تنمر في المدارس الفرنسية يؤدي إلى الانتحار

15 يوليو 2019
ماكرون ملتزم بحماية الأطفال (لودوفيك مارين/ فرانس برس)
+ الخط -

التنمّر في المدارس، سواء بين التلاميذ أو من المعلمين تجاههم، بات قضية ملحّة في فرنسا، بعد انتحار طفلين مؤخراً

أدّى التنمر المدرسي إلى انتحار طفلة في فرنسا الشهر الماضي. ما أقدمت عليه إيفيل (11 عاماً) أثار جدالاً في البلاد حول التنمر المدرسي وآثاره، بعدما عثر عليها مشنوقة بمنديل، في غرفتها يوم الجمعة 21 يونيو/ حزيران الماضي في مدينة هيربلاي. نقلها والداها إلى المستشفى، وتمكن الفريق الطبي من إعادة تشغيل القلب لمدة ثلاث ساعات، لكنّها توفيت في قسم الطوارئ.

أما خلفية ذلك، فتعود إلى عدم تمكن الطفلة من تحمل الإهانة والمضايقات وحتى الضرب الذي كانت تتعرض له، في مدرسة "إيزابيل أوتيسير" التي كانت تدرس فيها منذ بداية العام، وكانت تتناول طعامها منعزلة في المقصف في معظم الأيام، لتتحول المدرسة إلى جحيم بالنسبة إليها.
صرحت والدتها ماري، لصحيفة "لوباريزيان"، أنّها كانت تتعرض لمضايقات بالمعنى الواسع، من قبل التلاميذ، وكذلك إحدى المعلمات التي وصفتها بالحمقاء. وأكد بعض التلاميذ أنّ تلك المعلمة عادة ما تصف التلاميذ بأنّهم سيئون جداً عندما لا يتمكنون من التجاوب معها. تحدثت الطفلة مع والديها حول الأمر، فقدما شكوى، ونقلا ابنتهما إلى مدرسة "جورج دوهاميل" بعد عطلة منتصف العام، لكنّ زملاءها واصلوا ملاحقتها ومهاجمتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.




أقيمت جنازة إيفيل في الثالث من يوليو/ تموز الجاري في مقبرة بير لاشيز بباريس، لكنّ إيفيل لم تكن الأولى في هذا العام الدراسي، إذ سبقها طفل يدعى ثيبو، انتحر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولم يكن قد تجاوز 12 عاماً.

في مطلع يونيو/ حزيران الماضي، كان وزير التعليم الوطني الفرنسي قد كشف عن تدابير لمكافحة التنمر، ومن بينها تقديم التدريب للمدرسين والمشرفين على التلاميذ، من أجل الحد من هذه الحالات. كذلك، أكدت السيدة الفرنسية الأولى، بريجيت ماكرون، التزامها والتزام زوجها الرئيس إيمانويل ماكرون بمكافحة التنمر في المدارس، وذلك في كلمة ألقتها، خلال اجتماع تعليمي لمجموعة السبع. وحثت المتعرضين للتنمر على عدم الصمت، بل ضرورة التحدث، وعدم الخوف من الانتقام، أو الخجل من ظهورهم كضحايا.

أحدث انتحار إيفيل صدى واسعاً في فرنسا، وكثفت وسائل الإعلام تناول قضية التنمر المدرسي من جوانب عديدة، مع تقديم إرشادات للأهل حول العلامات النفسية والسلوكية والجسدية التي قد تظهر على الطفل ضحية التنمر.

من ناحيتها طلبت صحيفة "لوباريزيان" من قرائها مشاركة تجاربهم حول التنمر، سواء تعرضوا له بشكل شخصي أو تعرض له أطفالهم، وقد استجاب العديد من القراء الذين انفتحوا حول تفاصيل المضايقات والاستفزازات التي واجهوها، وأدلوا بشهاداتهم من أجل التنبيه إلى مدى خطورة التنمر وآثاره.

عثمان دجودي يبلغ اليوم 24 عاماً، وكان ضحية تنمر زملائه في المدرسة، فقد تعرض للإيذاء النفسي والبدني، واعترف بأنّه كان يفكر في طرق مختلفة لوضع حدّ لحياته. كان زملاؤه يستخدمون عبارات مؤذية من قبيل: "يحب أن تقتل نفسك فأنت قبيح"، "أنت حوت كبير"، "اشنق نفسك"، إذ كان وزنه الزائد، ونتائجه الدراسية الجيدة، وميوله الجنسية المفترضة، كلّها مثار سخريتهم وتنمرهم. عاش عثمان محنة يومية في المدرسة داخل الفصول وفي الملعب، إذ كان التلاميذ يرمونه بعبارات مؤذية ويتبادلونها في ما بينهم طوال الوقت، حتى إنهم أنشأوا صفحة على "فيسبوك" للسخرية منه: "كنت كبش فداء بالنسبة لهم".

من ناحيتهم، لم يلاحظ المعلمون المشكلة التي يعاني منها عثمان، أو فضلوا غض الطرف عنها، بحسب تعبيره، بالرغم من أنّه أرسل إليهم بإشارات عما يحدث معه في محاولة للحصول على المساعدة، لكنّه لم يحصل عليها أبداً. وفضل عثمان الصمت على التحدث عن تجربته في ذلك الوقت خوفاً من انتقام زملائه، ولم يخبر والديه بأيّ شيء لأنّه لم يكن يريد أن يسبب لهما القلق، بل واصل التظاهر بأنّ كلّ شيء على ما يرام.

والآن، بعد عشر سنوات من تعرضه للتنمر يقول عثمان إنّه لم يكن يملك النضج الكافي في ذلك الوقت ليحسن التصرف، إذ كان خائفاً طوال الوقت من الذهاب إلى المدرسة، وفاقداً للثقة بنفسه، وترك ذلك آثاراً نفسية لمدة طويلة عانى فيها من الكوابيس بشكل مستمر، واحتاج إلى وقت طويل ليتمكن من التعافي من التنمر واستعادة ثقته بنفسه. ويدعو عثمان التلاميذ الذين يتعرضون للتنمر إلى التحدث عما يعانونه، وعدم التردد في إخبار الوالدين لأنّهم أول من يستطيع التصرف، معتبراً أنّ الحديث عن المشكلة هو أول خطوة نحو التعافي.

أما أوكين دوس سانتوس (23 عاماً) فتتذكر أنّها تعرضت للتنمر عندما كانت في سن 11 عاماً، إذ أصيبت بالسرطان وفقدت شعرها بسرعة كبيرة جداً، واضطرت لاستخدام شعر مستعار، فبدأت المضايقات اللفظية من زملائها بالسخرية من مرضها وشعرها المستعار وإخبارها بأنّها سوف تموت قريباً، ليتطور الأمر إلى إيذاء جسدي في ما بعد. تركز على أنّ المعلمين لم يفعلوا شيئاً لمساعدتها بالرغم من أنّها كانت في أمسّ الحاجة إليهم: "عندما تعرضت للإهانة في الفصل، كنت متأكدة من أنّ المعلم سمع كلّ شيء، لكنّه لم يفعل شيئاً، وأردت أن أصرخ من أجل أن يتدخل".




الآن، أصبحت أوكين أماً لطفلة في عمر السنتين، ويسكنها هاجس تعرض ابنتها للتنمر في المستقبل، وتخشى ألّا تخبرها بالمصاعب التي تواجهها، وتحضر نفسها منذ الآن لمشاركة ابنتها تجربتها وحثها على التحدث عما يمكن أن تتعرض له.