تونس: جهود لتطويق التجاوزات الانتخابية

12 أكتوبر 2014
لا خروقات جسيمة للعملية الانتخابية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يُراهن المجتمع الدولي بقوة على نجاح الانتخابات التشريعية التونسية التي تجري بعد أسبوعين من الآن. رهان ترجمته الرسالة القوية من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال زيارته إلى تونس، إذ جدد إشادته بمسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وأكد ثقته في نجاح التونسيين بتنظيم انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة تكون نموذجاً في المنطقة.

ودعا بان عقب لقائه بالرئيس التونسي منصف المرزوقي، الجمعة، كل التونسيين الى الإقبال على التصويت في الانتخابات المقبلة والقيام بواجبهم الانتخابي. وجدّد إشادته بمسار الانتقال الديمقراطي في تونس مؤكداً ثقته بنجاح التونسيين في تنظيم انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة تكون نموذجا في المنطقة.
ووجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة قوية إلى العالم مفادها أن تونس بلد آمن و مستقر عندما تجول لساعات في وسط العاصمة تونس ومدينتها العتيقة من دون حراسة ظاهرة، ما خلّف انطباعاً جيداً لدى التونسيين وخصوصاً في ظل التخوفات التي أُعلن عنها منذ فترة من إمكانية حدوث أعمال تضر بالانتخابات وتسعى إلى إفشالها.

ولم يكتف بان بلقاء الرؤساء الثلاثة وإنما سعى للقاء الهيئات الدستورية التعديلية مثل هيئة الانتخابات وهيئة الإعلام المستقلتين وعدد من منظمات المجتمع المدني في تونس لاقتناعه بأهمية المجتمع المدني وتأثيره في الحياة السياسية التونسية وإيمانا بدورها الكبير في انجاح الانتخابات القادمة التي تريد منظمة الأمم المتحدة أن تساهم في إنجاحها مثلما ذكر.
والتقى بان أمس السبت بعدد من منظمات المجتمع المدني في لقاء لم يتسرب عنه الكثير، وحضره خصوصاً ممثلون عن هيئتي الانتخابات والإعلام.

رئيس الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري، النوري اللجمي، أوضح لـ"العربي الجديد" أن بان أكد أنه يتابع بشكل دائم سير التجربة التونسية وهو متفائل بنجاحها ونجاح المسار الديمقراطي عموماً، مؤكداً على دور الهيئات الدستورية وهيئات المجتمع المدني وجمعيات مكافحة الفساد في دعم المسار الديمقراطي في تونس وفي الوصول به إلى شاطئ الأمان، معتبراً أن لا نجاح لتجربة ديمقراطية من دون وجود هذه الهيئات التعديلية والرقابية.

وأشار اللجمي إلى أن اللقاء كان ودياً مع بان وينمّ عن معرفة واطلاع دقيقين من قبل الأمين العام على تجربة تونس في الانتقال الديمقراطي، وأكد أن جميع المشاركين عبروا عن إعجابهم بسير اللقاء.
----

ويتقاسم التونسيون مع بان الرغبة في جعل هذه الانتخابات فعلاً نموذجية على مستوى مضامينها أو سيرها على كل المستويات الإجرائية والأخلاقية والتنظيمية.

ويلتقي الرباعي الراعي للحوار الوطني غداً الاثنين مع الأحزاب السياسية للنظر في كل المسائل المتعلقة بالعملية الانتخابية وتأمين المسار الانتخابي، لضمان انتخابات نزيهة وشفافة وضامنة لنفس الحظوظ بين كافة المرشحين.

ويبدو أن الرباعي يُصرّ على دعوة الأحزاب السياسية لوضع حد للتجاوزات الانتخابية التي تم رصدها في الأيام الأولى من الحملة، إذ جرى رصد حوالي 700 مخالفة انتخابية في إقليم تونس الكبرى بدوائرها الانتخابية الخمس، وحوالي 100 مخالفة في القيروان، ومائتي مخالفة في جندوبة، إضافة الى العديد من المخالفات في دوائر أخرى وإن كانت بنسب أقل، وتمثّلت أغلبها في تمزيق اللافتات والبيانات الانتخابية للأحزاب ووضع عدد منها في غير الأماكن المخصصة لها.

