03 نوفمبر 2024
ثمن جائزة نوبل
مارسَ مانحو جائزة نوبل للسلام خداعاً مكشوفاً، عندما أعلنوا أنهم أعطوها، هذه المرة، لباراك أوباما، نظير خدماته في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب! كان أوباما، في لحظة إعلان الجائزة، قد أمضى تسعة أشهر، فقط، في البيت الأبيض، وهي مدة غير كافية لنضوج أي عمل دبلوماسي، أو بناء أية صيغة تعاون بين الشعوب.
يبدو أن مجلس أمناء الجائزة، الدخيلة على تراث نوبل العلمي، أمضوا وقتاً طويلاً في الاستماع إلى البرامج الانتخابية للرئيس الأميركي، وهو يرصّع خطاباته بديباجات السلم والتعاون الدولي، ويصر على إغلاق المعتقل، سيىء الصيت، في غوانتنامو، ثم يرسم نفسه حمامة سلام، تعيد كل جنود البحرية المنتشرين في العالم إلى قواعدها في الموانئ الأميركية.
نِسَبُ الفوز العالية التي حصل عليها أوباما، بناءً على برامجه السلمية، كانت المحفّزات التي دفعت القائمين على جائزة نوبل للسلام إلى تسليمها له بضمير مرتاح.
وتقوم تقاليد منح الجوائز على تتويج المتميز بجائزة، بوصفها نهايةً موفقةً لعمل ناجح قام به. لكن، في حالة أوباما، تم منحه الجائزة سلفاً، نوعاً من تربيط اليدين، لوقفه عن أي عمل عسكري محتمل، وكان الرجل "مخلصاً"، وعند ظنهم به، فاكتفى بإرسال طائرات بدون طيار تقصف مواقع مختارة وتعود بهدوء! وحتى التحالف ضد داعش كان لطيفاً، بحيث أن روسيا، بعد أربعة أيام من تدخلها العسكري في سورية، ألقت قنابل تعادل كل التي ألقتها الطائرات الأميركية طوال فترة الحرب المعلنة على داعش، وحتى عملية اصطياد بن لادن كانت هادئة، وسريعة، مثل خلع سن لَبَنيّة لفتى صغير.
يبدو حرص أوباما شديداً على عدم إثارة غبار عسكري، وبدا أكثر حرصاً على تقديم نفسه "محامياً مدنياً"، عندما شارك شخصياً بمحادثات مع شركة بريتش بتروليوم، بعد حادثة التسرب الشهيرة في أكبر عمل استعراضي مدني، يقوم به رئيس أميركي.
تجلى "الكيد" السياسي بوضوح في العبارات الصحافية أن أوباما مترددٌ في الشأن السوري، وضعيفٌ في ردود أفعاله حيال الوضع في المنطقة كلها، فيما يبدو الرجل منسجماً مع تاريخه، غير المعتمد على الفرق العسكرية، مهما ظهر موقفه متردداً، وينقصه الحزم العسكري. وقد أصر أوباما على توقيع معاهدة مع إيران، بعيداً عن البوارج الحربية، على الرغم من الجدل الثائر حيالها، وقَبِل ثمناً روسياً ليتجنب تحريك حاملات الطائرات إلى السواحل السورية في أثناء قصف الغوطة بالأسلحة الكيماوية. وفي الحالتين، اعتبر نفسه منتصراً من دون أن يطلق رصاصة، لكنه في المرتين داس، بإرادته، على اللغم نفسه، فقد تمددت إيران بأريحية، وما كانت تفعله سرّاً أصبحت تمارسه تحت حماية المعاهدة، وتسببت الصفقة الروسية الخاصة بالكيماوي في إطالة عمر النظام كثيراً، مما أفسح المجال لمزيد من التطرف.
ليس من المتوقع أن تتسم المدة المتبقية لأوباما بشيء مختلف عما بدأت به. وسيبقى الرجل يضع الفرق العسكرية في الصفوف الخلفية، وقد يصبح هذا السلوك مزاجاً أميركياً عامَّاً في فترة ما بعد أوباما، وخصوصاً إذا وصل إلى البيت الأبيض رئيس ديمقراطي، كما تبقى الاحتمالية الأميركية السلمية ممكنة، حتى إن لم يحصل ذلك، فالمعدات العسكرية الأميركية أصابها الصدأ، وتكلَّست مفاصل القادة العسكريين، بعد فترات راحة إجبارية طويلة، الأمر الذي أتاح الفرصة لبوتين لبناء قاعدة عسكرية على عجل في اللاذقية، والبدء بشن غاراتٍ، وهو واثق بأنه لن يواجه ردَّ فعلٍ أميركيّاً حقيقيّاً.
