24 أكتوبر 2024
تونس.. مكر السياسة وحسابات الحكم
لم تفض نتائج الانتخابات النيابية في تونس إلى فوزٍ حاسم لطرف محدّد، بما يجعله قادرا على التحكّم في خيوط اللعبة، وتشكيل الحكومة على النحو الذي يريد، وليس خافيا أن السبب الأهم لجذور التشتت الحزبي والنيابي يعود إلى قانون انتخابي معقد الصياغة، سيئ النتائج، لا يسمح لأي حزبٍ بتحقيق الأغلبية، بل ويؤدي إلى مفارقات عجيبة، تجعل أصوات الناخبين غير متكافئة بين من يصعد إلى المجلس بمئات الأصوات ومن يصل بآلافٍ منها.
بعيدا عن هذا الخلل في بنية القانون الانتخابي الذي لم تسنح فرصة تعديله، جاءت نتائج انتخابات 2019 مشتتة في مجلس نيابي تتنازعه قوى مختلفة متباعدة، بعضها تغلب عليه الإيديولوجيا والشعارات، وأخرى تطلب السلطة والحكم بكل براغماتية خارج كل الحسابات الإيديولوجية.
عندما بدأت حركة النهضة مشاوراتها من أجل تشكيل حكومة جديدة، باعتبارها الحزب الأول (من حيث عدد النواب)، وهو أمر يفترضه الدستور التونسي، كان واضحا أن مفاوضاتها مع القوى السياسية متعثرة، في ظل حالةٍ من التعنت ورفض بعض الأحزاب التام فكرة تولي شخصٍ منتم ل "النهضة" منصب رئاسة الحكومة. وأضاف حزب التيار الديمقراطي شروطا أخرى، أهمها الاستئثار بوزارات سيادية، وهو ما اعتبرته الحركة (الإسلامية) ابتزازا مفرطا يفقد التحالف معناه، ويجعل قيادتها للحكومة مجرّد دور ترتيبي لا قيمة له.
كان واضحا أن الأحزاب الصغيرة تدفع نحو تخلي "النهضة" عن تشكيل الحكومة، سعيا إلى
الوصول إلى ما يصطلح عليه بحكومة الرئيس، وهي الحالة التي يكلف فيها الرئيس شخصية سياسية تتولى تشكيل الحكومة من الأحزاب المختلفة، غير أن إصرار "النهضة" على أن تكون الرقم الأهم في التشكيل الحكومي المقبل، جعلها تبحث عن شكلٍ جديد للتحالفات، بما أربك خصومها وأتباعها على السواء.
رفعت حركة النهضة في أثناء حملتها الانتخابية، وحتى بعد فوزها، شعارا حاسما يتعلق بعدم التحالف مع القوى التي تحوم حولها شبهات فساد، أو القوى المؤيدة للدكتاتورية، غير أنها اليوم تظهر في موقع المتراجع عن شعاراتها السابقة، بسعيها نحو بناء جسور التفاهم مع حزب قلب تونس بزعامة نبيل القروي، وهو أمر تجلى في انتخابات النواب لاختيار رئيس المجلس المقبل، حيث أفضى التحالف بين الحزبين إلى صعود زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، إلى منصب رئيس المجلس، وسميرة الشواشي من "قلب تونس" إلى منصب النائب الأول للرئيس، وتكشف هذه الخطوة عن تحالف قائم بين الطرفين، قد نرى آثاره في التشكيل الحكومي المقبل.
إذا كان التحالف بين "النهضة" و"قلب تونس" تعبيرا عن حسابات السياسة التي تختلف تماما عن وعود الانتخابات، بل هي نقيضها تماما، فإن من الواضح أن تولي الغنوشي منصب رئيس مجلس النواب تمهيد لتخلي النهضة عن منصب رئاسة الحكومة لصالح شخصيةٍ من خارج الأحزاب المتحالفة، فرئيس حركة النهضة الذي طرح اسمه رئيسا مقبلا للحكومة، وفشل في إيجاد إجماع حوله بما قابله من رفضٍ في الأوساط الحزبية المختلفة، اكتفى بمنصب رئيس البرلمان، وسيساهم في تشكيل الحكومة من خلال حزام نيابي، يضم تحالف كتل نيابية مختلفة، تضم "قلب تونس" و"تحيا تونس" و"ائتلاف الكرامة".
لا ينبئ المشهد السياسي الحالي في تونس بتشكيل حكومة قوية قادرة على حل الملفات العالقة،
فضلا عن تحقيق إنجازات في المجالات المهمة، مثل التشغيل وقضايا الأجور والأزمات الاقتصادية المتتالية، فهي ستكون نسخةً من الحكومات السابقة، أي أنها حكومة لتصريف الأزمات، وليس لحلها، ومع وجود معارضة برلمانية، تميل إلى الشعارات والمزايدات اللفظية أكثر مما هي قوى اقتراح وبرامج، سيكون من الصعب الحديث عن تقدّم في المجالات الكبرى التي يفترض أن تهتم بها الحكومة المقبلة.
