11 سبتمبر 2024
تسريب أسئلة البكالوريا في الجزائر: اللعب بالنار
اختلط الحابل بالنابل في آخر أيام امتحان شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) في الجزائر، فقد نُشرت أسئلة الامتحان في الليلة السابقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتصبح أهم شهادة في المسار المدرسي للطلبة مجرد واجبٍ مدرسيٍّ يحضرونه في البيت، ويأتون به إلى قاعات الاختبار جاهزاً بأجوبته المعدّة سلفاً، والموزعة هي أيضاً على جموع الطلبة عبر "فيسبوك". ولم ينج من هذه السقطة الكبرى في تاريخ شهادة البكالوريا الجزائرية إلا الطلبة المحبوسون، والذين امتحنوا في مراكز إعادة التربية (السجون)، والتي يُمنع فيها استعمال وسائل الاتصال الجماهيري.
ضرب زلزال عنيف قطاع التربية في الجزائر في مقتل، حيث لم تستطع وزارة التربية تلافيه، على الرغم من إجراءاتٍ كثيرة اتخذتها لتأمين وصول موضوعات الامتحان بأمانٍ، إلى مراكز الاختبارات والثانويات، فقد تم احتجاز الأساتذة الذين أعدّوا الأسئلة داخل مقر الديوان الوطني للامتحانات، في إجراء وقائي، لضمان عدم تسريب أي نصٍّ أو سؤالٍ أو ورقة امتحان. واستعانت الوزارة، كما العادة منذ أعوام، بوزارتي الداخلية والدفاع، لإيصال صناديق الأسئلة إلى ربوع البلاد المترامية الأطراف، ولضمان السكينة والأمن أمام الثانويات في أثناء أيام الامتحان. ولم تكتف وزارة التربية بذلك، فجلبت أجهزة تشويش على الهواتف الذكية إلى مراكز الامتحانات، قيل إنها لم تعمل بشكل سليم.
انتهت خمسة أيام كاملة من امتحان شهادة البكالوريا بخيبات أمل وفلتان أعصاب واتهامات، وفوضى جاءت على مصداقية أهم امتحان مصيري، ينهي مسيرة 12 سنة من الدراسة. وطُرح، في الأثناء، سؤال كبير كبر المهزلة: من قام بتسريب أسئلة البكالوريا، ومن يسعى إلى ضرب مصداقية هذه الشهادة، وضرب مصداقية الدولة الجزائرية لدى منظمة اليونسكو التي تقوم كل سنة بتقييم امتحانات هذه الشهادة دولياً، وبالتالي، ضرب مصداقية الطلبة الجزائريين في الجامعات العالمية؟
بقدر ما يبدو البحث عن المتسببين المباشرين في تسريب امتحانات البكالوريا، هذا العام، ضرورياً لتقديمهم إلى العدالة، في محاولةٍ لحفظ ماء الوجه، أو إعادة مصداقيةٍ تناقص منسوبها كثيراً، إلا أن السؤال الأهم هو عن معرفة من يسعى إلى إحداث قلاقل، ودفع زهاء مليون من الطلبة المخدوعين وذويهم إلى الشارع العام؟ سؤال لن تجيب عنه مباشرة التحقيقات التي بدأتها وزارة العدل الجزائرية، فهي محدّدة الهدف، وهو امتصاص غضب الطلبة المجتهدين الذين شعروا أن مجهوداتهم، طوال أعوام، عصفت بها ريحٌ لا يعرفون من أين هبّت، وما المقصود منها في هذه الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد العربية؟
يتساءل كثيرون عن عجز السلطة في الجزائر عن حماية أسئلة البكالوريا؟ وهي التي تعرف سلفاً أن امتحاناً مصيرياً مثل هذا هو امتحان لهيبة السلطة برمتها، وليس لوزارة التربية وحدها. حاول بعضهم تقديم رأس وزيرة التربية، نورية بن غبريط، كبش فداء، وخصوصاً أنها تتعرّض، منذ مدة طويلة، لانتقاداتٍ كبيرة طاولت خطتها في إعادة اللغة الفرنسية إلى مكانتها السابقة في منظومة التعليم الجزائرية، بعد أربعين سنة من تعريب المناهج، ومشروعها في تدريس اللغة العامية، بدل اللغة العربية، لتلاميذ السنوات الأولى الابتدائية.
