28 أكتوبر 2024
تساؤلات بشأن "جنيف 8"
هل تشكل جولة "جنيف 8" من مداولات الشأن السوري بداية الانزلاق نحو وأد الثورة بشقها السياسي، بعدما وئدت على الأرض؟ أم هل تشكل هذه الجولة بداية لمسار تفاوضي حقيقي، قد يخرج البلاد من أزمتها المستعصية، ويعبد الطريق أمام حل سياسي، ينتهي بإقامة نظام ديمقراطي؟ ليست الإجابة عن السؤالين يسيرة، في ظل غموض المواقف الدولية من الحل السياسي، وفي ظل تعامل فرقاء الصراع السوري مع الأزمة، انطلاقا من تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة.
لقد تعرّضت جولة "جنيف 8" ومخرجات مؤتمر المعارضة السورية "الرياض 2" لانتقادات واسعة من أطراف كثيرة في المعارضة، إما لأسباب خاصة، بعدما خسرت شخصيات مكانتها الاعتبارية، أو بسبب مراهقتها السياسية واستمرارها في اعتماد خطاب سياسي ميتاواقعي. وهنا محطات تاريخية مهمة من عمر الأزمة السورية:
أولاً، رفضت فصائل المعارضة قبل ثلاثة أعوام الانخراط في البرنامج الأميركي، المتمثل بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ووقف قتال النظام، وترتب على هذا الرفض اضطرار واشنطن للبحث عن حلفاء محليين آخرين، ولو وافقت الفصائل آنذاك على المطلب الأميركي، لكانت اليوم قوة عسكرية ضاربة على الأرض، ولكانت الحليف الأول للولايات المتحدة. ومن نافل القول إن هذا الأمر لو تحقق، لكان المشهد العسكري اليوم مختلفا تماما. وللأسف قبلت فصائل المعارضة أخيراً وقف قتال النظام، لكن من البوابة الروسية، لا الأميركية، وهذا أمر كانت له وما تزال تبعات كبيرة.
ثانياُ، هل علينا التذكير كيف أن الروس طلبوا من فصائل المعارضة البقاء في حلب، شرط مغادرة جبهة النصرة المدينة، لكن الفصائل رفضت، وكانت النتيجة مغادرة الجميع بقوة السلاح؟.
ثالثاً، هل علينا التذكير كيف رفض ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، ممثل المعارضة الرئيسي، توسيع مروحة المعارضة، واستيعاب هيئة التنسيق الوطني، ولم يتم الأمر إلا بضغط دولي، كانت الرياض عنوانه في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015، مع تشكيل "الهيئة العليا للمفاوضات"، وكيف رفضت هذه الهيئة فيما بعد استيعاب منصات جديدة، إلى أن فرض ذلك على الهيئة بالقوة. ماذا لو قامت الهيئة منذ سنتين بالتواصل مع قوى قريبة إليها، أليس ذلك كان أفضل من الواقع الحالي الذي أصبحت فيه منصة موسكو جزءا من الهيئة العليا؟
رابعاً، أصرّت المعارضة طوال السنوات الماضية على بيان "جنيف 1" الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، مع إبعاد الأسد من المرحلة الانتقالية. ورضيت اليوم بالقوة بتحويل ملف الانتقال السياسي ومصير الأسد إلى مجرد نقاش تفاوضي. وفي منتصف عام 2015، طلب مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، من المعارضة مناقشة وثيقة أعدها عن المبادئ الأساسية للحكم، قبل عرضها أمام مجلس الأمن، لكن "الائتلاف" رفض مناقشتها، وكانت النتيجة أن المبعوث الأممي عرضها على المجلس كما هي، لتتحول فيما بعد إلى قرار دولي يحمل الرقم 2254. وللأسف، لم يعد هذا القرار الذي شكل مرجعية الحل السياسي مقبولا كما هو من الروس والأميركيين، ويجري ببطء تفريغه من محتواه، بعدما كان القرار نفسه قد أفرغ قضية المرحلة الانتقالية ومصير الأسد من محتواهما.
