إنّه موسم العودة إلى المدرسة. في المغرب، يستأنف التلاميذ، اليوم، مشوارهم التعليمي وسط آمال بتغييرات تهدف إلى تعزيز العملية التعليمية من جهة، وسط تخوّف من سلبيّات قد تؤثّر على العملية نفسها من جهة أخرى.
ينطلق الموسم الدراسي الجديد في المغرب مع مستجدات كثيرة وإجراءات وتدابير اتخذتها الحكومة متمثلة بوزارة التربية الوطنية بهدف إنجاح العام الدراسي 2018 - 2019، غير أنّه لا يخلو من سلبيات وعراقيل تتجدد مع كل بداية موسم. وكانت وزارة التربية قد استبقت العام الدراسي الجديد، الذي ينطلق اليوم الأربعاء، في الخامس من سبتمبر/ أيلول، بالتأكيد على أنّها اتخذت كل التدابير الكفيلة بتهيئة ظروف استقبال التلاميذ وتأهيل المؤسسات التعليمية والأقسام الداخلية وتوفير التجهيزات، بالإضافة إلى تمكين المؤسسات التعليمية بالكتب واللوازم المدرسية وكذلك ضبط وتدقيق المتوفّر واللازم من الموارد البشرية في مختلف المؤسسات.
تتميّز بداية هذا العام الجديد بإصرار وزارة التربية الوطنية على مواصلة مكافحة الاكتظاظ في الصفوف خلال الموسم التعليمي الجديد، إذ إنّه من المرتقب أن تعتمد الوزارة قاعدة 30 تلميذاً كحدّ أقصى في الصف الواحد خلال السنتَين الدراسيتَين الأولى والثانية من المرحلة الابتدائية، و36 تلميذاً في المستويات الدراسية الأخرى. وتفيد إحصاءات رسمية بأنّ ثمّة 15 ألف صف في البلاد تضمّ ما بين 41 و45 تلميذاً، الأمر الذي يوضح مدى الاكتظاظ، خصوصاً في المرحلة الإعدادية، حيث يبلغ الاكتظاظ نسبة 26 في المائة في تلك المرحلة. تليها المرحلة الثانوية مع نسبة 22.9 في المائة، ثمّ الابتدائي مع 8.8 في المائة.
في السياق، يؤكد وزير التربية الوطنية الجديد، سعيد أمزازي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الوزارة "عازمة على إنهاء الاكتظاظ أو الحدّ منه إلى أبعد درجة في الصفوف"، مشيراً إلى أنّ "ذلك من شأنه أن يساهم في تيسير العملية التعليمية بين التلميذ والمدرّسين على أفضل وجه". يضيف أمزازي أنّ "الوزارة عملت على وضع خريطة مدرسية جديدة تهم كل المؤسسات التعليمية في المدن والقرى المغربية، إلى جانب تزويدها بطواقم تربوية كافية من مدرّسين وتربويّين، فضلاً عن بناء مدارس جديدة من أجل توسيع العرض المدرسي (في مقابل الطلب على التعليم) والتقليل بالتالي من الاكتظاظ". يُذكر أنّ وزارة التربية أنشأت قبيل الموسم الدراسي الجديد، 87 مؤسسة تعليمية جديدة للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، 37 منها في الوسط الحضري و50 مدرسة في الوسط القروي، إلى جانب توظيف 20 ألف مدرّس عبر سياسة "العقدة" مع الوزارة الوصية.
سياسة "العقدة"
يُعَدّ توظيف المدرسين وفق سياسة العقدة في الموسم الدراسي الجديد، من أكبر الملفات التي تؤرق وزارة التربية الوطنية وكذلك المدرّسين أنفسهم وأسر التلاميذ، إذ إنّ هؤلاء المدرّسين قرروا خوض إضرابات واعتصامات قبل انطلاق العام الجديد وفي الأيام الأولى منه احتجاجاً على أوضاعهم وطلباً لدمجهم في الوزارة المعنية. وبالفعل، نظم المدرّسون المتعاقدون قبل بداية العام الجديد، مسيرة احتجاجية واعتصاماً تحذيرياً استنكروا خلالهما ما سمّوه تجاهل الحكومة لملفهم المطلبي، ونادوا بضرورة دمجهم في سلك الوظيفة العمومية. كذلك، قرروا تنظيم تجمعات إقليمية بحضور المدرّسين من كل الأفواج في 16 سبتمبر/ أيلول الجاري، ثمّ تنظيم مسيرات جهوية في 23 منه.
وفي هذا السياق، يقول المدرّس المتعاقد محمد شوكيل لـ"العربي الجديد"، إنّ "المدرّسين وعندما ينظّمون احتجاجات من أجل إرغام الحكومة على تلبية مطالبهم المشروعة، فهذا لا يعني أنّهم ضدّ التلاميذ ولا عائلاتهم، بل هو يأتون بذلك لمصلحة هؤلاء المتعلّمين قبل كل شيء ولضمان سير العملية التعليمية بشكل عادي". ويشرح شوكيل أنّ "مكتسبات التلميذ سوف تكون أفضل عندما يعلّمه مدرّس مُرسم يتمتّع بكامل حقوق الموظف ويعمل بأريحية وفي أجواء مستقرة. بالتالي لا يكون ذلك المدرّس صاحب المزاج المضطرب بسبب خوفه ممّا قد يحمله المستقبل له". يضيف أنّ "المدرّسين المتعاقدين يصرّون على كسب المعركة ونيل مطالبهم المشروعة".
