بإعلان الرئاسة الجزائرية تحديد تاريخ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل موعداً لإجراء الاستفتاء حول الدستور الجديد، يكون الرئيس عبد المجيد تبون قد قرر البدء في أول خطوة جدية باتجاه مشروعه السياسي الموسوم بـ"الجزائر الجديدة"، لكن الكثير من القراءات السياسية تضع الاستفتاء الشعبي حول الدستور ضمن سياقات أخرى، تتعلق برغبة تبون في ترميم شرعية معطوبة نتيجة الظروف والملابسات التي شابت الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأبلغ رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، الرئيس عبد المجيد تبون، باستعداد الهيئة واستكمالها الترتيبات المتعلقة بتنظيم الاستفتاء في الفاتح من نوفمبر المقبل، حيث يتوقع أن يوقع الرئيس تبون في 30 أغسطس/آب الجاري مرسوم دعوة الهيئة الناخبة، والكشف عن المسودة النهائية للدستور الجديد، المرتقب أن تُسلَّم نسخ منه إلى الأحزاب والتنظيمات المدنية والشخصيات المستقلة، وأن يُنشر في الصحف للرأي العام للاطلاع عليها وتحديد موقف بشأنها، بعد الجدل الذي أحدثته النسخة التمهيدية التي طُرحت في الخامس من مايو/أيار الماضي. ولقيت هذه النسخة رفضاً كبيراً، فرض على اللجنة الدستورية التي كانت قد تلقت 2500 مقترح لتعديل مسودة الدستور من أحزاب ومنظمات وائتلافات مدنية وشخصيات مستقلة وخبراء، إجراء مراجعة عميقة للمقترحات المثيرة، كمسألة تعيين نائب للرئيس يكمل عهدته الرئاسية في حال تعذر على الرئيس ذلك، وتدقيق فصل أكبر للسلطة القضائية عن أي تأثير أو علاقة وظيفية بالسلطة التنفيذية، ومسألة خروج الجيش للقتال في الخارج وغيرها.
ويُعدّ اختيار يوم عيد وطني لإجراء استفتاء أو انتخابات، سابقة أولى في تاريخ الجزائر. وتعطي بعض القراءات للحدث في موعده المحدد أبعاداً أخرى، ذات صلة بالرغبة في جعل الدستور الجديد محطة مفصلية في التغيير السياسي، وإنهاء مرحلة الشرعية الثورية التي ظلت سائدة في البلاد، وخصوصاً أن تبون هو أول رئيس للجمهورية من خارج مربع المجاهدين ومناضلي ثورة التحرير، كما أنه يتضمن رسالة استمرار للروح الثورية في تغيير الأوضاع، والجمع بين رمزية أول نوفمبر/تشرين الثاني 1954، الذي أعلنت فيه الثورة على الاستعمار، وبين أول نوفمبر 2020 كنقطة انطلاق إلى ثورة سياسية تقود إلى ما يصفه الرئيس تبون بـ"الجزائر الجديدة".
تضع الكثير من القراءات السياسية في الجزائر الاستفتاء حول الدستور ضمن سياقات تتعلق برغبة تبون في ترميم شرعية معطوبة نتيجة الظروف والملابسات التي شابت الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر
ونحت بعض التفسيرات لاختيار تبون موعد الفاتح من نوفمبر لطرح مسودة الدستور الجديد للاستفتاء، إلى مبررات اقتصادية ومالية، كون هذا اليوم هو يوم عطلة رسمية ولا يكلف الدولة أي أعباء مالية إضافية أو تعطيل للإنتاج والعمل، في حال اعتمدت يوم عمل (في الغالب الخميس) لإجراء الاستفتاء. غير أن هذه المبررات لا تصمد أمام تحفظات شديدة إزاء هذا الاختيار، وخصوصاً أنه يضع الدستور الجديد في ميزان الموافقة أو الرفض الشعبي في يوم الاحتفال بذكرى ثورة التحرير، وهو اليوم الذي يمثل حالة إجماع وطني، يعتقد محللون أنه لم يكن جديرا استغلالها لطرح مشروع سياسي من الطبيعي أن يحدث اختلاف في المواقف بشأنه، وأنه محاولة لاستغلال التاريخ الجمعي في قضايا سياسية على أهميتها.
