أساليب الضغط التي اتبعتها المعارضة على قوات النظام، دفعت الأخيرة للتفكير مراراً في سبل دخول الزبداني من عدمها، والمكاسب التي قد تحققها مقابل الخسائر. وأبرز تلك الأساليب بدء "جيش الفتح" بعد نحو أسبوعين من حصار الزبداني معركة ضدّ النظام والمليشيات الإيرانية التي تقاتل إلى جانبه في قريتي كفريا والفوعة المواليتين له في ريف إدلب، وقطع مياه نبع الفيجة عن دمشق من خلال الإيعاز إلى فصائل المعارضة في وادي بردى.
هذان التحركان وفشل أساليب القوة الخشنة والناعمة من قبل النظام على مدى عشرين يوماً في الزبداني، دفعا النظام وحلفاءه إلى الذهاب بعيداً في استنباط حلول أخرى أقل خسارة، ليستميلوا الأمم المتحدة بادئ ذي بدء، بحيث كثّفت الأمم المتحدة اتصالاتها مع أطراف في المعارضة السورية، بعد أيام من بدء "جيش الفتح" حملة قصف بلدتي كفريا والفوعة.
اقرأ أيضاً: معركة سهل الغاب: المعارضة تسعى لتحييد النظام شمالي سورية
وقد أعربت أوساط في المعارضة عن استيائها من أداء المنظمة الدولية، في ما يخصّ التعاطي مع الحملة التي يشنّها النظام وحزب الله منذ نحو ثلاثة أسابيع على الزبداني، خصوصاً أن المدينة محاصرة منذ أكثر من عامين ونصف العام ولم تتحرك الأمم المتحدة لتقديم أي مساعدة إنسانية للناس هناك، لكنها بدأت اتصالاتها مع المعارضة بعد بدء قصف كفريا والفوعة.
وفشلت قوات النظام في وقف الحملة على المنطقتين على الرغم من الاستعانة بالأمم المتحدة. بل على العكس من ذلك. سرعان ما بدأت فصائل المعارضة المرحلة الثانية من معركة الفوعة وكفريا، لتبدأ بعدها قوات النظام وحلفاؤها في البحث عن اتفاق يكون أكثر إمكانية للتطبيق؛ اتفاق يشبه سيناريو حمص القديمة، والذي أفضى إلى خروج مقاتلي المعارضة المسلحة من المدينة بسلاحهم مقابل دخول قوات النظام إليها، ولو أن المعطيات تختلف بعض الشيء هذه المرة، ما يفرض أن تكون مكاسب المعارضة على الأقل مساوية لمكاسب النظام.
على ضوء ذلك، بدأت المفاوضات، بحسب مراقبين، بين وسطاء غير سوريين يمثلون قوات المعارضة، وآخرين روس يمثلون قوات النظام، على أن تكون بضمان الأمم المتحدة. وتم تحديد الإطار العام للتفاوض بأن يخرج مقاتلو المعارضة من الزبداني وتدخل قوات النظام إليها، مقابل خروج آلاف المقاتلين والمدنيين من كفريا والفوعة ودخول "جيش الفتح" إليها.
وبحسب تسريبات صحافية عربية، فإن "الاتفاق يقضي بخروج 40 ألف مدني وعسكري من داخل مدينتيْ الفوعة وكفريا المحاصرتيْن في ريف إدلب مقابل السماح لمئات العناصر من (جبهة النصرة) و(أحرار الشام) ومدنيين محاصَرين داخل الزبداني بالخروج من المدينة". وأشارت التسريبات إلى أن "هذا التبادل إذا حصل على هذا الشكل، سيكرّس تقسيم سورية إلى دويلات، وسيُخلي الريف الإدلبي والشمال السوري للمسلحين، بينما ينحسر تواجد لون طائفي واحد في أماكن معينة، وهكذا إذا أراد العالم الغربي والعربي تقسيم سورية فليكن، وإذا أرادوا محاربة الإرهاب فكلنا يد واحدة، وإلا فإن التقسيم لا مفرّ منه".
غير أنّ هذا الاتفاق قد لا يناسب طهران، والتي أخذت دفعة معنوية بعد الاتفاق النووي الأخير مع الدول الغربية. ورأى الخبير العسكري والاستراتيجي فايز الدويري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نظام بشار الأسد يكون قد باع سورية لإيران في ظل هذه المفاوضات، وسيدخل نظامه في مزبلة التاريخ". لكنه يعتبر أن "المفاوضات ستفشل، لأن المطالب الإيرانية عالية، فهي تطالب بخروج مقاتلي المعارضة والمدنيين من الزبداني مقابل فك الحصار عن كفريا والفوعة".
من جهته، قال أحد مؤسسي "جبهة النصرة"، صالح الحموي، وعضو مجلس الشورى سابقاً بعدما فُصل أخيراً منها، إنه "يجب تشكيل غرفة ارتباط بين قيادة عمليات الزبداني وقيادة عمليات كفريا والفوعة لإنجاح المفاوضات مع إيران الجارية الآن". وكتب في تغريدات على حسابه في موقع "تويتر" أن "القائمين على المفاوضات مع إيران حول الزبداني أمناء على الدين ولهم خبرة سابقة في موضوع حمص"، مبيّناً أن "هذه المفاوضات قد بوركت من قبل الدكتور هاني السباعي" (داعية سلفي).
ويبدو من خلال المعطيات الحالية أنه في حال أصرّت إيران على رفض فك الحصار عن كفريا والفوعة من قبل "جيش الفتح"، مقابل خروج المحاصرين من الزبداني، فإن الاتفاق مصيره الفشل، خصوصاً أن مقاتلي "جيش الفتح" يملكون زمام المبادرة في الشمال السوري، وهم يحرزون تقدماً تلو الآخر في سهل الغاب، وربما يملكون أوراقاً إضافية للضغط على النظام. في حين تبدو إرادة الصمود لدى مقاتلي المعارضة في الزبداني على أشدّها على الرغم من مرور شهر من القصف العنيف بمختلف الأسلحة جواً وبراً، ما يجعل المعارضة في موقف ليست مضطرة فيه لقبول أي اتفاق على غرار ما حدث في حمص، فهناك كان الحصار قد فتك بالمقاتلين، ولم يعد من مهرب سوى الخروج من المدينة القديمة.
اقرأ أيضاً: المعارضة تشكّل "جيش النصر" بحماة.. والزبداني تقاوم 20 برميلاً