تخطط تونس لدخول مرحلة جديدة في أمن الطاقة ستمكنها من تقليص وارداتها من الغاز الطبيعي الجزائري بنسبة 30 بالمائة بداية من العام المقبل 2020، بعد ضخ استثمارات فاقت 1.1 مليار دولار في مشروع حقل نوارة (جنوب)، الذي يدخل حيز الاستغلال نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بعد سنوات من تباطؤ الاستثمار في هذا القطاع.
وتهدف تونس التي أعادت هذا العام فتح باب الاستثمار في الطاقة إلى الحد من أزمتها المالية في إطار خطة إصلاح أوصى بها صندوق النقد الدولي لتخفيف أعباء الموازنة وتقليص دعم الطاقة الذي يفوق ملياري دولار سنوياً.
ويساعد مشروع حقل نوارة الذي أنجز في إطار شراكة مع مؤسسة "أو أم في" النمساوية، على زيادة الإنتاج التونسي من الغاز الطبيعي بنسبة 50 بالمائة وتوسيع مساحات التغطية بشبكات الغاز المسال الموجه للاستعمال الصناعي والأسري في محافظات الجنوب وجزء من محافظات الوسط.
وعرفت تونس في السنوات الأخيرة عجزاً كبيراً في الطاقة، بسبب تزايد استهلاك المواطنين رغم الارتفاع المتتالي للأسعار، ما تسبب في توجيه جزء كبير من مخصصات الموازنات العامة نحو دعم الوقود على حساب مخصصات التنمية، فضلا عما خلفته الزيادة في أسعار المحروقات من إرهاق لجيوب المواطنين والقطاعات الاقتصادية.
ويمثل عجز الطاقة ثلث الحجم الإجمالي لعجز الميزان التجاري لتونس، الذي تجاوز 19 مليار دينار خلال 2018 (6.5 مليارات دولار)، حسب البيانات الرسمية.
ويعود هذا العجز إلى تطوّر الاستهلاك الوطني للطاقة، وخاصة مع تطور مستوى عيش التونسيين وتكثيف استعمال المكيفات والسخانات، علاوة على تقلّص الإنتاج المحلي للنفط بنسبة 40 بالمائة، مقارنة بسنة 2010، نتيجة تراجع الأنشطة الاستكشافية.
وقال مدير عام المحروقات بوزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، حازم اليحياوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن حقل نوارة سيمكن من إنتاج يومي يقدر بـ2.7 مليون متر مكعب من الغاز و7 آلاف برميل من المكثفات، ما يمكّن من رفع في الإنتاج المحلي للغاز بنسبة 50 في المائة بكلفة إجمالية قاربت 1.1 مليون دولار.
وأفاد اليحياوي بأن تونس اختارت الاتجاه نحو تحقيق أمنها الطاقي وتقليص عجزه من خلال دفع إنتاج الطاقات الجديدة والمتجددة والصناعات الاستخراجية، مشيرا إلى أن حقل نوارة سيمكن من تحسين نسبة تغطية البلاد بغاز البترول المسيل وتكوين مخزون احتياطي من هذه المادة، كما سيمكن من التقليص بنسبة 20 بالمائة من عجز الميزان الطاقي وحوالي 7 بالمائة من العجز التجاري.
وتفيد بيانات رسمية لوزارة الصناعة بأن عدد رخص الاستكشاف، الذي تراجع إلى 21 رخصة بعد أن كان في حدود 52 رخصة سنة 2010، بدأ يأخذ منحى تصاعديا ببلوغه 27 رخصة بعدما صادق مجلس النواب على 6 رخص جديدة، من بينها 3 رخص استكشاف في البحر، وسط توقعات بأن يتطور العدد إلى قرابة 30 رخصة قبل نوفمبر/ تشرين الثاني هذه السنة.
ويعد مشروع حقل نوارة، حسب خبراء الطاقة، واحدا من أكبر مشاريع الطاقة التي نفذتها تونس في السنوات العشر الأخيرة، متوقعين أن تساهم هذه الاستثمارات في جلب مزيد من الشركات الأجنبية إلى تونس بعد موجة هجرة للشركات النفطية في السنوات الماضية وتوقف أغلب مشاريع الحفر والتنقيب بسبب الإضرابات وصعوبة الحصول على التراخيص من البرلمان.
ويؤكد الخبير في استراتيجيات الاستثمار، صادق جبنون، أن تراخيص الاستكشاف والتنقيب، التي أفرج عنها البرلمان أخيرا، ستثمر نتائجها في السنوات القليلة القادمة، متوقعا أن يكتسب قطاع الطاقة في تونس صلابة في الأعوام القادمة بما يسمح برفع نسبة التغطية من الإنتاج المحلي وتقليص فاتورة الواردات.
وقال جبنون لـ"العربي الجديد"، إن الاقتصاد المحلي دفع ثمنا باهظا بسبب زيادة فاتورة الطاقة في السنوات الماضية وتباطؤ الاستثمارات في واحد من أهم القطاعات الجالبة للاستثمارات الكبرى، معتبراً أن البرلمان تأخر بعض الشيء في الإفراج عن التراخيص الجديدة، ما حال دون حصول تونس على استثمارات مهمة في السنوات الماضية.
وأضاف أن الطاقة تؤثر بشكل مباشر وكبير على الاقتصاد التونسي، لتلقي بظلالها على كل القطاعات بسبب الزيادات المتواصلة في أسعار المحروقات والمنتجات الاستهلاكية، ما يستدعي القيام بمجهودات خاصة لتنمية استثمارات القطاع، بحسب قوله.
وقبل نهاية عهدته البرلمانية، صادق مجلس نواب الشعب خلال جلسة عامة على رخص استكشاف جديدة تتعلق بالاتفاقيات الخاصّة وملحقاتها المتعلقة برخصة استكشاف المحروقات بكل من حقول "الواحة" و"حزوة" و"صواف" و"ماتلين" و"تسكراي".
ووفق بيانات رسمية لوزارة الصناعة، ارتفعت قيمة الاستثمارات الإجمالية لمشاريع الاستكشاف الحالية المعلن عنها إلى نحو 131.5 مليون دولار، فيما شمل التوزيع الجغرافي للحقول الجديدة محافظات الشمال الشرقي والوسط والجنوب، وذلك لأول مرة في تونس.
واستغرقت لجنة الطاقة بالبرلمان أكثر من عامين لمنح الحكومة الضوء الأخضر لمنح رخص جديدة، وذلك في إطار عمليات التدقيق التي دعا إليها البرلمان في إطار المهام التي يوكلها له الدستور بالمحافظة على الثروات الطبيعية للبلاد.