تغيير المؤلفات
قبيل هذا العام الجديد، اشتكت أسر كثيرة من تغيير المناهج الذي عدّته من العراقيل. هي فوجئت بتعديلات طاولت الكتب المقررة للدراسة في بعض المستويات، لا سيّما أنّ أهالي كثيرين اشتروا كتب المنهاج المفترض مع انتهاء العام الدراسي الماضي من أجل تفادي الازدحام في المكتبات. يقول حسن بيروكي، وهو والد طفلَين في المرحلتَين الابتدائية والإعدادية، إنّه اشترى كتب ابنَيه معاً في آخر السنة الماضية لكنه ندم أشد الندم عندما عرف أنّه جرى تغيير بعض الكتب المقررة. هو سوف يضطر إلى شراء كتب جديدة. يضيف لـ"العربي الجديد": "لا أفهم لماذا تعمد وزارة التربية الوطنية إلى تغيير الكتب المقررة، خصوصاً في اللغة العربية واللغة الفرنسية، ما دام المحتوى قريباً جداً من سابقه"، مشيراً إلى أنّه "في المقابل أتفهم التغيير الذي طاول مقررات التربية الإسلامية في سياق تشذيب هذه المادة من بعض الشوائب".
في سياق متصل، سُجّل شدّ حبال بين عدد من مؤسسات التعليم الخصوصي والمكتبات التي تبيع الكتب الدراسية، إذ إنّ ثمّة مدارس تعمد إلى بيع المقررات بنفسها إلى أولياء التلاميذ، الأمر الذي أثار حفيظة أصحاب المكتبات الذين لجأوا إلى الاحتجاج ورفعوا دعاوى قضائية ضدّ تلك المؤسسات. يقول عبد الله زوكيم، وهو صاحب مكتبة بالرباط، لـ"العربي الجديد"، إنّ "معركة حاسمة حصلت بين أرباب المكتبات ومدارس خصوصية عدّة انتهت لفائدة المكتبات"، مشدداً على أنّ "دور المؤسسة التعليمية ليس البيع والتجارة بل التربية والتعليم". ويشير إلى أنّ "مؤسسات تعليمية كثيرة جنت الملايين من عملية بيع الكتب للتلاميذ".
"مدرسة المواطنة"
يقول الكادر التربوي عبد العزيز الأحمر لـ"العربي الجديد"، إنّ انطلاقة العام الدراسي الجديد في المغرب تأتي تحت شعار "مدرسة المواطنة"، وذلك "في سياق تنزيل (تطبيق) مضامين الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 - 2030. ويشمل ذلك مجالات مختلفة، خصوصاً العرض المدرسي والنموذج البيداغوجي (التربوي)". يضيف الأحمر أنّ "المؤسسات التعليمية تستقبل التلميذات والتلاميذ في حلّة جديدة، بعد عمليات التأهيل المندمج. كذلك فإنّه من المتوقع أن ينعكس العدد الكبير من التوظيفات بالتعاقد في صفوف المدرّسين على تحسين ظروف التحصيل، من خلال تخفيف عدد التلاميذ في الصفوف". ويشير الأحمر إلى أنّه "من المرتقب رفع عدد تلاميذ التعليم الأولي تدريجياً، بعد الانطلاقة الرسمية للبرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي الذي أعاد بقوة أهمية هذه المرحلة بالنسبة إلى التلاميذ، إلى واجهة النقاش التربوي في المغرب".
وفي ما يتعلق بالنموذج البيداغوجي، يقول الأحمر إنّه "سوف يتمّ تنزيل المنهاج المنقّح للمرحلة الابتدائية وتعميمه، وسوف يُصار هذه المرّة - بشكل صريح - إلى اعتماد المقاربة بالكفايات وتنظيم جديد لمكوّنات المنهاج في ثلاثة أقطاب والتخفيف من كثافة المناهج وطولها". ويتابع أنّه "في خلال هذا الموسم، سوف تُعتمد بيداغوجيا الخطأ في تدريس الرياضيات ونهج التقصي في تدريس العلوم، ومن المنتظر أن تتعزز النتائج الإيجابية التي أظهرتها الطريقة المقطعية بدلاً من المقاربة الشمولية بعد ترسيخ تلك الطريقة في تدريس القراءة في السنتَين الأولى والثانية من التعليم الابتدائي".
معوّقات ومنغّصات
من جهة أخرى، يلفت الأحمر إلى أنّه "على الرغم من الاستعداد المسبق لانطلاقة العام الدراسي الجديد من قبل الوزارة والبنى الجهوية والإقليمية، فإنّها تأتي وسط بعض الصعوبات، من قبيل انخفاض معدّل التأطير والمواكبة التربوية للمدرّسين وخصوصاً الجدد منهم، بسبب العدد غير الكافي من كوادر هيئة التفتيش". ومن المعوّقات الأخرى، يذكر "التأخير في إنجاز بعض المباني المدرسية المعتمدة، والصعوبات المرتبطة بتوفير النقل المدرسي في القرى، والتأخّر في التزوّد ببعض المقررات والكتب المدرسية والدلائل، بالإضافة إلى عدم احترام تواريخ التسجيل وإعادة تسجيل التلاميذ، علاوة على النقص الكبير في الموارد البشرية الذي يحدث عقب نجاح أعضاء هيئة التدريس بمؤسسات القطاع الخاص في مباريات التعاقد".
وثمّة سلبيّة أخرى تتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد عبّرت عنها أسر تلاميذ من المدارس الخصوصية، وتتمثل في الارتفاع الصاروخي لتكاليف التسجيل في تلك المؤسسات التعليمية، وهو ما أكدته تقارير رسمية أشارت إلى ارتفاع أسعار خدمات التعليم الخصوصي في كبريات المدن، أكثر من 60 في المائة.