للمرة السابعة يفشل البرلمان التونسي اليوم الأربعاء، في إتمام انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، بسبب الحسابات السياسية والمحاصصة الحزبية، في وقت تشارف ولايته الخماسية على الانتهاء بعد أقل من ثلاثة أسابيع.
ولم يحصل أي من المترشحين الستة لعضوية المحكمة الدستورية على ثقة البرلمانيين، الذين يتطلب تصويت ثلثي أعضاء المجلس، 145 صوتاً على الأقل، لتنتهي الجلسة الانتخابية بالفشل دون أي بوادر إيجابية لتجاوز هذه العقبة.
وتتجاوز عثرة انتخاب المحكمة الدستورية الخلاف القانوني والجدل الدستوري إلى حسابات سياسية، حيث تبحث الأحزاب عن موطئ قدم في مجلسها يكفل لها تحديد المسارات السياسية المقبلة ومستقبل المشهد المقبل بالنظر إلى صلاحياتها وأدوارها، التي تجعلها فوق هرم المؤسسات الدستورية ومراقبة مدى احترام السلطات الأخرى لبنود الدستور.
وكشفت نتائج الانتخابات اليوم والتشتت الواضح للأصوات عن توجه النواب نحو عدم إرساء هذه المحكمة الدستورية، فبالرغم من حضور 172 عضواً وهو أمر يندر حصوله إلا في مناسبات تشريعية معدودة، فإن أعلى نسبة تصويت تحصل عليها المحامي محمد عادل كعنيش كانت 127 صوتا، فيما حصل المحامي العياشي الهمامي على 82 صوتا، وحصل عبد الرحمان كريم على 61 صوتاـ وماهر كريشان على 21 صوتا، في وقت حصل المترشحون من غير رجال القانون على 59 صوتا لعبد اللطيف البوعزيزي ومحمد فاضل الطرودي على 79 صوتا.
وقال هيكل بلقاسم رئيس كتلة الجبهة الشعبية في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "هناك أطرافا لا تريد للمحكمة الدستورية أن ترى النور رغم ما عاشته البلاد من أحداث وضغوطات وأزمة دستورية خانقة إثر توعك رئيس الجمهورية، زاد من حدتها غياب المحكمة الدستورية ودخول الأطياف السياسية في متهات التأويلات".
وأضاف بلقاسم أن "هناك كتلاً تريد أن تفرض لوناً وحيداً داخل المحكمة وتبحث عن دفع أكثر من مرشحين على حساب بقية الكتل"، مشيراً إلى أن المعارضة رشحت الهمامي وقبلت به النهضة في إطار توافق عام يكفل التوازن بين كل الكتل، غير أن كتلة الحرة رفعت الفيتو وكتلاً أخرى انساقت وأخرى دخلت في خيار التوافق المغشوش.
وأوضح المصدر أن الدستور يقضي بترشيح الكتل للشخصيات في اختصاصات قانونية وغير قانونية، "غير أن من بين الكتل من يرى القرب الفكري أو السياسي معياراً على حساب الكفاءة والنزاهة والحياد"، لافتاً إلى أن التوافق "لا يبنى إلا بالتنازل وإسقاط الفيتوات والقبول بالآخر حتى لو كان مختلفاً أو معارضاً".
ومضى بلقاسم للقول إنه "لا توجد إرادة سياسية لانتخاب المحكمة الدستورية في هذه الفترة وسط دفع عدد من الكتل إلى إسقاط التوافق وإضاعة الوقت إلى حين انتهاء الدورة"، مشيراً إلى أن هناك أطرافاً سياسية "مستفيدة من غياب المحكمة الدستورية ومن تعطل تأسيسها".
وتترجم النتائج الانتخابية السياقات السياسية التي حكمت الجلسة الانتخابية، فبعد أكثر من 22 جلسة توافق دعا إليها رئيس البرلمان محمد الناصر إثر فشل 7 دورات انتخابية ما زال البرلمان يتلمس طريقه للخروج من أزمة الثقة التي تحكم كتله ونوابه.
