ينتظر ملايين التونسيين فصل الصيف بشغف كبير، للاستمتاع بعطلهم السنوية على مقربة من بحار سوسة والمنستير والمهدية وبنزرت وقليبية ونابل والحمامات وغيرها من الشواطئ الجميلة، والتي تزيدها رمالها الذهبية رونقًا قلّ وجوده في عالمنا العربي. لكن ورغم انتشار الشواطئ في مختلف مناطق البلاد، إلا أن التلوّث وعدم اعتناء السلطات بالبحار وعدم منع الشركات الكبرى والنزل من إلقاء فضلاتها في البحر، ساهم في إلحاق ضرر كبير بالواجهة البحرية لتونس والتي تمتدُّ على 1300 كلم من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
كثر الحديث، خلال السنوات الأخيرة، عن التلوّث الذي أصاب البحار، فبين الفينة والأخرى، تنشر وسائل الإعلام المحلية أخبارًا وتقارير عن نفوق أسماك وقناديل وسلاحف بحرية بسبب تلوّث المياه، ففي أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، استفاق البحارة في ميناء الصيد البحري بقصيبة المديوني في ولاية المنستير على مشهد كمية كبيرة من الأسماك النافقة مختلفة الحجم.
وعن أسباب نفوقها، قال البحار والمجهّز في الميناء، عمر الإمام، لوكالة الأنباء الرسمية "وات"، إنه عاين لدى تفقده مراكب الصيد الخاصة العديد من هذه الأسماك وقد كانت تجد صعوبة في التنفس، مرجحًا أن يعود نفوق هذه الأسماك إلى سكب إحدى محطّات التطهير في الجهة المياه الملوثة في البحر، إلى جانب السكب العشوائي للعديد من المصانع للمياه الصناعية مباشرة في البحر.
تعاني أغلب البحار في ولايات تونس الكبرى وسوسة والمنستير والمهدية وغيرها، من صبّ محطّات التطهير للمياه الملوّثة في البحر، ما يؤدّي إلى تغيّر لونه وطعمه ورائحته ونفوق الأسماك وتسمّمها، كما تتسبّب في مخاطر صحية وأمراض جلديّة للبحّارة والسبّاحين، ففي هذه المدن السياحية بلغت أكوام النفايات مياه البحر وامتزج التلوث البرّي بالبحري.
في 25 مايو/أيار الماضي، أعلنت إدارة حفظ صحّة الوسط وحماية المحيط في وزارة الصحّة أن عدد الشواطئ غير الصالحة للسباحة في تونس خلال صيف 2017 بلغ 21 شاطئًا، مشيرة إلى أنه تمّ تصنيفها "رديئة جدًا"، كما كشف الدكتور محمد الرابحي، مدير إدارة حفظ صحّة الوسط وحماية المحيط، في تصريحات إعلامية سابقة، أن عمليات المراقبة لمياه البحر أسفرت عن نتائج خطيرة، وهي أن نسبة المياه الملوّثة ارتفعت مقارنة بالسنوات الماضية من 2 بالمائة إلى 6 بالمائة.
المسؤول التونسي أكّد أن الأسباب التي تقف وراء ارتفاع نسبة تلوث مياه البحر، هي كمية الفضلات والأوساخ التي اكتسحت كامل تراب البلاد، والتي تحملها الأمطار ومياه الأودية إلى البحر الذي بات غير قادر على التخلّص منها.
الشركات والمصانع الكبرى ومحطّات التطهير ليست السبب الوحيد في تلوث مياه البحار، فالمصطافون هم الآخرون يساهمون بقسط كبير في ذلك، من خلال رمي الفضلات البلاستيكية وتركها على الشواطئ، على غرار ما حدث في جزيرة جربة التي عرفت نفوق عدد من السلاحف البحرية كبيرة الحجم، بسبب أكل الأكياس البلاستيكية، لاشتباهها بالقناديل البحرية، الغذاء المفضّل للسلاحف.
على صعيد آخر، كشفت المديرة العامة لوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي، كوثر تليش العلوي، أن مساحة الأراضي المهدّدة بالانجراف البحري في الشريط الساحلي التونسي تبلغ نحو 300 كلم، في ظاهرة مرشحة للارتفاع، وذلك بسبب ضغط الأنشطة الاقتصادية الناتج عن توسّع النشاط الصناعي والتركيز السكاني على امتداد الشريط الساحلي، وهو ما تسبّب في الضرر بالمنظومات البيئية.
وأضافت تليش، أن الوضع البيئي في الشريط الساحلي التونسي مثير للقلق، مما يتطلّب إصلاحات كبيرة للحيلولة دون تفاقم هذه الظاهرة، في حين عزا الخبير في مرصد الشريط الساحلي بالوكالة، عادل عبدلي، اختلال المنظومات البيئية بالأساس إلى تزايد آثار التغيرات المناخية، فضلًا عن تزايد أخطار ظاهرة الانجراف البحري.