صحيح أن بن غبريط، وهي وزيرة للتربية الوطنية، تجهل اللغة العربية، ولا تُحسن الحديث بجملة واحدة سليمة بها. وصحيح كذلك أنها تحمل مشروع فرنسة للمناهج التعليمية، يقال إن لفرنسا اليد الطولى في إعادة إحيائه، غير أن السؤال الأهم ليس في شخص الوزيرة، ذلك أن الجزائريين يعرفون لغتها ووضوح منهجها، ويعرفون، في المقابل، أن طريقة تسييرها الوزراة جادة وحازمة، بعد أن اعتراها الترهل خلال أعوام طويلة. ولكن، أليس من المنطقي السؤال عمّن يقف وراء الوزيرة، ويشجعها على نهجها في تسيير دواليب قطاع التعليم. يعرف كثيرون الإجابة عن هذا السؤال، لكن الموظفين، والكبار منهم خصوصاً، يتحاشون الحديث عن ذلك علناً، فهم يعرفون أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة صاحب القرار في تعيين الوزراء وإنهاء مهامهم، وأن بطانته تقوم مقامه، منذ مرضه، في تسمية الوزراء والمدراء والموظفين الكبار، أو تزكيتهم على الأقل. ولا يخفى على أحدٍ أن الفرنسية، لغةً وثقافةً، تتميز بحظوةٍ كبرى لدى هؤلاء، وأن الحديث عن تدعيم اللغة العربية، أو اللغة الأمازيغية، أخيراً، وترسيمهما في بنود الدستور، مجرد حديثٍ للاستهلاك السياسي والمناسباتي، تنفيه الممارسات اليومية للإدارة الجزائرية، من أعلى رأسها، إلى آخر موظف في إدارة نائية.
كانت التسريبات التي طاولت شهادة البكالوريا على نطاق محدود في سنة 1992، وأطاحت يومها وزير التربية آنذاك، علي بن محمد، قضية سياسية بامتياز، إذ سطت أوساط معادية للغة العربية ليلا على مقر الديوان الوطني للامتحانات، وسرّبت يومها أسئلة الامتحان، ووزّعت أوراق الأسئلة في الشارع العام، وأمام أعين المارة ومرأى السلطات العمومية في وسط العاصمة الجزائر. وكان هدف الذين قاموا بالجريمة رأس الوزير بن محمد الذي تجرأ، في نظرهم، على إدراج الإنجليزية لغةً رديفة للفرنسية في منهاج السنوات الأولى للتعليم. وكان لهم ما أرادوا، استقال الوزير على إثرها، وتم سحب اللغة الانجليزية من المنهاج، وعادت الفرنسية إلى التربع وحيدةً على كرسي اللغات الأجنبية في الجزائر.
لا يُراد القول، هنا، إن أنصار اللغة العربية وراء تسريب امتحانات هذا العام، فلا ناقة لهم ولا جمل في ذلك، ناهيك أنه لا سطوة لهم داخل الإدارات، ولا حظوة لديهم لدى أصحاب الحل والربط. لكن المؤشرات كلها تذهب إلى ترجيح كفة التصفيات السياسية بين أهل السلطة والساعين إليها، كما أن الصراع بلغ ذروته بين العصب داخل السلطة نفسها، خصوصاً بعد التصفيات التي طاولت أجهزة المخابرات في العام 2015. وارتفاع الحديث في أوساط مقربة من السلطة عن تغيير وزاري قريب، ناهيك عن كلامٍ بدأ يخرج من دائرة الهمس إلى العلن، عن انتخابات رئاسية مسبقة، يُرجح أن يكون شهر فبراير/ شباط 2017 موعداً لها.
ضرب زلزال عنيف قطاع التربية في الجزائر في مقتل، حيث لم تستطع وزارة التربية تلافيه، على الرغم من إجراءاتٍ كثيرة اتخذتها لتأمين وصول موضوعات الامتحان بأمانٍ، إلى مراكز الاختبارات والثانويات، فقد تم احتجاز الأساتذة الذين أعدّوا الأسئلة داخل مقر الديوان الوطني للامتحانات، في إجراء وقائي، لضمان عدم تسريب أي نصٍّ أو سؤالٍ أو ورقة امتحان. واستعانت الوزارة، كما العادة منذ أعوام، بوزارتي الداخلية والدفاع، لإيصال صناديق الأسئلة إلى ربوع البلاد المترامية الأطراف، ولضمان السكينة والأمن أمام الثانويات في أثناء أيام الامتحان. ولم تكتف وزارة التربية بذلك، فجلبت أجهزة تشويش على الهواتف الذكية إلى مراكز الامتحانات، قيل إنها لم تعمل بشكل سليم.