ورغم إعلان رؤساء الكتل عن توافق مزعوم حول ثلاثة أسماء وهم كل من العياشي الهمامي وعادل كعنيش وعبد اللطيف البوعزيزي، إلا أن التوافق كان مغشوشاً ليختار رؤساء الكتل تحرير التصويت وترك مصير المحكمة الدستورية لضمائر النواب ووجدانهم.
ويعد الخلاف بين رؤساء الكتل خلافاً سياسياً بالأساس حول المحاصصة الحزبية، ففي وقت مرر نداء تونس مرشحته السنة الماضية، القاضية روضة الورسيغني، طالب نداء تونس بتمرير كعنيش، الذي تعتبره باقي الكتل مرشح النظام القديم من دستوريين وتجمعيين نظراً لتاريخه السياسي وانتماءاته السابقة، فيما طالب حزب النهضة بتمرير مرشحه عبد اللطيف البوعزيزي عميد كلية الشريعة الإسلامية.
كما طالبت المعارضة المتكونة من الجبهة الشعبية وكتلة الديمقراطية وتيار الديمقراطي وحزب الحراك بانتخاب الحقوقي عياشي الهمامي، الذي يعتبرونه محسوباً على تيار الثورة وممثلاً لقوى اليسار الاجتماعي.
وانقلبت الكتل ذات المرجعية الدستورية والتجمعية على التوافق، وعبر مشروع تونس عن رفضه الهمامي وسانده نداء تونس بشكل غير معلن لاعتبارات سياسية، مما دفع رئيس كتلة النهضة إلى التشبث بكامل التوافق أو إسقاطه تماماً حتى يضمن توازناً صلب المنتخبين وحتى يمثلوا جميع التيارات، الإسلاميين والتجمعيين واليساريين والثوريين.
جلسة جديدة غداً تبحث مآلات الفشل الانتخابي
من جانبه، دعا محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب مكتب المجلس للانعقاد صباح غد للنظر في مصير الجلسة العامة ومآلات الفشل الانتخابي للمحكمة الدستورية.
وقال عبد الفتاح مورو النائب الأول لرئيس البرلمان في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المكتب سيحدد موعد الجلسة المقبلة، ولا تزال هناك دورتان انتخابيتان قبل نهاية العهدة النيابية، مبيناً أن في عهدة المجلس 4 أعضاء، ورئيس الجمهورية يعين أربعة والمجلس الأعلى للقضاء بدوره عليه أن يختار أربعة لتكتمل تركيبة المحكمة الدستورية.
وقال مورو إن رؤساء الأحزاب يتحملون مسؤولية ما يحدث من فشل في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية "بسبب تأثيرهم على كتلهم وبسبب عدم حرصهم على انتخابها في هذه اللحظات الفارقة والوضع الدقيق"، داعياً رؤساء الأحزاب إلى تحمل مسؤوليتهم التاريخية.
وتطالب منظمات المجتمع المدني بتحرير المحكمة الدستورية من براثن البرلمانيين الذين عطلوا إرساءها بعد مرور خمس سنوات على المصادقة على الدستور، في وقت لم يبق سوى 20 يوماً على نهاية ولاية مجلس الشعب الأخيرة وانطلاق البرلمانيين في حملاتهم الانتخابية التشريعية.
وأطلقت المنظمات حملة مناصرة للضغط على البرلمان للإسراع بإتمام التزامه الدستوري وانتخاب الاعضاء الثلاثة المتبقين، مذكرين بتهديد الأزمة الدستورية التي عاشتها البلاد يوم الخميس 27 حزيران الماضي، وعجز قيادة البلاد عن تأويل مآلات السلطة وكيفية معاينة الشغور الوقتي أو الدائم في منصب رئيس الدولة، الذي تعرض إلى وعكة صحية حادة.