سيطر تضارب واسع اليوم الأربعاء على التصريحات الإثيوبية بخصوص بدء ملء سد النهضة، بعدما أعلن وزير المياه والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي، عصر اليوم الأربعاء، بدء الملء مرجعاً ذلك إلى أن مستوى المياه المحبوسة خلف السد بلغ منسوباً كبيراً يمكّن السد من بدء التخزين. وأكد أن صور الأقمار الصناعية لبدء عملية ملء السد صحيحة ودقيقة. لكن سرعان ما عادت وكالة "أسوشييتد برس" لتنقل عنه نفيه قوله إن الحكومة بدأت في ملء سد النهضة. وعلى عكس خطابه لهيئة الإذاعة الإثيوبية، صرح الوزير لـ"أسوشييتد برس" بأن الصور كانت تعكس الأمطار الغزيرة وتدفقها.
واستنفرت مصر والسودان عقب الأنباء الواردة من إثيوبيا عن بدء ملء السد. وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد" إن القاهرة تجري اتصالات استخباراتية ودبلوماسية بالدول ذات الصلة للوقوف على مستجدات الموقف، وإنه في حال التأكد من الخطوة الإثيوبية فمن الوارد "انسحاب مصر من المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وبالتالي وقف إجراءات الإعداد للقمة الأفريقية المصغرة". كما أشارت وسائل إعلام مصرية إلى أن القاهرة تبحث اللجوء لمجلس الأمن بعد إعلان إثيوبيا بدء تعبئة سد النهضة.
استنفرت مصر والسودان عقب الأنباء الواردة من إثيوبيا عن بدء ملء السد
مع العلم أن مصر قد تلقّت تطمينات من الولايات المتحدة بأنه سيكون من السهل تمرير بيان رئاسي، لا بيان إعلامي، من مجلس الأمن الدولي تم تجهيزه بالفعل ضد الممارسات الإثيوبية، وطرح مشروع قرار إذا فشلت جولة المفاوضات الحالية، التي تعتبر بمثابة "الفرصة الأخيرة" قبل وصول الأمور إلى طريق مسدود تماماً، بينما يواجه هذا المشروع اعتراضات من مجموعة دول أعضاء في المجلس، دائمة وحالية، منها الصين وروسيا وبلجيكا وجنوب أفريقيا والنيجر.
وسبقت إعلانات بيكيلي المتضربة اليوم بشأن بدء مل السد خطوة من إثيوبيا ترمي إلى انتزاع اعتراف بحقها في الملء المبكر أحادي الجانب لسد النهضة من القمة الأفريقية المصغرة التي كان من المقرر عقدها خلال أيام لدراسة التقارير الفنية والقانونية المرفوعة من مصر وإثيوبيا والسودان، إذ أجرت أديس أبابا اتصالات بالاتحاد الأفريقي ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا وكذلك العواصم الأكثر تأثيراً على المفاوضات ومتابعة لها، مثل واشنطن وباريس وبكين، لإقناعها بضرورة الموافقة على بدء تخزين المياه فوراً في السد من دون انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات التي من المتوقع استمرارها لجولة أخرى الشهر الحالي بعد القمة المصغرة.
أكدت الخرطوم اليوم الأربعاء أنها لم تتلق إخطاراً رسمياً ببدء ملء السد
وحصلت "العربي الجديد" على تقرير فني أرسلته إثيوبيا للدول الأطراف والمراقبين يؤكد ضرورة الاستفادة من الظروف الهيدرولوجية المتميزة في منابع النيل ومجرى النيل الأزرق هذا العام، للإسراع في ملء السد، زاعماً أن الملء الأول في الظروف الحالية لن يعود بأي ضرر على مصر أو السودان، بل إنه سيكون في مصلحتهما. وذكر التقرير، وفقاً لمصفوفة فنية إثيوبية، أن تخزين 4.9 مليارات متر مكعب من المياه في السد في موسم الفيضان الحالي لن تزيد نسبته عن 11 في المائة من متوسط تدفق النيل الأزرق، ما يعني إمكانية استفادة السودان ومصر من النسبة الباقية كلها خلال الموسم الحالي.
وادعت المصفوفة أن هذه الكمية في الأساس كانت مصر والسودان تُحرمان من الاستفادة من ضعفيها على الأقل بسبب ضعف إمكانيات التخزين في السودان تحديداً، بالإضافة إلى أن معدل التغير في التدفق السنوي كان متوسطه في السنوات العشرين الأخيرة 8 مليارات متر مكعب، ما يعني احتمال فقدانها من الأساس. وأضاف التقرير أن الملء الأول للسد يهدف فقط إلى التشغيل التجريبي لمولدين اثنين من مولدات الطاقة التي تم تزويد السد بها.
وتعليقاً على محتوى التقرير، قالت مصادر فنية مصرية مطلعة على المفاوضات، لـ"العربي الجديد"، إن التقرير الإثيوبي "يلبس الحق بالباطل"، فبالفعل هناك مؤشرات أكيدة على استمرار حالة الرخاء الحالية بفيضان النيل وهطول الأمطار على بحيرة تانا بمعدلات هي الأعلى منذ عام 1997 ولمدة ثلاث سنوات على الأقل، لكن في المقابل فإن الحديث عن عدم تأثر مصر أمر غير صحيح على الإطلاق، نتيجة ضعف إيراد بحيرة ناصر في تلبية الاحتياجات الأساسية في مصر بشكل عام، فبينما تحاول القاهرة الحفاظ على مستوى الفقر المائي الحالي أو تحسينه قليلاً، ترمي كل المصفوفات والخطط الإثيوبية لتعميق الأزمة المصرية وتؤدي إلى زيادة معدلات العوز. وأوضحت المصادر أن المشكلة الأخرى التي لا يلتفت إليها الجانب الإثيوبي هي التأثير البيئي السلبي غير المحدد حتى الآن على طبيعة وخصوبة المياه وجودتها لدى وصولها إلى مصر، بعد المرور على أكثر من سد، منها أكبر سد في أفريقيا، وهو النهضة، مشيرة إلى أن الوفد المصري سبق وأشار إلى هذه النقطة محذراً من تراجع جودة المياه وعدم قدرة مصر والسودان على تحسين نوعيتها إذا توسعت إثيوبيا في إنشاء مشاريع أخرى كما تنوي لاحقاً، وكما أشارت لدى نقاشات الجانب القانوني من الاتفاقية في المفاوضات الأخيرة.
وشددت المصادر على أنه بانتهاء الملء الأول وتشغيل كل توربينات السد عند اكتمال تخزين كمية 18.4 مليار متر مكعب، فسيؤدي هذا إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر، جنوب السدّ العالي، بشكل كبير.