يعود الواقع الذي وصلت إليه المعارضة السورية اليوم، بشقيها السياسي والعسكري، إلى تخلي المجتمع الدولي عن الثورة السورية من جهة، ولأخطاء الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة من جهة ثانية، وللأخطاء الكارثية التي ارتكبتها المعارضة، بسبب رعونتها السياسية، وتسلم شخصيات ريادة العمل المعارض، وهي لا تمتلك أدنى الكفاءات من جهة ثالثة.
واليوم، عندما اتسمت المعارضة بالواقعية السياسية، لا الاستسلام كما يُصور بعضهم، تعرّضت الهيئة العليا والوفد المفاوض لأبشع الانتقادات، من دون أن يمتلك هؤلاء المنتقدون أية بدائل سوى مواقف نظرية أيديولوجية تخلو من أية روافع مادية لها.
وليس مفيداً الانزلاق إلى لغة الاتهامات بين صفوف المعارضة، المفيد هو استخدام السياسة باعتبارها فنا للممكن لتحصيل ما يمكن تحصيله في بيئةٍ محليةٍ وإقليمية ودولية غير مواتية.
والقول إن جولة "جنيف 8" ستؤسس لمرحلة تفاوضية عبثية غير صحيح، بدليل خوف النظام وارتباكه منها، لأنها ألغت ثنائية العسكري / السياسي التي يتحجّج بها، ووضعت نواظم للمسار التفاوضي. وخصوصية المعركة السورية سياسية أكثر منها عسكرية، ولو كان المستوى العسكري هو الأساس لانتهت الأزمة لصالح النظام، ولما اضطر إلى إجراء مفاوضات سياسية.
لم يكن أمام المعارضة إلا القبول بالسقف السياسي التفاوضي الذي تم التفاهم عليه دوليا، ولو فعلت غير ذلك، لسرعان ما بدأت واشنطن وموسكو بإضعاف المعارضة وإخراجها رويدا رويدا من المشهد السياسي، لكن هذه الواقعية السياسية التي يتسم بها الوفد التفاوضي قد تكون سبباً في إحداث اختراقٍ يصب في صالحها، بعدما خبرنا سياسة اللاءات، وما انتهت إليه من كوارث.
لقد تعرّضت جولة "جنيف 8" ومخرجات مؤتمر المعارضة السورية "الرياض 2" لانتقادات واسعة من أطراف كثيرة في المعارضة، إما لأسباب خاصة، بعدما خسرت شخصيات مكانتها الاعتبارية، أو بسبب مراهقتها السياسية واستمرارها في اعتماد خطاب سياسي ميتاواقعي. وهنا محطات تاريخية مهمة من عمر الأزمة السورية:
أولاً، رفضت فصائل المعارضة قبل ثلاثة أعوام الانخراط في البرنامج الأميركي، المتمثل بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ووقف قتال النظام، وترتب على هذا الرفض اضطرار واشنطن للبحث عن حلفاء محليين آخرين، ولو وافقت الفصائل آنذاك على المطلب الأميركي، لكانت اليوم قوة عسكرية ضاربة على الأرض، ولكانت الحليف الأول للولايات المتحدة. ومن نافل القول إن هذا الأمر لو تحقق، لكان المشهد العسكري اليوم مختلفا تماما. وللأسف قبلت فصائل المعارضة أخيراً وقف قتال النظام، لكن من البوابة الروسية، لا الأميركية، وهذا أمر كانت له وما تزال تبعات كبيرة.
ثانياُ، هل علينا التذكير كيف أن الروس طلبوا من فصائل المعارضة البقاء في حلب، شرط مغادرة جبهة النصرة المدينة، لكن الفصائل رفضت، وكانت النتيجة مغادرة الجميع بقوة السلاح؟.
