بات الاقتصاد التونسي في مرمى عواصف الداخل والخارج، بعد تصعيد القوى المضادة للثورة لتعقيد الوضع السياسي في البلاد وجرّها نحو الانفجار الاجتماعي. واتهمت أطرف تونسية الإمارات بالعمل على زعزعة الدينار في إطار الثورة المضادة الشرسة التي تشنها ضد الحكومة والتجربة الديمقراطية في تونس، مستغلة الأزمة المالية الحادة التي تمر بها البلاد.
وتتعمق مشكلات الاقتصاد التونسي في ظل وضع سياسي مشحون، وتعطيل المؤسسة التشريعية بدفع من قوى خارجية تريد إشاعة الفوضى وإفشال المسار الديمقراطي وإرباكه، لخدمة مصالحها الإقليمية وبسط نفوذها في المنطقة، حسب مراقبين.
وتتهم أحزاب وازنة في البرلمان الإمارات ببذل جهود مكثفة لتوجيه السياسات الداخلية والخارجية لبعض الدول، وبينها تونس، بهدف بناء "نظام إقليمي جديد" ينسجم مع تصوراتها.
وشهدت تونس تطورات سريعة ومتلاحقة، خلال الفترة الأخيرة، أبرزها تقديم رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ استقالته بعد اتهامه بمخالفات مالية، وعلى إثر ذلك كلف الرئيس التونسي، قيس سعيد، مساء السبت، وزير الداخلية هشام المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة.
ويخشى مهتمون بالشأن السياسي والاقتصادي أن تطاول شظايا الخطة الإماراتية الاقتصاد التونسي المنهك، وأن يصل مداها إلى سوق الصرف الأجنبي.
ودخل برلمان تونس في دوامة المشاحنات السياسية، أدى إلى تعطل أعماله بعد منع الحزب الحر الدستوري كل الجلسات العامة ومناقشة مشاريع قوانين اقتصادية مهمة.
ونبّه عضو البرلمان نور الدين البحيري، مما يقوم به ما وصفهم بـ"عصابات الخلفان" في تونس، معتبرا أن ما يرتكبه الحزب الدستوري الحر من احتلال بالقوة لفضاءات مجلس نواب الشعب ومحاولة تعطيل أعماله ليس مجرد احتجاج، بل تنفيذ لمخطط معاد للبلاد وثورتها وخضوعا لإملاءات أجنبية وعمل إجرامي متعمد.
وقال البحيري في تدوينة على صفحته الرسمية إن الإمارات تساعد أذرعها في تونس من أجل تعطيل عمل البرلمان والتأثير على مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسة التشريعية.
ويعتبر الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق، سليم بسباس، أن الإمارات تلعب على ورقة الاقتصاد والدينار من أجل تفجير الوضع الاجتماعي في تونس، وإحراج منظومة ما بعد الثورة عبر السعي لإثبات فشلها في الاستجابة لأهداف التونسيين الذين يتوقون لوضع اقتصادي واجتماعي أفضل.
وأضاف بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الاقتصاد أداة مهمة تستغلها الأحلاف الإقليمية التي تسعى إلى إفشال التجربة الديمقراطية التونسية، مشيرا إلى أن إرباك الحياة السياسية وتعطيل عمل مؤسسات التشريع يؤثران مباشرة على المالية العمومية التي تنتظر تعبئة موارد مالية من الخارج، فضلا عن تأثير ذلك على مناخ الاستثمار.
وحول التدخل الإماراتي باللعب في سوق الصرف الأجنبي في تونس قال بسباس إن الدينار التونسي لا يزال محميا من تداعيات "العاصفة" السياسية التي تمر على البلاد بدفع من قوى خارجية، مرجحا ألا يطول صمود الدينار واستقرار سعر الصرف في حال تواصل الوضع على ما هو عليه لمدة أطول. وتستقر العملة المحلية حاليا عند نحو 2.8 دينار مقابل الدولار.
وفسر وزير المالية السابق صمود الدينار رغم محاولات زعزعة سوق الصرف بالسياسة المالية التي ينتهجها البنك المركزي التونسي بالحد من الواردات والحفاظ على رصيد العملة، فضلا عن تحسن التدفقات المالية المتأتية من التصدير والسياحة قبل جائحة كورونا.
وأفاد بسباس في ذات السياق أن المناخ السياسي المتوتر لم يعد يخدم مصلحة الاقتصاد التونسي وسوق الصرف، مرجحا أن يعود الدينار إلى النزول مجددا بسبب تضارب مصالح الدول الرافضة للتجربة الديمقراطية التونسية، ومنها الإمارات، مع ما تعيشه تونس من تحوّل سياسي بعد الثورة.
وخرج الاقتصاد التونسي من أزمة كورونا بخسائر كبيرة في نسب النمو التي تراجعت بأكثر من 7 نقاط، فضلا عن فقدان أكثر من 270 ألف وظيفة وملامسة عدد العاطلين عن العمل المليون عاطل، فضلا عن تصاعد نسب الفقر والاحتجاجات الاجتماعية.
وتراهن تونس على ترميم خسائرها ما بعد كورونا على تنشيط الاستثمار وإحياء مشاريع كبرى تساعد على زيادة النمو واحتواء البطالة المتفاقمة، غير أن التوتر السياسي بات طاردا للمستثمرين. وتحجم الإمارات منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 عن ضخ استثمارات في تونس بسبب رفضها للنظام السياسي الجديد في البلاد، كما عطلت كل اتفاقيات الاستثمار التي تم توقيعها مع نظام بن علي.
وفي مايو/ أيار الماضي طالب برلمانيون بإلغاء العمل باتفاقية استثمارية بين الدولة التونسية وشركة "سما دبي" المبرمة بتاريخ 26 نيسان/إبريل لعام 2007، والتي باعت بمقتضاها تونس مساحة 837 هكتارا من ضفاف بحيرة تونس الجنوبية للشركة مقابل دينار رمزي واحد لقاء تكفل الطرف الإماراتي بإنشاء مدينة عصرية كاملة تفتح العاصمة على البحر، وتشغل ما لا يقل عن 300 ألف موطن شغل باستثمار قدره 14 مليار دولار آنذاك.
واعتبرت كتلة ائتلاف الكرامة التي طالبت بإلغاء الاتفاق مع مجموعة "سما دبي"، أنه رغم مرور أكثر من 13 عاما على الاتفاق، لم يتم إنجاز شيء وبقيت أرض المشروع جرداء قاحلة، ولم تتمكن الدولة من استثمارها ولا من البحث عن مستثمرين جدد لإحيائها، فضلا عما أظهره القضاء المالي بملف الصفقة المذكورة من تلقي عائلة بن علي لعمولات ورشاوى وبمئات المليارات مقابل إهدائهم قطعة من تراب وبحر تونس للمستثمر الإماراتي.