وفي السياق، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي مهدي براشد أن الرئيس تبون يريد تمرير تعديل الدستور في ظرف تاريخي، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد تفسير لاختيار رئيس الجمهورية يوم الفاتح من نوفمبر لاستفتاء الجزائريين في مشروع تعديل الدستور سوى رغبته في استغلال تاريخ الثورة التحريرية في شحن عاطفة الجزائريين، وإقناعهم بالمشروع المقترح، من خلال جعل نص الدستور المقترح بمثابة ثورة جديدة متلازمة وذكرى ثورة التحرير، بل وتمتص شرعيتها ومصداقيتها منها". وأضاف: "ينطوي اختيار هذا التاريخ على مخاوف مسبقة لدى الرئيس تبون من رفض وارد لدى الجزائريين لمشروع الدستور الجديد المقترح، على الأقل كما ظهر في المسودة التي عُرضت عليهم، في شهر رمضان الماضي، وأثارت تحفظات عديدة، وما يعزز وجود هذه المخاوف، تصريح الرئيس تبون، خلال لقائه الأخير بالولاة، بأنه في حال رفض الجزائريون مشروع الدستور المقترح عليهم، فإننا سنستمر في العمل بالدستور القديم".
وبدأت بعض مكونات الحراك الشعبي المستمرة في مواقفها الداعية إلى تغيير جذري، ترسم مبكراً موقفاً مناوئاً للاستفتاء الدستوري، وتطرح شعاراً استباقياً "لنا ثورتنا، ولكم دستوركم". وتعتبر بعض المكونات أن الرئيس تبون، من خلال سرعة صياغة الدستور الجديد عبر لجنة تقنية كانت أيضاً محل جدل حتى من القوى التي شاركت في انتخابات ديسمبر الماضي نفسها، يسعى إلى ترميم شرعيته الشعبية المعطوبة بسبب الظروف التي شابت الانتخابات التي قادته إلى الحكم، بسبب المقاطعة الكبيرة، إذ لم يصوّت سوى 38 في المائة من الناخبين، ومجموعهم 24 مليون ناخب مسجل، في وقت سُجلت نسبة تصويت أدنى من واحد في المائة في بعض الولايات.
ويسعى تبون، وفق هذه المكونات، إلى الحصول على تزكية شعبية جديدة لمشروعه السياسي، يعزز به موقفه الداخلي والخارجي، بالكيفية نفسها التي قام بها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خلال طرحه مشروع الوئام المدني في سبتمبر/أيلول 1999، خمسة أشهر بعد تعرضه في الانتخابات الرئاسية لنكسة انسحاب منافسيه الستة، وابقائه وحيداً في مضمار الانتخابات احتجاجاً على التزوير لصالحه.
ولم تعلّق غالبية القوى السياسية على الخطوة التي اتخذها الرئيس تبون بشأن موعد للاستفتاء، لكون الموقف الأساس مرتبطا بمضمون المسودة الدستورية التي لم يكشف عنها الرئيس حتى الآن، إذ لا ترغب القوى السياسية باستباق صدور النص الدستوري بموقف ما، هذا بغض النظر عن مواقف أحزاب "الكتلة الديمقراطية"، التي تطالب بمجلس تأسيسي يتولى صياغة الدستور، وترفض مسار الإصلاح السياسي والدستوري الذي يطرحه الرئيس تبون منذ الخامس من مايو/أيار الماضي، عبر مسودة أولية للدستور تضمنت إصلاحات سياسية تخص تعيين نائب لرئيس الجمهورية، ودسترة الحراك الشعبي، والسماح لقوات الجيش بالقتال في الخارج بعد موافقة البرلمان، وتعزيز سلطة البرلمان على الحكومة عبر الآليات الرقابية ولجان التحقيق، وتعزيز استقلالية العدالة من خلال المجلس الأعلى للقضاء، وتوزيع الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الحكومة.