منتصف الأسبوع المنقضي، استلمت تونس، في شخص وزير ثقافتها محمد زين العابدين، علم احتفالية "عاصمة الثقافة الإسلامية 2019"، وهو حدث يأتي بعد قرابة سنتين من احتضان مدينة صفاقس التونسية فعاليات "عاصمة الثقافة العربية"، وكانت دورة تميّزت بتذبذب برنامجها حيث تأجّلت الكثير من الفعاليات المقترحة، ولم تترك التظاهرة انطباعاً طيباً خصوصاً مع انتقادات حول ضعف البنية التحتية للثقافة في المدن غير العواصم.
هذه العوامل التي أعاقت نجاح "صفاقس عاصمة الثقافة العربية"، قد لا تؤثر على حسن سير "تونس عاصمة الثقافة الإسلامية"، حيث أن "مركزية الثقافية" تجعل من الثانية قادرة، بفضل توفّر الفضاءات وتنوّعها بين الفنون، على احتضان تظاهرة مطوّلة، لكن تظل هناك إشكاليات أخرى لا تساعد في إنجاح التظاهرة، ومنها حسن التخطيط والبرمجة إضافة إلى ما يتكرر في مثل هذه المناسبات ويعكّر صفوها من حضور بحسب المحسوبيات والرؤى الظرفية الضيقة.
الهدف المعلن من تداول المدن لتنظيم هذه العواصم هو تحقيقها لإشعاع ثقافي يتجاوز روتينها وانحسار كل فضاء على عوالمه الخاصة، غير أن هذه التظاهرات سرعان ما تهضمها معادلات الحياة الثقافية المحلية فتكون مجموعة من الفعاليات لا غير، قلما يربطها تصوّر شامل، فلا يكون لها بالتالي قيمة مضافة حقيقية.
مسألة الإشعاع هذه قد لا تكون واردة عند مطلقي هذه التظاهرات، وهو ما نلمسه حين نعلم أن "المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" وهي الجهة المنظمة لتظاهرة "عاصمة الثقافة الإسلامية" قد سلمت ثلاث مدن أخرى، إلى جانب تونس، علم الاحتفالية وهي القدس المحتلة عن المنطقة العربية، ومدينة بندر سيري بيكوان في بروناي عن المنطقة الآسيوية، ومدينة بيساو عاصمة غينيا بيساو عن المنطقة الأفريقية، وهو ما يبرز نزعة جغرافية تقسيمية ستحد بالتأكيد من إشعاع كل تظاهرة وتحصرها في دائرتها الأصلية.
مع تسليم تونس المشعل لتنظيم "عاصمة الثقافة الإسلامية" منذ أيام، لا تزال النبرة الاحتفالية غالبة على الخطاب الرسمي تجاهها، دون إعمال نظر في التجارب السابقة أو استشراف لخطط إنجاح الدورة الجديدة. هذا دون أن ننسى أن المؤسسات الرسمية تكاد تحتكر ترتيب هذه التظاهرات، وهو سبب آخر في التقليل من إشعاعها حيث تأتي "عاصمة الثقافة الإسلامية" أو "عاصمة الثقافة العربية" وتذهب تاركة الحياة الثقافية على حالها، فهي لا تشحنها إلا بمجموعة من الفعاليات الإضافية في جدول المواعيد الثقافية.