تُصادف الأرملة السبعينية، أمّ يُوسف، سلحفاةً في الشارِع، فتأخذها معها، لتصيرَ أنيسةً لها في وحدتِها في منِزلها. وطوال صفحات رواية (من يؤنسُ السيدة)، لمحمود الريماوي، (دار فضاءات، عمّان، 2009)، تظلّ السلحفاةُ حاضرةً في مسارِ السردِ عن بطلةِ الرواية وعيشِها واستدعائِها ماضيها مع زوجِها الراحل، وعن صلاتِها مع أبنائها وجيرانِها. تتداخلُ أزمنة الحكي، وتروحُ إلى وقائع ومساحات حسيّة واسعة لدى المرأةِ النازحة من فِلَسْطين، المقيمة في الزرقاءِ في الأردن. وفيما تأخذُ علاقتها مع السلحفاةِ المقيمةِ معها حيّزًا وفيرًا في الرواية، وكلتاهما بطيئتا الخَطو، فإنّ الإيحاءَ الذي تؤشر إليه هذه العلاقة، يتعلّق بوطأةِ الزمن وثقلِه، وإيقاع التمهّل الذي يسمُ حياة السيدة في وحدتِها.
تصابُ بمشاعر من الفزع، بعد أن تفرغ، مرّةً، من صلاتِها، وتلحظُ أنّ السلحفاة غادرتْ مكانَها، قبلَ أن تعثرَ عليها، وهي التي تحرصُ على إطعامِها دائمًا، وتحفظها في كرتونة بالية. لعلّه النزوع إلى دفعِ الوحشة ما أرادتْ رواية محمود الريماوي أن تعبّر عنه، في إقامةِ السيدة تلك الصلة مع صديقتِها السلحفاة، مع اشتدادِ التباعد بينها وبين عالمِها الذي مضى، وعالمٍ راهنٍ ناءَ عنها أيضًا.
تصابُ بمشاعر من الفزع، بعد أن تفرغ، مرّةً، من صلاتِها، وتلحظُ أنّ السلحفاة غادرتْ مكانَها، قبلَ أن تعثرَ عليها، وهي التي تحرصُ على إطعامِها دائمًا، وتحفظها في كرتونة بالية. لعلّه النزوع إلى دفعِ الوحشة ما أرادتْ رواية محمود الريماوي أن تعبّر عنه، في إقامةِ السيدة تلك الصلة مع صديقتِها السلحفاة، مع اشتدادِ التباعد بينها وبين عالمِها الذي مضى، وعالمٍ راهنٍ ناءَ عنها أيضًا.
تستضيفُ الشابّة الإيرانية نورا، سلحفاةً في منزلها الذي تقيمُ فيه وحيدةً، بعد هروب زوجها الصحافي لأسباب سياسيّة. تحضرُ علاقةُ حنانٍ بينها وبين السلحفاة طوال فيلم "وداعًا"، (2011)، لمخرجِه الإيراني محمّد رسول إف (وليس روسلوف). تحفظُ نورا ضيفتَها في قفصِ عصافير، وتطعمها دائمًا، وتبدي قلقًا عليها. تمضي وقائعُ الفيلم بإيقاعٍ شديدِ البطء، سلحفائيٍّ إلى حدّ كبير.
ينتظرُ المشاهد شيئًا ما، أو حدثًا ما، يقع. الشابّة الثلاثينيّة محاميةٌ ممنوعةٌ من مزاولة مهنتها، فتعملُ في صناعةِ عُلب الهدايا، تحملُ جنينًا في بطنِها، تُغالب اختناقًا في حياتها، تبدو مراقبةً بكيفيّة بوليسيّة، وتوحي صلتُها الخاصّة بالسلحفاة الصغيرة توسلًا لدفعِ استيحاشٍ تكابدُه، ولا سيّما قبل أن يقتحمَ رجلا بوليس منزلَها الصغير، ويخرّبان فيه، ويسألاها عن زوجِها الهارب. لعلّه النزوعُ إلى دفعِ الوحشةِ ما أرادَ فيلم "وداعًا" أن يعبّر عنه، في إقامةِ السيدة تلك الصلة مع ضيفتِها السلحفاة، مع اشتدادِ التباعد بينها وبين عالمِها الضاغط.
تشعرُ الشابّة الصغيرة خولة بالوحدة، على الرغم من أنها محاطة بجدّتِها وعمّاتها في بيتٍ فسيحٍ، كالقصر، في الكويت، فتضطرُ إلى تربية سلحفاةٍ صغيرة، تسمّيها عزيزة، وتُفضي إليها بهمومها وأسرارِها الصغيرة.