وإذا كان الأصل في الحزب السياسي أن يكون حاضنة لتكوين الكفاءات القادرة على إدارة الشأن العام، وهو ما يوجب أن تملك القيادات الحزبية، سواء في السلطة أو المعارضة، تصورات كافية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إلا أن ما تكشف عنه التحالفات الحالية والمواقف المختلفة للقوى السياسية أن الأحزاب في تونس ما زالت أقرب إلى الطفولية السياسية منها إلى تشكيلات قادرة على إدارة المرحلة.
ما زال سياسيو تونس، للأسف، في مرحلة الشعارات والصراخ وتسجيل المواقف، ولا يوجد من هو قادر على تحقيق تنمية أو حل مشكلات اقتصادية واجتماعية في ظل حالة انعدام الخيال السياسي والمحدودية الفكرية المهيمنة على عقول كثيرين من النواب ومسؤولي الأحزاب، ممن يتهرّب بعضهم من المشاركة في الحكم خوفا، أو أولئك الذين يتصوّرون السلطة مجرد غنيمة، أو إشباعا للطموح الشخصي.
عندما بدأت حركة النهضة مشاوراتها من أجل تشكيل حكومة جديدة، باعتبارها الحزب الأول (من حيث عدد النواب)، وهو أمر يفترضه الدستور التونسي، كان واضحا أن مفاوضاتها مع القوى السياسية متعثرة، في ظل حالةٍ من التعنت ورفض بعض الأحزاب التام فكرة تولي شخصٍ منتم ل "النهضة" منصب رئاسة الحكومة. وأضاف حزب التيار الديمقراطي شروطا أخرى، أهمها الاستئثار بوزارات سيادية، وهو ما اعتبرته الحركة (الإسلامية) ابتزازا مفرطا يفقد التحالف معناه، ويجعل قيادتها للحكومة مجرّد دور ترتيبي لا قيمة له.
كان واضحا أن الأحزاب الصغيرة تدفع نحو تخلي "النهضة" عن تشكيل الحكومة، سعيا إلى
رفعت حركة النهضة في أثناء حملتها الانتخابية، وحتى بعد فوزها، شعارا حاسما يتعلق بعدم التحالف مع القوى التي تحوم حولها شبهات فساد، أو القوى المؤيدة للدكتاتورية، غير أنها اليوم تظهر في موقع المتراجع عن شعاراتها السابقة، بسعيها نحو بناء جسور التفاهم مع حزب قلب تونس بزعامة نبيل القروي، وهو أمر تجلى في انتخابات النواب لاختيار رئيس المجلس المقبل، حيث أفضى التحالف بين الحزبين إلى صعود زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، إلى منصب رئيس المجلس، وسميرة الشواشي من "قلب تونس" إلى منصب النائب الأول للرئيس، وتكشف هذه الخطوة عن تحالف قائم بين الطرفين، قد نرى آثاره في التشكيل الحكومي المقبل.
إذا كان التحالف بين "النهضة" و"قلب تونس" تعبيرا عن حسابات السياسة التي تختلف تماما عن وعود الانتخابات، بل هي نقيضها تماما، فإن من الواضح أن تولي الغنوشي منصب رئيس مجلس النواب تمهيد لتخلي النهضة عن منصب رئاسة الحكومة لصالح شخصيةٍ من خارج الأحزاب المتحالفة، فرئيس حركة النهضة الذي طرح اسمه رئيسا مقبلا للحكومة، وفشل في إيجاد إجماع حوله بما قابله من رفضٍ في الأوساط الحزبية المختلفة، اكتفى بمنصب رئيس البرلمان، وسيساهم في تشكيل الحكومة من خلال حزام نيابي، يضم تحالف كتل نيابية مختلفة، تضم "قلب تونس" و"تحيا تونس" و"ائتلاف الكرامة".
لا ينبئ المشهد السياسي الحالي في تونس بتشكيل حكومة قوية قادرة على حل الملفات العالقة،
وإذا كان الأصل في الحزب السياسي أن يكون حاضنة لتكوين الكفاءات القادرة على إدارة الشأن العام، وهو ما يوجب أن تملك القيادات الحزبية، سواء في السلطة أو المعارضة، تصورات كافية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إلا أن ما تكشف عنه التحالفات الحالية والمواقف المختلفة للقوى السياسية أن الأحزاب في تونس ما زالت أقرب إلى الطفولية السياسية منها إلى تشكيلات قادرة على إدارة المرحلة.
ما زال سياسيو تونس، للأسف، في مرحلة الشعارات والصراخ وتسجيل المواقف، ولا يوجد من هو قادر على تحقيق تنمية أو حل مشكلات اقتصادية واجتماعية في ظل حالة انعدام الخيال السياسي والمحدودية الفكرية المهيمنة على عقول كثيرين من النواب ومسؤولي الأحزاب، ممن يتهرّب بعضهم من المشاركة في الحكم خوفا، أو أولئك الذين يتصوّرون السلطة مجرد غنيمة، أو إشباعا للطموح الشخصي.