تعاني المرأة في تونس من مظاهر وسلوكيّات اجتماعية سلبيّة عدة، وكثيراً ما تتعرّض للعنف والاغتصاب. قبل سنوات، كان الحديث عن العنف ضد النساء بمثابة خط أحمر، علماً أن أول كتاب يتحدّث عن العنف قد صدر عام 1993 بواسطة "الجمعيّة التونسية للنساء الديمقراطيات".
ونتيجةً لضغوط جمعيّات المجتمع المدني، بدأ الساسة منذ عام 2007 التطرّق إلى موضوع العنف. ولعبت المنظمات النسوية والدولية دوراً كبيراً في الضغط على السلطات للاعتراف بالعنف الجنسي. إلا أنه عام 2010، أجري أوّل مسح وطني حول العنف ضدّ النساء، وتبيّن أن 47 في المائة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 18 و64 عاماً قلن إنهن تعرّضن لأحد أنواع العنف على الأقل، ويأتي العنف الجنسي والاغتصاب في المرتبة الثالثة بنسبة 15.7 في المائة.
وفي ظلّ غياب دراسات دقيقة عن حالات الاغتصاب في تونس، لا يمكن الجزم إذا ما كانت قد ارتفعت خلال السنوات الأخيرة. إلا أن الحديث عن الاغتصاب والعنف الجنسي بات أكثر تداولاً في الصحف ووسائل الإعلام، وخصوصاً أن المجتمع المدني بات أكثر اهتماماً بهذه القضية، علماً أن الضحايا بتن يتحدثن أكثر عن تجاربهن ويلجأن للقضاء.
وأعلنت "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيّات" أخيراً عن تضاعف عدد المغتصبات خلال السنوات الأخيرة، لتصل إلى نحو 1050 حالة، أي بمعدّل ثلاث حالات يومياً، لافتة إلى أن هذه الظاهرة تشمل الأطفال أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن القضية الأبرز التي شغلت الرأي العام في نهاية سبتمبر/أيلول عام 2012، هي قصة مريم (29 عاماً) التي تعرّضت للاغتصاب من قبل أعوان الأمن في سيارة الشرطة، عندما كانت برفقة صديقها. في تلك الليلة، وجد أعوان الأمن الفتاة برفقة صديقها في سيارتها ليلاً، فهدداهما برفع قضية ضدهما إذا لم يدفعا المال. حينها، أبعد أحد الأعوان صديقها إلى المصرف للحصول على المال، فيما اغتصب الآخران الفتاة. لجأت مريم إلى القضاء، وقد ساندها الاعلام وجمعيات المجتمع المدني. وشكلت عدد من المنظمات، من بينها الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، هيئة دفاع لتمثيل مريم أمام القضاء.
وفي 31 مارس/آذار عام 2014، صدر الحكم الابتدائي في القضية بالسجن مدة سبع سنوات بحق المغتصبين. وعلى الرغم من استبشار الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بحكم الإدانة كخطوة نحو الحد من الإفلات من العقاب، اعتبرت أن العقوبة غير متناسبة مع ظروف الجريمة التي ارتكبت من قبل موظفين مسؤولين عن أمن المواطنين.
حالة مريم ليست الوحيدة التي اكتشفت خلال السنوات الأخيرة. وكثيراً ما تتداول الصحف التونسية قصصاً لنساء وفتيات تعرضن للاغتصاب. لمياء ما تزال تتحاشى الكلام، علماً أنّها عانت كثيراً. اعتاد زوجها ضربها وإهانتها بعد ليلة الزفاف مباشرة. لم تجد حلاً غير الانفصال، على الرغم من أنّه لم يكن لها من معيل غيره. كان لا بد لها من اتخاذ هذا القرار. تقول إن زوجها لم يتردّد في اغتصابها أكثر من مرّة. لم تطل الحديث وقد خجلت من سرد التفاصيل. اليوم، لجأت إلى جمعية حقوقية تعنى بالدفاع عن المرأة، وخصوصاً أن المجتمع لم يستوعب معنى تعرض المرأة إلى الاغتصاب من قبل الزوج. وينص الفصل 13 من مجلة الأحوال الشخصية أنّه "ليس للزوج الحق في إجبار زوجته على إقامة علاقة جنسية ما لم يدفع المهر".
وليُسر قصّتها أيضاً. بدأت معاناتها في عمر مبكر، منذ كانت في السادسة عشرة من عمرها. في ذلك الوقت، كان والدها يعتدي عليها، ولم تجد حلّاً غير الهرب واللّجوء إلى بيت خالتها بعد معاناة استمرت ثلاث سنوات. هي اليوم في الرابعة والعشرين من عمرها، ولا يمكنها نسيان الأمر، وخصوصاً أنّها اضطرت للعيش بعيداً عن عائلتها. تقول إنها عانت كثيراً، ولم تعد تثق في نفسها، حتى أنها تركت مقاعد الدراسة. وأكثر ما يضايقها هو عدم قدرتها على إخبار أحد خجلاً.
في السياق، يوضح مدير منظمة العفو الدولية - فرع تونس، لطفي عزوز، لـ "العربي الجديد" أنه يجب تعديل التشريعات الموجودة لصالح المرأة، ضحية العنف الجنسي، منها البند المتعلّق بزواج الرجل المغتصب من الضحية، داعياً إلى "الاهتمام بالناجيات من العنف الجنسي". إذ ينص الفصل 227 من المجلة الجزائية أنّه في "في حال مواقعة قاصر برضاها، تسقط التبعات القضائية ضد الفاعل إذا تزوج من الضحية".
في المقابل، كثيراً ما انتقدت المنظمات الحقوقية هذا الفصل الذي ترى فيه مكافأة للمغتصب من خلال تزويجه بالضحية، ما يعني اغتصابها المستمر في إطار الزواج.
من جهة أخرى، كانت وزارة الصحة قد أعلنت إنشاء وحدة للطب الشرعي مهمتها الإحاطة بالنساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي في مستشفى شارل نيكول في العاصمة التونسية. وأكدت حق المرأة الضحية في الإحاطة الطبية اللازمة في الوقت المناسب، نظراً لخصوصية حالتها الصحية والنفسية، لافتة إلى "تدريب العاملين الصحيين الذين سيستقبلون هؤلاء النساء".
في السياق، عرض وزير العدل وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية السابق، حافظ بن صالح، أرقاماً مخيفة حول العنف ضد النساء. وقد بلغ عدد المحكوم عليهم في جرائم عنف ضد المرأة، بين عامي 2012 و2013، أكثر من 1900، وعدد المحكوم عليهم في اعتداءات جنسية 394، بينهم مائة شخص بجرائم اغتصاب.
اقرأ أيضاً: حائزات "نوبل": لننزع الحصانة عن المغتصبين