انتهت خمسة أيام كاملة من امتحان شهادة البكالوريا بخيبات أمل وفلتان أعصاب واتهامات، وفوضى جاءت على مصداقية أهم امتحان مصيري، ينهي مسيرة 12 سنة من الدراسة. وطُرح، في الأثناء، سؤال كبير كبر المهزلة: من قام بتسريب أسئلة البكالوريا، ومن يسعى إلى ضرب مصداقية هذه الشهادة، وضرب مصداقية الدولة الجزائرية لدى منظمة اليونسكو التي تقوم كل سنة بتقييم امتحانات هذه الشهادة دولياً، وبالتالي، ضرب مصداقية الطلبة الجزائريين في الجامعات العالمية؟
بقدر ما يبدو البحث عن المتسببين المباشرين في تسريب امتحانات البكالوريا، هذا العام، ضرورياً لتقديمهم إلى العدالة، في محاولةٍ لحفظ ماء الوجه، أو إعادة مصداقيةٍ تناقص منسوبها كثيراً، إلا أن السؤال الأهم هو عن معرفة من يسعى إلى إحداث قلاقل، ودفع زهاء مليون من الطلبة المخدوعين وذويهم إلى الشارع العام؟ سؤال لن تجيب عنه مباشرة التحقيقات التي بدأتها وزارة العدل الجزائرية، فهي محدّدة الهدف، وهو امتصاص غضب الطلبة المجتهدين الذين شعروا أن مجهوداتهم، طوال أعوام، عصفت بها ريحٌ لا يعرفون من أين هبّت، وما المقصود منها في هذه الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد العربية؟
يتساءل كثيرون عن عجز السلطة في الجزائر عن حماية أسئلة البكالوريا؟ وهي التي تعرف سلفاً أن امتحاناً مصيرياً مثل هذا هو امتحان لهيبة السلطة برمتها، وليس لوزارة التربية وحدها. حاول بعضهم تقديم رأس وزيرة التربية، نورية بن غبريط، كبش فداء، وخصوصاً أنها تتعرّض، منذ مدة طويلة، لانتقاداتٍ كبيرة طاولت خطتها في إعادة اللغة الفرنسية إلى مكانتها السابقة في منظومة التعليم الجزائرية، بعد أربعين سنة من تعريب المناهج، ومشروعها في تدريس اللغة العامية، بدل اللغة العربية، لتلاميذ السنوات الأولى الابتدائية.
صحيح أن بن غبريط، وهي وزيرة للتربية الوطنية، تجهل اللغة العربية، ولا تُحسن الحديث بجملة واحدة سليمة بها. وصحيح كذلك أنها تحمل مشروع فرنسة للمناهج التعليمية، يقال إن لفرنسا اليد الطولى في إعادة إحيائه، غير أن السؤال الأهم ليس في شخص الوزيرة، ذلك أن الجزائريين يعرفون لغتها ووضوح منهجها، ويعرفون، في المقابل، أن طريقة تسييرها الوزراة جادة وحازمة، بعد أن اعتراها الترهل خلال أعوام طويلة. ولكن، أليس من المنطقي السؤال عمّن يقف وراء الوزيرة، ويشجعها على نهجها في تسيير دواليب قطاع التعليم. يعرف كثيرون الإجابة عن هذا السؤال، لكن الموظفين، والكبار منهم خصوصاً، يتحاشون الحديث عن ذلك علناً، فهم يعرفون أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة صاحب القرار في تعيين الوزراء وإنهاء مهامهم، وأن بطانته تقوم مقامه، منذ مرضه، في تسمية الوزراء والمدراء والموظفين الكبار، أو تزكيتهم على الأقل. ولا يخفى على أحدٍ أن الفرنسية، لغةً وثقافةً، تتميز بحظوةٍ كبرى لدى هؤلاء، وأن الحديث عن تدعيم اللغة العربية، أو اللغة الأمازيغية، أخيراً، وترسيمهما في بنود الدستور، مجرد حديثٍ للاستهلاك السياسي والمناسباتي، تنفيه الممارسات اليومية للإدارة الجزائرية، من أعلى رأسها، إلى آخر موظف في إدارة نائية.
كانت التسريبات التي طاولت شهادة البكالوريا على نطاق محدود في سنة 1992، وأطاحت يومها وزير التربية آنذاك، علي بن محمد، قضية سياسية بامتياز، إذ سطت أوساط معادية للغة العربية ليلا على مقر الديوان الوطني للامتحانات، وسرّبت يومها أسئلة الامتحان، ووزّعت أوراق الأسئلة في الشارع العام، وأمام أعين المارة ومرأى السلطات العمومية في وسط العاصمة الجزائر. وكان هدف الذين قاموا بالجريمة رأس الوزير بن محمد الذي تجرأ، في نظرهم، على إدراج الإنجليزية لغةً رديفة للفرنسية في منهاج السنوات الأولى للتعليم. وكان لهم ما أرادوا، استقال الوزير على إثرها، وتم سحب اللغة الانجليزية من المنهاج، وعادت الفرنسية إلى التربع وحيدةً على كرسي اللغات الأجنبية في الجزائر.
لا يُراد القول، هنا، إن أنصار اللغة العربية وراء تسريب امتحانات هذا العام، فلا ناقة لهم ولا جمل في ذلك، ناهيك أنه لا سطوة لهم داخل الإدارات، ولا حظوة لديهم لدى أصحاب الحل والربط. لكن المؤشرات كلها تذهب إلى ترجيح كفة التصفيات السياسية بين أهل السلطة والساعين إليها، كما أن الصراع بلغ ذروته بين العصب داخل السلطة نفسها، خصوصاً بعد التصفيات التي طاولت أجهزة المخابرات في العام 2015. وارتفاع الحديث في أوساط مقربة من السلطة عن تغيير وزاري قريب، ناهيك عن كلامٍ بدأ يخرج من دائرة الهمس إلى العلن، عن انتخابات رئاسية مسبقة، يُرجح أن يكون شهر فبراير/ شباط 2017 موعداً لها.