يتابع المجتمع المدني في تونس عن كثب أعمال لجنة تنظيم الإدارة والقوات الحاملة للسلاح، التي تنظر في مشروع قانون الجماعات المحلية، واتحدت آراء الجمعيات التي دعيت لإبداء الرأي في المشروع، إذ اعتبرته منقوصا، وغير مؤهل للتأسيس لإدارة الجماعات المحلية للشأن المحلي، وأن المشروع ضرب في العمق، ما قدمه الدستور التونسي في بابه السابع المتعلق بالحكم المحلي واللامركزية.
ويعد مشروع قانون الجماعات المحلية من أكثر القوانين الشائكة والدقيقة، نظرا لارتباطه الوثيق بمنظومة حوكمة البلاد، وتأسيسه لعصر جديد من نقل السلطة من المركز لهيئات منتخبة في جهات البلاد.
ووضعت لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح، منهجية عمل تعتمد على مقاربة تشاركية في النقاش، تقوم على الاستماع إلى المجتمع المدني وإتاحة الفرصة له لتقديم رأيه، واقتراح تعديلات في النص بما يعزز مبدأ اللامركزية.
وشاركت 13 جمعية في الاستماعات حول المشروع، تقاطعت آراؤها في التأكيد على وجود نقائص عدة في المشروع وجب تلافيها.
وأجمعت الجمعيات على أن النص الأولي للمشروع، كان أكثر تناسقاً ووضوحاً من النسخة التي أحيلت للجنة، لا سيما أن الأولى وضعت بمساهمة المجتمع المدني، قبل أن تقرر وزارة المالية إدخال تعديلات عليها، وإقصاء الجمعيات من إبداء الرأي في النسخة النهائية التي أحيلت للبرلمان.
وأبعد من ذلك، انتقدت الجمعيات جوهر المشروع، واصفة إياه بالمرآة العاكسة لارتباك الحكومة، فيما يتعلق بتوجهها نحو اللامركزية والحكم المحلي الذي انساقت إليه قسرا، نظرا لمقتضيات الدستور التونسي من جهة، ولالتزاماتها بإدخال إصلاحات تشريعية في مجال اللامركزية إزاء المنظمات المانحة من جهة أخرى.
وانتقدت الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات، المختصة في الرقابة على الانتخابات، المشروع أصلا وشكلا، وقال الرئيس السابق للجمعية وممثلها في جلسة الاستماع معز بوراوي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "فصول المجلة جاءت متضاربة ومفتقدة للدقة، إذ كشفت عن تداخل في الصلاحيّات بين السلطة المحلية والسلطة المركزية".
وأضاف بوراوي أن المؤاخذات على المشروع تعد كثيرة من حيث الصياغة وتغييب المجتمع المدني عند إعداده، فضلا عن إبقاء السلطة في يد ممثل المركز أو الحكومة وهو المحافظ، والذي لا يمكن إصدار أي قرار في المحليات دون العودة إليه، ما يبين أن البلاد لم تقطع الشوط اللازم نحو فك الارتباط عن المركز، والاستقلالية المالية والإدارية للجهات المنتخبة.
وفي ذات السياق، اعتبرت ممثلة جمعية تونس الاجتماعية، حبيبة اللواتي في تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، أن النص لا يزال في حاجة إلى تدقيق وتبسيط أحكامه، والابتعاد نهائيا عن النصوص الأدبية التي لا تكتسي طابع الأحكام القانونية.
وشددت على أن المشروع يجب أن يتضمن لزاما روزنامة واضحة، فيما يتعلق بالموارد البشرية المستوجبة لعمل البلديات، وإعداد الترسانة القانونية اللازمة لتسهيل عملها وتوضيح مجال تدخلها.
كما أشارت إلى أنّه يجب أن تأخذ الحكومة بعين الاعتبار، وجوب تعديل مقتضيات القانون الأساسي للميزانية، حتى يتلاءم مع أحكام مشروع القانون الأساسي لمجلة الجمعيات المحلية.
من جانبها، عبرت اللجنة عن استعدادها للأخذ بعين الاعتبار آراء المجتمع المدني من أجل التعديل في نص المشروع، وأوضح رئيس اللجنة محمد الناصر جبيرة في حديث لـ"العربي الجديد" أن منهجية العمل قامت على أساس طلب رأي ومقترحات الجمعيات الأهلية، ومشاركتها في النقاش، وستتولى تجميع الملاحظات وفرزها وأخذها بعين الاعتبار، عند مناقشة النواب للمشروع.
إلى ذلك، ثمّن جبيرة، حماسة الجمعيات وإصرارها على الحضور وتقديمها مقترحات، لا سيما أن المشروع في غاية من الأهمية، ويلامس أوجه الحياة اليومية للمواطن التونسي في علاقته بالدولة ومنظومة الحكم المحلي.