يفرض قانون توظيف حاملي الشهادات الجامعية على موازنات تونس القادمة ضغوطاً جديدة لتوفير نفقات انتداب ما لا يقل عن 15 ألف عاطل من العمل سنوياً، بينما اتجهت البلاد منذ عام 2017 إلى سياسة تقشفية أوصدت بموجبها باب التشغيل في القطاع الحكومي، مكتفية بسد احتياجات بعض القطاعات الحيوية.
وفتح قانون التوظيف الذي أقره البرلمان نهاية يوليو/ تموز الماضي، المجال أمام العاطلين من العمل ممن طالت بطالتهم أكثر من 10 سنوات للمطالبة بحقهم القانوني في الحصول على وظائف في القطاع الحكومي دون المرور عبر مناظرات التوظيف التي تطرحها الحكومة لتلبية احتياجاتها الجديدة من الموظفين.
ومن المنتظر استفادة نحو 60 ألف عاطل من حملة الشهادات الجامعية من القانون الذي يجيز الانتداب المباشر (التعيين)، سواء للذين طالت فترة بطالتهم أكثر من 10 سنوات، أو الذين بلغوا الـ35 سنة ولم يقضوا 10 سنوات بطالة، أو بالنسبة إلى تشغيل فرد من كل عائلة جميع أفرادها عاطلون من العمل، لترفع نسبة تشغيل ذوي الإعاقة من 2% إلى 5%.
وفجّر القانون الجديد موجة من الانتقادات بعد أن طلبت الحكومة من البرلمان عدم التصديق عليه بسبب عدم قدرتها على تطبيقه بسبب صعوبات المالية العمومية، بينما قال خبراء اقتصاد إن هذا القانون ذو طابع سياسي ولا يساعد على حل مشاكل البطالة في البلاد، بل سيزيد في إغراق الموازنة في العجز في السنوات القادمة بسبب النفقات الإضافية التي سيفرضها انتداب 15 ألف عاطل سنوياً على كتلة الأجور المتضخمة.
وقال الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني لـ"العربي الجديد" إنه لا يمكن فتح باب التوظيف في ظل نسب نمو سالبة وعجز متفاقم للموازنة وانفجار الدين العام لإرضاء مطالب اجتماعية دون أي مردودية لأداء القطاع الحكومي.
وأضاف الزمني أن "تونس اشترت السلم الاجتماعي في السنوات التي تلت الثورة بأثمان باهظة، حتى إن القطاع العام أصبح يدفع رواتب للموظفين دون أي مردود أو إنتاج"، معتبراً أن قانون التوظيف في الظرف الحالي سيزيد من تعكير المناخ الاجتماعي بعد منح العاطلين من العمل المشروعية القانونية للمطالبة بحقهم في الشغل.
وتابع أن التشغيل ليس اختصاصاً حصرياً للقطاع العام، مشدداً على أهمية السلم الاجتماعي في الفترة القادمة لإيجاد حلول تسمح بإعادة عجلة الإنتاج للدوران. ولفت إلى أن الإنتاج وخلق الثورة هما الضامنان الأساسيان لخلق فرص العمل لمن طالت بطالتهم أو الوافدين الجدد على سوق الشغل.
وفي وقت سابق طلبت الحكومة من الوزارات عدم إبرام أي اتفاقات جديدة للتوظيف يكون لها انعكاس مالي، في ظل شحّ الموارد، كذلك يمنح الدستور الحق للحكومة في الاعتراض على أي قوانين تكون لها تداعيات مالية تتحملها الموازنة.
كما طلبت الحكومة من البرلمان إرجاء النظر في قانون التوظيف، غير أن الضغط الاجتماعي وتوجه عاطلين من المحافظات الداخلية إلى مجلس نواب الشعب دفعا إلى تمرير القانون.
وتخنق صعوبات مالية وتضخم كتلة الأجور أي مبادرات توظيف في القطاع الحكومي، ما دفع الدولة إلى إعلان سياسة التقشف ووقف التوظيف لثلاثة سنوات متتالية بعد انتقادات واسعة لشركاء تونس الماليين، ولا سيما صندوق النقد الدولي، لارتفاع نفقات الأجور التي تلتهم نحو 15.2% من الناتج الإجمالي للبلاد.
وتعتبر كتلة الأجور من الأوزان الثقيلة في كل الميزانيات التي تلت الثورة، باعتبار تضاعفها من سنة إلى أخرى وبشكل ملحوظ في عشر سنوات، وفق خبراء اقتصاد.
وتمتص الأجور النسبة الأعلى من مخصصات الميزانية، على حساب مخصصات للتنمية، وهي من النقاط التي يحذّر منها صندوق النقد ويعتبرها من الآليات المشلّة للاستثمار وفرص الشغل.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، حذّر الصندوق من تفاقم عجز ميزانية تونس، مشيراً إلى أن جائحة فيروس كورونا ستعمّق عدم التوازن الاقتصادي، ما سيدفع البلاد إلى الدخول في نسبة عجز غير مسبوقة.
وتبلغ كتلة أجور الموظفين نحو 19 مليار دينار سنوياً (6.6 مليارات دولار)، وتدبر الحكومة الأجور من المداخيل الجبائية المباشرة أو من القروض الداخلية التي توفرها البنوك المحلية.
وفي 31 يناير/ كانون الأول الماضي، وقّعت وزارة المالية التونسية اتفاق قرض بالعملة الصعبة مع 17 مؤسسة مالية تونسية لتوفير 455 مليون يورو لتعبئة موارد لفائدة ميزانية الدولة لسنة 2020.