّر في ذلك. وحتى حزبه، الحزب الجمهوري، سيقف في النهاية ضدّه، إن هو حاول اللعب بتداول السلطة. وفي النهاية، سيتحوّل ترامب إلى رئيس سابق، وسيُذكر في كتب التاريخ باعتباره الرجل الذي قسّم أميركا لأول مرة منذ الحرب الأهلية، وباعتباره الرئيس الأكثر كذباً في تاريخ البلاد، وربما الرئيس الذي سيحاكم بعد خروجه من البيت الأبيض.
باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.