ثالثاً، هل علينا التذكير كيف رفض ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، ممثل المعارضة الرئيسي، توسيع مروحة المعارضة، واستيعاب هيئة التنسيق الوطني، ولم يتم الأمر إلا بضغط دولي، كانت الرياض عنوانه في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015، مع تشكيل "الهيئة العليا للمفاوضات"، وكيف رفضت هذه الهيئة فيما بعد استيعاب منصات جديدة، إلى أن فرض ذلك على الهيئة بالقوة. ماذا لو قامت الهيئة منذ سنتين بالتواصل مع قوى قريبة إليها، أليس ذلك كان أفضل من الواقع الحالي الذي أصبحت فيه منصة موسكو جزءا من الهيئة العليا؟
رابعاً، أصرّت المعارضة طوال السنوات الماضية على بيان "جنيف 1" الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، مع إبعاد الأسد من المرحلة الانتقالية. ورضيت اليوم بالقوة بتحويل ملف الانتقال السياسي ومصير الأسد إلى مجرد نقاش تفاوضي. وفي منتصف عام 2015، طلب مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، من المعارضة مناقشة وثيقة أعدها عن المبادئ الأساسية للحكم، قبل عرضها أمام مجلس الأمن، لكن "الائتلاف" رفض مناقشتها، وكانت النتيجة أن المبعوث الأممي عرضها على المجلس كما هي، لتتحول فيما بعد إلى قرار دولي يحمل الرقم 2254. وللأسف، لم يعد هذا القرار الذي شكل مرجعية الحل السياسي مقبولا كما هو من الروس والأميركيين، ويجري ببطء تفريغه من محتواه، بعدما كان القرار نفسه قد أفرغ قضية المرحلة الانتقالية ومصير الأسد من محتواهما.
يعود الواقع الذي وصلت إليه المعارضة السورية اليوم، بشقيها السياسي والعسكري، إلى تخلي المجتمع الدولي عن الثورة السورية من جهة، ولأخطاء الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة من جهة ثانية، وللأخطاء الكارثية التي ارتكبتها المعارضة، بسبب رعونتها السياسية، وتسلم شخصيات ريادة العمل المعارض، وهي لا تمتلك أدنى الكفاءات من جهة ثالثة.
واليوم، عندما اتسمت المعارضة بالواقعية السياسية، لا الاستسلام كما يُصور بعضهم، تعرّضت الهيئة العليا والوفد المفاوض لأبشع الانتقادات، من دون أن يمتلك هؤلاء المنتقدون أية بدائل سوى مواقف نظرية أيديولوجية تخلو من أية روافع مادية لها.
وليس مفيداً الانزلاق إلى لغة الاتهامات بين صفوف المعارضة، المفيد هو استخدام السياسة باعتبارها فنا للممكن لتحصيل ما يمكن تحصيله في بيئةٍ محليةٍ وإقليمية ودولية غير مواتية.
والقول إن جولة "جنيف 8" ستؤسس لمرحلة تفاوضية عبثية غير صحيح، بدليل خوف النظام وارتباكه منها، لأنها ألغت ثنائية العسكري / السياسي التي يتحجّج بها، ووضعت نواظم للمسار التفاوضي. وخصوصية المعركة السورية سياسية أكثر منها عسكرية، ولو كان المستوى العسكري هو الأساس لانتهت الأزمة لصالح النظام، ولما اضطر إلى إجراء مفاوضات سياسية.
لم يكن أمام المعارضة إلا القبول بالسقف السياسي التفاوضي الذي تم التفاهم عليه دوليا، ولو فعلت غير ذلك، لسرعان ما بدأت واشنطن وموسكو بإضعاف المعارضة وإخراجها رويدا رويدا من المشهد السياسي، لكن هذه الواقعية السياسية التي يتسم بها الوفد التفاوضي قد تكون سبباً في إحداث اختراقٍ يصب في صالحها، بعدما خبرنا سياسة اللاءات، وما انتهت إليه من كوارث.