لا يزال احتواء السوق السوداء لصرف العملات الأجنبية متعثراً في تونس، رغم الجهود التي تبذلها الحكومة والبنك المركزي من أجل الحد من نشاط هذه السوق، التي أضحت تستحوذ على نسبة كبيرة من التعاملات، وفق البيانات الرسمية.
وقدّر محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، قيمة رصيد العملة الصعبة المتداول في السوق الموازية (السوداء) بنحو 4 مليارات دينار (1.3 مليار دولار)، فيما تقدّر الموجودات الصافية من النقد الأجنبي بما يعادل 14.48 مليار دينار.
وتعد محاصرة السوق السوداء للعملة واحداً من مطالب الاقتصاديين، الذين دعوا الحكومة إلى احتواء هذه السوق، عبر إفساح المجال أمام القطاع الخاص لفتح محلات صرافة منظمة، لتقليص مكاتب الصرف الهامشية التي تحتكم على رصيد كبير من العملات.
وفي يناير/ كانون الثاني 2018، سمحت تونس لأول مرة في تاريخها بممارسة نشاط صرافة العملة خارج الإطار المصرفي، وذلك عقب إقرار نص قانوني لشروط ممارسة الصرف اليدوي من قبل أشخاص طبيعيين.
وبعد تخرج أكثر من 5 دفعات من الحاصلين على تدريب محلات الصرافة الخاصة، لم تعلن السلطات الرسمية إلى الآن عن مكتب منظم واحد، فيما تواصل سوق الصرف السوداء انتعاشها من التدفق الكبير للسياح المغاربة الذين يمثلون أهم عملاء لسوق الصرافة الموازية.
وكان من المقرر أن يحصل الشخص الراغب في فتح محل صرافة على ضمان بنكي في حدود 16 ألف دولار.
وقال أحمد الكرم، رئيس الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، إنه تم استكمال المنظومة القانونية الخاصة بمكاتب الصرافة، كما أن أكاديمية التدريب التابعة لجمعية المصارف أمّنت التدريب لنحو 5 دفعات، بمعدل 50 متدرباً في كل دفعة، لكن فتح محلات للصرافة يتوقف على تصاريح العمل التي يمنحها البنك المركزي لمن يتقدمون لمزاولة هذا الصنف من النشاط.
وأشار الكرم في حديث لـ"العربي الجديد" إلى جاهزية خريجي الأكاديمية للقيام بنشاط الصرافة بطريقة آمنة، بعد تلقّي التدريب اللازم للممارسة هذه المهنة، مضيفاً أنه أصبح بالإمكان أن يشرع المتخرجون في تقديم ملفاتهم للمصالح المعنية المتمثلة في البنك المركزي ووزارة المالية للحصول على رخص فتح مكاتب لصرف العملة في كل المحافظات.
وتابع أن هذا النظام سيسمح لأول مرة في تونس بأن يعمل خريجو الجامعات العليا في اختصاصات المالية كمتصرفين في مكاتب الصرف التي تُعنى بتبديل الدينار التونسي بالعملات الأجنبية، متوقعاً أن توفر محلات الصرافة مردوداً إيجابياً للجهاز المصرفي الذي يعاني من شح السيولة عموماً. ويرى خبراء ماليون أن كل تعثّر في فتح نقاط الصرف المنظمة بسبب طول الإجراءات الإدارية، يزيد في خسائر الاقتصاد التونسي وتراجع في عائدات القطاع السياحي.
وقال بلحسن الزمني، الخبير المالي، إن كل تأخر في فتح مكاتب الصرف المنظمة هو فسحة جديدة للسوق السوداء للانتعاش من إيرادات مهمة كان يمكن أن تغذي مخزون المركزي من العملات الأجنبية.
وأضاف الزمني لـ"العربي الجديد" أن سوق الصرف السوداء تتغذّى في جزء كبير منها من المعاملات التي يجريها السياح المغاربة، داعياً إلى قطع الطريق أمام القطاع غير المنظم بتكثيف نقاط الصرف الخاصة على كل المسالك والطرق الحدودية غرباً في اتجاه الجزائر وجنوباً في الاتجاه الليبي.
وأعرب المصرف المركزي عن قلقه من توسع السوق السوداء في مجال العملة، ما أدى إلى اختلال التوازنات المالية في القطاع المصرفي بمختلف مؤسساته، التي تعاني من صعوبات كبيرة، منذ سنوات.
وأشار محافظ البنك المركزي، يوم الثلاثاء الماضي، أمام البرلمان، إلى أن السوق السوداء تبتلع جزءاً مهماً من عائدات القطاع السياحي.
وتوجد في قلب تونس العاصمة أو المناطق الحدودية، أسواق معلنة لتداول النقد الأجنبي، بالرغم من الحظر القانوني، في الوقت الذي يعاني فيه المركزي التونسي من أدنى مستويات احتياطي النقد الأجنبي، لا يتعدى 84 يوم توريد، بحسب بيانات رسمية للمركزي التونسي.
وتقود الحكومة خطةً لاستيعاب سوق الصرف السوداء في إطار برنامج للحد من الاقتصاد الموازي والنزول به من 54% من إجمالي اقتصاد الدولة حالياً إلى 20% بحلول عام 2020.
وتأتي محاولات الحكومة لاستيعاب سوق صرف العملات الأجنبية، في وقت كشف مسؤول حكومي، في تصريحات لـ"العربي الجديد" في يناير/ كانون الثاني الماضي، عن أن البنك المركزي بصدد إصدار منشور يجيز للبنوك تقديم قروض للدولة بالعملة الصعبة، إلى جانب تمويل عمليات التصدير والأنشطة الاقتصادية التي تحتاج إلى النقد الأجنبي.
وعلى مدى السنوات الماضية دأبت المصارف التونسية على الاستجابة لطلبات الحكومة بالاقتراض الداخلي لتمويل الموازنة العامة، فيما تجرى كل عمليات الإقراض بالعملة المحلية.
ويسعى المركزي التونسي الذي يعاني من ضعف مخزونات العملة الصعبة إلى الاستفادة من الإيداعات بالنقد الأجنبي لتمويل احتياجات الدولة من القروض والحد من اللجوء إلى مؤسسات التمويل الدولية، وسندات الاستدانة التي تطرح في السوق الدولية ذات الكلفة العالية.
وتحتاج تونس إلى مصادر متنوعة من القروض لتمويل موازنة 2019، إذ تقدّر الحاجة من القروض، وفق ما ورد في مشروع قانون المالية للعام الجاري، بنحو 10.14 مليارات دينار (3.48 مليارات دولار).