ولأن الحملة الانتخابية تُعتبر نظيفة حتى الآن وخالية من خروقات جسيمة ومن عنف أو تبادل لتصريحات لاأخلاقية، وعلى الرغم من أن الأخطاء المذكورة تُعتبر بسيطة برغم كثافتها في بعض المناطق، فقد سارعت منظمات المجتمع المدني وهيئاته إلى إطلاق حملات مكثفة لوضع حد لها وللوصول إلى يوم الاستحقاق الأكبر في 26 الحالي، وتحقيق حلم التونسيين بإنجاز انتخابات نوعية تكون فعلاً نموذجاً للمنطقة.

ورغم تبادل أخبار التجاوزات في كل المحطات والمواقع وارتفاع صوتها، فقد تابع التونسيون في الأيام الأخيرة باهتمام كبير حملة إعلانية جمعت قرابة عشرين شخصية حزبية قيادية تدعو إلى انجاح الانتخابات وجعلها أكثر أخلاقية، ووضع الاختلافات جانباً بغية الوصول إلى الهدف في مسار يوحّد التونسيين ولا يفرّقهم، ما عكس نظرياً على الأقل رغبة هذه الأحزاب الهامة ورموزها في إنجاح الاستحقاق التاريخي المنتظر.

الحملة تحمل عنوان "عينك ميثاقك" أطلقها مركز الحوار الإنساني، ومقره جنيف، من أجل احترام ميثاق شرف الأحزاب والتكتّلات والمرشحين المستقلين، والذي كانت الأحزاب التونسية نفسها وقّعت عليه في 22 يوليو/تموز الماضي بإشراف رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس الوطني التّأسيسي وبحضور رئيسَيْ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا للاتّصال السّمعي البصري.

ونصّ الميثاق على مجموعة هامة من القواعد الأخلاقيّة والسلوكيّة والقيم والثوابت الوطنية الّتي اعتُبرت خطوة محدِّدة وأصيلة في سبيل ترشيد الحياة السياسية التونسية. وقد صادقت رسمياً على الميثاق والتزمت باحترام القواعد والمبادئ التي يتضمّنها، مجموعة هامّة من القوى المنحدرة من كافة الروافد السياسيّة والثقافية والإيديولوجيّة (أكثر من عشرين حزباً وحركة).

ويحتوي الميثاق أيضاً على آليّات وتدابير عمليّة تسعى لترسيخ الالتزامات المذكورة في الواقع وتنفيذها، وهي سارية المفعول من وقت توقيعها وأثناء كل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة إلى أن يتم الاتفاق على تطويرها أو الاستغناء عنها، وفق ما ينص عليه الميثاق.

وتأتي الحملة في إطار سعي واضح لمتابعة مدى التزام الأحزاب ببنود الميثاق التي وقّعت عليه، وفي خطوة هامة لترشيد الممارسة الانتخابية والارتقاء بها وتجنّب ما يمكن أن ينحرف بها إلى ما لا يريده التونسيون.

وفي محاولة لتلافي أخطاء الانتخابات الماضية التي جرت عام 2011 من اكتظاظ عشوائي يوم الاقتراع، أطلقت الهيئة المستقلة للانتخابات خدمة عبر الهاتف الجوال تُمكّن الناخب منذ الآن من التعرف على مكتب الاقتراع وموقعه على قائمة الناخبين، بالإضافة إلى المعطيات الأخرى حول التسجيل والتزكية، وهو ما يتيح للناخب معرفة مكان اقتراعه وتوقيته بالتحديد، ما يسمح بتجنب الاكتظاظ من ناحية وتفادي الانتظار لساعات طويلة كما حصل في العام 2011. وتسمح الخدمة الجديدة بتلافي الاضطرابات التي يمكن أن تحصل يوم الاقتراع.

كما أطلقت الهيئة خدمة خاصة بالمكفوفين في كل الدوائر الانتخابية باعتماد كتابة "برايل"، لتمكين المكفوفين من ممارسة حقهم الانتخابي بسهولة، وهي خدمات من شأنها أن ترتقي بنوعية الانتخابات إلى مستوى الممارسة في أكبر الدول الأوروبية، ولكنها تسعى ايضاً إلى احترام الدستور وقانون الانتخاب الذي يدعو الهيئة لتمكين كل التونسيين بمن فيهم قاصري الحركة والمكفوفين والأميين وغيرهم من ممارسة حقهم الانتخابي بكل سهولة مثل بقية التونسيين.