عادة ما يعاني التلميذ وضّاح خالد (15 عاماً) من مشاكل صحية بين الحين والآخر، بسبب جلوسه على الأرض في الصف لساعات طويلة في إحدى المدارس الريفية في منطقة صبر (محافظة تعز وسط اليمن)، خصوصاً أنه يعاني من مشكلة في التنفس. في هذا البلد، يواجه بعض التلاميذ مشكلة عدم توفّر كراسي للجلوس عليها أثناء الدراسة، ما يساهم في زيادة نسبة التسرّب المدرسي.
في السياق، يؤكد محمد الشرعبي، وهو أستاذ في إحدى المدارس الحكوميّة، أن "عدم توفر كراسي للتلاميذ ينعكس سلباً على قدرة التلميذ على فهم الدروس. بمعنى آخر، لا تؤمّن المدرسة بيئة مناسبة للدراسة. وهو ما قد يؤدي إلى زيادة نسبة التسرّب". يضيف أنه في المدرسة التي يعلم فيها، "توقف عدد من التلاميذ عن الحضور، بسبب غياب الأثاث بشكل رئيسي"، لافتاً إلى أن هذه المشكلة "تزداد عاماً بعد عام".
من جهته، يحمّل التلميذ عمّار الحيمي (17 عاماً) وزارة التربية والتعليم المسؤوليّة، مشيراً إلى أنها "لا تسعى إلى تأمين الاحتياجات بحسب النواقص. وهي عادة ما تؤمن الكراسي والطاولات للمدارس في القرى والمناطق التي ينتمي إليها النافذون". يضيف أن "هذه المدارس يصبح لديها فائض في مقابل شح في أخرى، بخاصة في القرى التي لا تتحدّر منها أي شخصية رفيعة المستوى". ويتابع: "من حقي أن أجلس على كرسي يقيني آلام الظهر وحتى البرد، وطاولة تساعدني على الكتابة ومتابعة الدروس".
ثلث التلاميذ بلا مقاعد
تتوزع المدارس التي تفتقر إلى المقاعد في مختلف المدن والأرياف. وبحسب آخر إحصائية أصدرتها وزارة التربية والتعليم، فإن مليونَي تلميذ من أصل ستة موزعين على 16 ألفاً و912 مدرسة حكوميّة، ليس لديهم مقاعد دراسية. كذلك فإن نحو 300 ألف تلميذ في 616 مدرسة يتعلمون تحت الأشجار أو في مواقع أخرى غير ملائمة". وقد عجزت الحكومات المتعاقبة عن المواءمة بين زيادة أعداد التلاميذ وتوفير الأثاث وغيرها من المستلزمات الأساسية لسير العملية التعليمية.
في السياق، يعزو المدير العام لإدارة المستلزمات والتجهيزات المدرسية في وزارة التربية والتعليم ناجي الغيثي، أسباب هذا العجز إلى ضعف الموازنة المخصصة للأثاث المدرسي بشكل عام. ويقول إن "الوزارة لا تملك التمويل الكافي لتوفير الكراسي المدرسية في ظل التزايد المستمر في عدد التلاميذ"، مشيراً إلى أنها "تعاقدت قبل سنتين مع المؤسسة الاقتصادية اليمنية فرع محافظة عدن لتوفير 100 ألف مقعد. لكنها لم تصنع حتى اليوم إلا نحو 13 ألف كرسي، لأن وزارة المالية لم توفر للمؤسسة مستحقاتها لمواصلة العمل".
عام التعليم
وفي حين ينفي الغيثي وجود أية خطة لمعالجة هذه المشكلة، يؤكّد أن "المشكلة مادية بشكل رئيسي، وسيصار إلى معالجتها بمجرد توفر الأموال". وتُعتبر المؤسسة الاقتصادية اليمنية التابعة لوزارة الدفاع، الجهة الوحيدة المعنية بتوفير الأثاث المدرسي في مُقابل التزامات تحددها وزارة التربية والتعليم وتقدمها وزارة المالية.
من جهته، يشدّد نائب وزير التربية والتعليم عبد الله الحامدي على أن "الكرسي جزء من تجهيزات المبنى المدرسي الذي يقضي فيه التلميذ ساعات طويلة"، مشيراً إلى أن الوزارة "تعلم أن الدراسة من دون مقاعد تؤثر سلباً على نفسيّة التلاميذ. وهو ما يجعل البيئة التعليمية غير جاذبة". ويوضح أن "موازنة الوزارة بالكاد تكفي لتأمين الرواتب، كذلك فإن عدد التلاميذ في ازدياد مستمر"، مؤكداً أن الوزارة تعمل حالياً على "توفير ما أمكن من مقاعد، من خلال التواصل مع دول ومنظمات مانحة لدعم قطاع التعليم".
ويشير الحامدي إلى "أهمية مشاركة الجهات المحلية في مواجهة العجز عن تأمين المقاعد"، داعياً التجار والمؤسسات والشركات ورجال الأعمال إلى المشاركة في حل هذه المشكلة، لأن أسبابها لا تقتصر على وزارة التربية وحدها. كذلك فإن آثارها تنعكس على المجتمع ككل، ويعدّ إصلاحها جزءاً أساسياً من عملية إصلاح التعليم، علماً أنه قضية وطنية ومجتمعية يجب أن يشارك فيها الجميع". يضيف "قرر اليمن أن يكون عام 2015 عام التعليم، ما يحتم عليه تخصيص موارد لإصلاح العملية التعليمية، في ظل استمرار العائق المالي. لكن، مثل هذا الهدف لن يتحقق إلا بمساعدة الشركاء في منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص".
تجدر الإشارة إلى أن نحو 600 إلى 700 ألف تلميذ يلتحقون بالمدارس سنوياً، بينما لا تتجاوز أعداد التلاميذ الذين ينهون المرحلة الثانوية 200 ألف سنوياً.