هدف التدخل الروسي التشبث بالأرض، ولن يجد بوتين فرصة أفضل من هذه في ظل غياب سياسة عسكرية أميركية، يمثلها أوباما الحائز جائزة نوبل "للسلام"، النهج الذي قد يستمر إلى ما بعد أوباما، وعندها سيتمكن المخلب الروسي أكثر، وينغرس عميقاً، وقتئذ سيكون الوقت قد فات. وكما يقال بالعاميّة "إللي ضرب ضرب، واللي هرب هرب"، حتى لو فكرت أميركا بتعديل سياستها.
نِسَبُ الفوز العالية التي حصل عليها أوباما، بناءً على برامجه السلمية، كانت المحفّزات التي دفعت القائمين على جائزة نوبل للسلام إلى تسليمها له بضمير مرتاح.
وتقوم تقاليد منح الجوائز على تتويج المتميز بجائزة، بوصفها نهايةً موفقةً لعمل ناجح قام به. لكن، في حالة أوباما، تم منحه الجائزة سلفاً، نوعاً من تربيط اليدين، لوقفه عن أي عمل عسكري محتمل، وكان الرجل "مخلصاً"، وعند ظنهم به، فاكتفى بإرسال طائرات بدون طيار تقصف مواقع مختارة وتعود بهدوء! وحتى التحالف ضد داعش كان لطيفاً، بحيث أن روسيا، بعد أربعة أيام من تدخلها العسكري في سورية، ألقت قنابل تعادل كل التي ألقتها الطائرات الأميركية طوال فترة الحرب المعلنة على داعش، وحتى عملية اصطياد بن لادن كانت هادئة، وسريعة، مثل خلع سن لَبَنيّة لفتى صغير.
يبدو حرص أوباما شديداً على عدم إثارة غبار عسكري، وبدا أكثر حرصاً على تقديم نفسه "محامياً مدنياً"، عندما شارك شخصياً بمحادثات مع شركة بريتش بتروليوم، بعد حادثة التسرب الشهيرة في أكبر عمل استعراضي مدني، يقوم به رئيس أميركي.
تجلى "الكيد" السياسي بوضوح في العبارات الصحافية أن أوباما مترددٌ في الشأن السوري، وضعيفٌ في ردود أفعاله حيال الوضع في المنطقة كلها، فيما يبدو الرجل منسجماً مع تاريخه، غير المعتمد على الفرق العسكرية، مهما ظهر موقفه متردداً، وينقصه الحزم العسكري. وقد أصر أوباما على توقيع معاهدة مع إيران، بعيداً عن البوارج الحربية، على الرغم من الجدل الثائر حيالها، وقَبِل ثمناً روسياً ليتجنب تحريك حاملات الطائرات إلى السواحل السورية في أثناء قصف الغوطة بالأسلحة الكيماوية. وفي الحالتين، اعتبر نفسه منتصراً من دون أن يطلق رصاصة، لكنه في المرتين داس، بإرادته، على اللغم نفسه، فقد تمددت إيران بأريحية، وما كانت تفعله سرّاً أصبحت تمارسه تحت حماية المعاهدة، وتسببت الصفقة الروسية الخاصة بالكيماوي في إطالة عمر النظام كثيراً، مما أفسح المجال لمزيد من التطرف.
ليس من المتوقع أن تتسم المدة المتبقية لأوباما بشيء مختلف عما بدأت به. وسيبقى الرجل يضع الفرق العسكرية في الصفوف الخلفية، وقد يصبح هذا السلوك مزاجاً أميركياً عامَّاً في فترة ما بعد أوباما، وخصوصاً إذا وصل إلى البيت الأبيض رئيس ديمقراطي، كما تبقى الاحتمالية الأميركية السلمية ممكنة، حتى إن لم يحصل ذلك، فالمعدات العسكرية الأميركية أصابها الصدأ، وتكلَّست مفاصل القادة العسكريين، بعد فترات راحة إجبارية طويلة، الأمر الذي أتاح الفرصة لبوتين لبناء قاعدة عسكرية على عجل في اللاذقية، والبدء بشن غاراتٍ، وهو واثق بأنه لن يواجه ردَّ فعلٍ أميركيّاً حقيقيّاً.
هدف التدخل الروسي التشبث بالأرض، ولن يجد بوتين فرصة أفضل من هذه في ظل غياب سياسة عسكرية أميركية، يمثلها أوباما الحائز جائزة نوبل "للسلام"، النهج الذي قد يستمر إلى ما بعد أوباما، وعندها سيتمكن المخلب الروسي أكثر، وينغرس عميقاً، وقتئذ سيكون الوقت قد فات. وكما يقال بالعاميّة "إللي ضرب ضرب، واللي هرب هرب"، حتى لو فكرت أميركا بتعديل سياستها.