بهيّة: زرقاء وبهيّةٌ هذه اللحظة من صباح الغوتيكو المبكر.
أفتح شرفة الغرفة العتيقة، في البيت العتيق، وأتأمّل الشرفات مغطّاة بقماش أبيض، على عادة البرشلونيين القدامى. تلك الشرفات التي تقبع خلفها حيوات لبشر كادحين، يشاركونني نفس الجو والمأوى. أتنسّم الهواء الصافي بلذعة برودته المحبَّبة، وأُنصت إلى صداح الشحرور (هذا الذي، لحسن الطالع، يرافقني أينما سكنت)، فيما تصلني "بونديا" الصباح تلقيها كلاوديا الجميلة على أمّها أسنسيون من الشقة المقابلة.
لحظة، إن لم تكن هي الشعر، فماذا يكون هذا؟
هدوء، وأصداء من أجراس الكنيسة القريبة.
وهأنذا، بعد خمسين يوماً من الإقامة، أشعر بالألفة مع المكان والناس، حتى لا أتصوّر كيف يمكن تغيير السكن بعد ذلك؟
أن تسكن في الحي القوطي، إنما هو امتياز. في بيت واسع مع كارلوتا وكلبها الصغير كلعبة (ثمنه 3000 يورو)، فهو لا امتياز ولا نقيصة.
خلال الخمسين يوماً، بنيت علاقات مع الجيران، وصار لي ما أحبه هنا وما أحنّ إليه لو ابتعدت.
ثم إن الحياة لا تخلو من مفاجآت سارة، هي أكثر ما يؤثّر في الكاتب، كأن تتعرّف على اثنين من ساكني العمارة، فإذا بهما يعرفانك لأنهما قرآ كتبك بلغتهم.
حقيقة، أن الواحد، رغم بعض المنغصات السيادية، محظوظ.
* شاعر وكاتب فلسطيني مقيم في برشلونة