وتبدو الأحداث متسارعة، بشكل يرتّب على الحركة انعقاداً مستمراً لمجلس الشورى، الذي تتعلّق به مهمة دقيقة وحاسمة، قد تؤثّر بشكل مباشر على الخارطة السياسيّة التونسيّة عموماً، وعلى مستقبل علاقات الحركة وتحالفاتها بالنسبة للسنوات الخمس المقبلة.
ويعكس بيان المجلس الأخير، الآمال الواضحة التي كان يعلّقها على مُبادرة مصطفى بن جعفر، لتقديم مرشح مشترك عما اصطُلح تسميته بـ "العائلة الديمقراطية"، وهي مبادرة "تتقاطع مع "المرشح التوافقي"، الذي اقترحته النهضة منذ أشهر ولذلك دعمته بقوة"، وفق ما يؤكده القيادي البارز فيها، عبد اللطيف المكي، لـ "العربي الجديد". ولم تفضِ المبادرة، كما توقّع كثيرون، إلى نتيجة بسبب تشبّث كلّ طرف بمرشحه، وبسبب ضيق الوقت المتاح للتشاور، وفق ما أوضحه المتحدّث الرسمي باسم حزب التكتل وصاحب الفكرة، محمد بنور.
وتوافقت مجموعة الأحزاب على ترشيح من يصل منها، إلى الدور الثاني في سباق الرئاسيات، فضلاً عن إمكانيّة تشكيل جبهة سياسيّة، تضمّ الأحزاب ذات التوجه الديمقراطي الاجتماعي، بعد الانتخابات الرئاسيّة، لمواجهة حالة الاستقطاب الثنائي وطرح بديل ثالث على الساحة السياسيّة.
ويعيد هذا الفشل المنطقي، نتيجة تأخّر المبادرة وتضخّم الأنا السياسيّة، عند بعض المرشّحين، وجدت النهضة نفسها من جديد اليوم أمام حتميّة الإعلان عن دعم أحد المتسابقين الخمسة والعشرين، وخصوصاً أنّ النهضة، وبحسب معلومات خاصة بـ "العربي الجديد"، أسقطت "خيار إعلان الحياد"، الذي كان أحد خياراتها المطروحة منذ أيام.
وكان عدد المرشّحين للرئاسة، انخفض، أمس الأربعاء، إلى 25، بعد انسحاب الأمين العام للتحالف الديمقراطي محمد الحامدي من الانتخابات الرئاسيّة، مؤكداً أنّه وحزبَه "غير معنيين بالانتخابات الرئاسيّة بعد الآن". وقال الحامدي، في حديث إذاعي، إنّ حزبه "لن يساند أي مرشّح بسبب ما اعتبره نتائج محتشمة حقّقها حزبه في الانتخابات التشريعية". وأوضح أن التحالف الديمقراطي "يحاول الحدّ من تشتيت الأصوات خلال الانتخابات الرئاسيّة وتقليص عدد مرشحي الرئاسية".
ويستبعد المكي أن "تدعم الحركة السبسي، لأنّها تعهّدت قبل الانتخابات، عدم الاستئثار بالمناصب الثلاثة، في حالة فوزها، فكيف ستقبله على غيرها"، لافتاً إلى أنّه "من أجل ذلك لم تتقدّم لسباق الرئاسيات، في حين كان بإمكانها أن تفعل ذلك". كما يستبعد، في الوقت ذاته، دعم الحركة بعض الأسماء الأخرى، التي لم يُسمّها، موضحاً في الوقت ذاته أنّها التقت بأكثر من عشرين مرشحاً في الفترة السابقة، وستبقي على حريّتها كاملة في اختيار من يناسب المرحلة الدقيقة المقبلة، وما تطرحه من توازنات وتحديات حقيقيّة على الساحة السياسيّة التونسيّة".
ويؤكد مكي، تعليقاً على تلازم مساري الحكومة والرئاسة، في ظلّ تسريبات إعلاميّة حول إمكانيّة دعم النهضة لـ "نداء تونس"، في حال تنازله عن البرلمان أو بعض الوزارات الهامة في الحكومة، أنّ لكلّ مسار خصوصيته، وهما لا يلتقيان، موضحاً أنّ "النهضة، وعلى عكس ما يشاع مرتاحة في موقع المعارضة، ودخولها إلى حكومة تحالف، سيكون وفق شروط انتُخبت النهضة على أساسها". ويشير إلى "عدم استعدادها للتخلي عن هذه الشروط، وفي مقدّمها ملفّ العدالة الانتقاليّة وتحقيق أهداف الثورة، كالتنمية الجهويّة وغيرها من المواضيع".
ولا يعني قرار النهضة تحديد هويّة المرشّح الذي ستدعمه للرئاسيات فحسب، بل يعكس في الواقع مستقبل علاقاتها بالأطراف السياسيّة. فدعمها لمرشح بعينه سيحدّد خيارها في نسيج العلاقات القديمة والجديدة للنهضة مع "نداء تونس" و"الجمهوري" وبعض المستقلين الذين يعلنون في السرّ وأحيانا في العلن، أنّهم مدعومون من النهضة. كما سيحسم أيضاً موقفها من شريكيها السابقين، الرئيس المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر، اللذين التقاهما رئيس الحركة راشد الغنوشي، فضلاً عن رجل الأعمال سليم الرياحي قبل أيام، وقالت النهضة، في بيان حينها، إنّ "اللقاء كان بطلب منهم لعدم التأثير على قرار مجلس الشورى"، بحسب مكي.
ويتردد كثيرا في الكواليس أن جزءاً هاماً من قواعد النهضة يدعم ترشيح المرزوقي، وهو ما سيُبحث في اجتماع مجلس الشورى.
وطلب معظم المرشّحين للرئاسة، وفق مكي، دعم حركة النهضة خلال لقاءات معها خلال الأشهر الماضية، وسينطلق مجلس الشورى في اجتماعه اليوم من تقارير حول هذه اللقاءات، ومن محاولة سبر آراء القواعد الشعبيّة، على أن يجري الاستماع لكافة وجهات النظر، ويحسم التصويت الخيار النهائي.
خلاصة الأمر أنّ حركة النهضة، تجد نفسها في موقف دقيق سياسياً، في وقت يبدو فيه خيار التفرّج على المشهد من بعيد، غير مريح في ظلّ تعقيدات الساحة السياسيّة التونسيّة الجديدة، وربّما تشهد الساعات القليلة المقبلة، مواقف وتحالفات سياسيّة جديدة.