ليستْ العلاقة بينهما مركزيةً في رواية "ساق البامبو" للكويتي سعود السنعوسي، (2013)، غير أنّ الصداقةَ التي تقومُ بين بطلِ الرواية، عيسى الكويتي الفلبيني الذي اسمه خوسيه أيضًا، وهذه السلحفاة لها أهمّيتها في مسار القصّ في الرواية، فهي "جديدة غريبة". إنه يتحدّث إلى السلحفاة التي يعطيها اسمًا فلبينيًا، ويأنسُ إليها طويلًا، قبلَ أن يشعر بالملل من الحديثِ "إلى السلحفاة الخرساء"، وهي "خير من ينصت"، على ما تقول خولة، أخت عيسى. الوقائعُ في رواية السنعوسي تضطردُ بتسارعٍ وحيويةٍ ظاهرة، ما يجعلُ من التجاء عيسى إلى السلحفاة، وشغفِ أخته بها، ثم ملله منها، قبلَ أن تموتَ السلحفاة في مختتمِ الرواية، إشارات موحية إلى توتراتٍ غير مكتومة في دواخلِ هذه الشخصية المحورية في عمل السنعوسي اللافت.
لعلّه النزوع إلى دفعِ الوحشة ما أرادت "ساق البامبو" أن تعبّر عنه، في إقامة تلك الصلة بين خولة وعيسى من جهة، والسلحفاة من جهة ثانية، مع اشتداد التباعدِ الجوّاني في دواخلِهما عن عالمٍ خارجي ثقيل.
لم يقرأ الإيراني محمّد رسول إف، رواية الفلسطيني محمود الريماوي، ولم يشاهد فيلمه الكويتي سعود السنعوسي، ولا طالع "من يؤنس السيدة". شاهدتُ الفيلم، وقرأتُ هذه الرواية و"ساق البامبو"، وقلتُ إنه ليس التناص الذي كنتُ أقرأ عنه إبان رغبتي أن أصير ناقدًا أدبيًا ولم أفلحْ. قلتُ إنها مُخيلات قد تلتقي، بشأنِ السلاحف، وبشأنِ غيرها أيضًا.
ينتظرُ المشاهد شيئًا ما، أو حدثًا ما، يقع. الشابّة الثلاثينيّة محاميةٌ ممنوعةٌ من مزاولة مهنتها، فتعملُ في صناعةِ عُلب الهدايا، تحملُ جنينًا في بطنِها، تُغالب اختناقًا في حياتها، تبدو مراقبةً بكيفيّة بوليسيّة، وتوحي صلتُها الخاصّة بالسلحفاة الصغيرة توسلًا لدفعِ استيحاشٍ تكابدُه، ولا سيّما قبل أن يقتحمَ رجلا بوليس منزلَها الصغير، ويخرّبان فيه، ويسألاها عن زوجِها الهارب. لعلّه النزوعُ إلى دفعِ الوحشةِ ما أرادَ فيلم "وداعًا" أن يعبّر عنه، في إقامةِ السيدة تلك الصلة مع ضيفتِها السلحفاة، مع اشتدادِ التباعد بينها وبين عالمِها الضاغط.
تشعرُ الشابّة الصغيرة خولة بالوحدة، على الرغم من أنها محاطة بجدّتِها وعمّاتها في بيتٍ فسيحٍ، كالقصر، في الكويت، فتضطرُ إلى تربية سلحفاةٍ صغيرة، تسمّيها عزيزة، وتُفضي إليها بهمومها وأسرارِها الصغيرة.
ليستْ العلاقة بينهما مركزيةً في رواية "ساق البامبو" للكويتي سعود السنعوسي، (2013)، غير أنّ الصداقةَ التي تقومُ بين بطلِ الرواية، عيسى الكويتي الفلبيني الذي اسمه خوسيه أيضًا، وهذه السلحفاة لها أهمّيتها في مسار القصّ في الرواية، فهي "جديدة غريبة". إنه يتحدّث إلى السلحفاة التي يعطيها اسمًا فلبينيًا، ويأنسُ إليها طويلًا، قبلَ أن يشعر بالملل من الحديثِ "إلى السلحفاة الخرساء"، وهي "خير من ينصت"، على ما تقول خولة، أخت عيسى. الوقائعُ في رواية السنعوسي تضطردُ بتسارعٍ وحيويةٍ ظاهرة، ما يجعلُ من التجاء عيسى إلى السلحفاة، وشغفِ أخته بها، ثم ملله منها، قبلَ أن تموتَ السلحفاة في مختتمِ الرواية، إشارات موحية إلى توتراتٍ غير مكتومة في دواخلِ هذه الشخصية المحورية في عمل السنعوسي اللافت.
لعلّه النزوع إلى دفعِ الوحشة ما أرادت "ساق البامبو" أن تعبّر عنه، في إقامة تلك الصلة بين خولة وعيسى من جهة، والسلحفاة من جهة ثانية، مع اشتداد التباعدِ الجوّاني في دواخلِهما عن عالمٍ خارجي ثقيل.
لم يقرأ الإيراني محمّد رسول إف، رواية الفلسطيني محمود الريماوي، ولم يشاهد فيلمه الكويتي سعود السنعوسي، ولا طالع "من يؤنس السيدة". شاهدتُ الفيلم، وقرأتُ هذه الرواية و"ساق البامبو"، وقلتُ إنه ليس التناص الذي كنتُ أقرأ عنه إبان رغبتي أن أصير ناقدًا أدبيًا ولم أفلحْ. قلتُ إنها مُخيلات قد تلتقي، بشأنِ السلاحف، وبشأنِ غيرها أيضًا.