اعتبر رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبرا، اليوم الثلاثاء، أن اليونان استعادت زمام أمورها بعد تضحيات مؤلمة خلال برنامج مساعدات مالية دام 8 سنوات. وقال، في خطاب تلفزيوني من جزيرة إيثاكا، إن اليونان "استعادت حق تقرير مصير ثروتها ومستقبلها بنفسها".
واختيار تسيبراس ذلك الموقع له دلالة رمزية مرتبطة بالمحن التي واجهها الإغريق خلال رحلة يوليسيس، بطل ملحمة هوميروس، للعودة إلى إيثاكا. وقال: "اليوم يوم وفاء الدين لكنه بداية حقبة جديدة".
وأكد أن اليونان تجاوزت ملحمة "الأوديسة في العصر الحديث" خلال الأزمة، إذ طبقت تدابير تقشف بقيمة 65 مليار يورو (75 مليار دولار) وعاشت في "حالة طوارئ مستمرة".
وأنهت اليونان أمس الإثنين، المرحلة الثالثة والأخيرة من برنامج المساعدات رسمياً، لكن الخبراء يحذرون من أن التحديات التي تواجهها البلاد لم تنته بعد. وأقرض الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي اليونان المثقلة بالديون، ما مجموعه 289 مليار يورو (330 مليار دولار) في ثلاثة برامج متتالية في 2010 و2012 و2015.
وقد تكون اليونان سجلت فائضاً في الميزانية باستثناء دفعات الديون، بنحو 4% في 2016 و2017، لكن ذلك في مقابل إصلاحات ضريبية موجعة ولا تزال يداها مكبلتين في الإنفاق على المساعدات الاجتماعية.
ووضعت اليونان تشريعات متعلقة بمعاشات تقاعد جديدة وتخفيضات ضريبية لسنتي 2019 و2020 وستبقى خاضعة لمراقبة دولية لعدة سنوات.
وقبل 8 سنوات، وخلال إعلانه عن صفقة الإنقاذ الأولى لليونان، تحدث رئيس الحكومة آنذاك جورج باباندريو عن "أوديسا جديدة لليونانيين. لكننا الآن على طريق العودة إلى إيثاكا".
ووفقاً لتوقعات المفوضية الأوروبية، للعام الحالي، بلغ حجم الدين الحكومي للبلاد، نسبة 177.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه من المتوقع أن ينخفض إلى 170.3% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل.
وبموجب البرنامج، من غير المتوقع أن تحتاج البلاد إلى 24.1 مليار يورو المتبقية من المساعدات، حسبما ذكرت آلية الاستقرار الأوروبي.
وعلى رغم انتعاش السياحة خلال هذا العام، لكن سعادة السائحين لم تجعل اليونانيين سعداء بالضرورة. فقد تسبب التدفق الكبير للسياح بأزمة في الإيجارات للسكان في بلد يبلغ فيه متوسط الأجر الشهري حوالي 800 يورو. وفي أثينا مثلاً، فإن توسع خدمات الإيجارات السياحية بشكل كبير جعل من مهمة العثور على شقة في وسط المدينة شبه مستحيلة بالنسبة لمواطني المدينة.
وكان يمكن للاقتصاد اليوناني أن يستفيد من الأزمة المالية في زيادة الصادرات، ولكن انضمامه إلى منطقة اليورو، سحب منه هذه الميزة، حيث إن عملته باتت اليورو التي يتحكم فيها البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت وليس البنك المركزي اليوناني.
وقال المفوض الأوروبي للاقتصاد والمالية، بيير موسكوفيسي، يوم الإثنين، إن اليونان تخرج من برنامج المساعدات المالية بأعلى مستوى من الديون الحكومية بين دول الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فأنا على ثقة في أن القرارات التي اتخذتها المجموعة الأوروبية بشأن تنفيذ سلسلة من تدابير الديون ستخفف إلى حد كبير من عبء الديون على اليونان وتضمن استقراره".
وتأمل اليونان استعادة ثقة المستثمرين تدريجياً، مع انحسار أزمة البنوك والأسهم وعودة البورصة للانتعاش.
وأزمة الدين الحكومي اليوناني هي أزمة مالية عصفت بالاقتصاد اليوناني في إبريل/نيسان 2010، حينما طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضاً لمساعدة اليونان على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد.
وكانت معدلات الفائدة على السندات اليونانية قد ارتفعت حينها إلى معدلات عالية نتيجة مخاوف بين المستثمرين من عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها، لا سيما مع ارتفاع معدل عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين العام. وهددت الأزمة اليونانية استقرار منطقة اليورو وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية، إلا أن أوروبا قررت تقديم المساعدة إلى اليونان مقابل تنفيذها إصلاحات اقتصادية وإجراءات تقشف هدفت إلى خفض العجز بالموازنة العامة.
كذلك، كانت إرهاصات الأزمة قد ظهرت في أواخر عام 2009 مع الهروب الكبير للبنوك والشركات من تمويل الإنفاق الحكومي وشراء السندات الحكومية وسندات القطاع الخاص، نتيجة الزيادة الحادة لحجم الدين العام.
وقد أدى ذلك إلى أزمة ثقة في الأسواق المالية اتضحت بارتفاع الفائدة على السندات اليونانية وارتفاع التأمين على السندات اليونانية ضد التخلف عن السداد. ومع تزايد حجم الديون العمومية وارتفاع عجز الموازنة، واجه الاقتصاد اليوناني ضعفاً في النمو وهو ما عقّد من وضع اليونان وصعّب من قدرتها على الحصول على قروض جديدة لتسديد ديونها السابقة.
ولكن تدخل صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية وصندوق آلية الاستقرار المالي بثلاث حزم إنقاذ متوالية ساعد في إنقاذ الاقتصاد اليوناني من حافة الإفلاس، رغم الكلفة الاجتماعية والمعيشية التي سببها ذلك للعديد من ذوي الدخل المتوسط والعمال.