يحدد خبراء وسياسيون مصريون، عدداً من العوامل التي أسهمت بشكل كبير في تعطل الثورة المصرية، في المقابل عدم وجودها دفع بـالثورة التونسية إلى الأمام.
ويضع الخبراء ضعف المستوى التعليمي والثقافي، في بداية هذه العوامل، إضافة إلى علاقة المؤسسة العسكرية بالمؤسسات المدنية ودرجة تغولها في الحياة العامة، والدولة العميقة ومدى قوتها، والإعلام وممارسة التضليل.
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية، أحمد تهامي، إنه "عند المقارنة بين حالة ونتائج ثورتي مصر وتونس، يجب أولاً معرفة المقدمات التي دفعت إلى الثورة في كلا البلدين".
ويضيف أن "الثورة في مصر قادتها الطبقة المتوسطة، وهي مطحونة وكادحة، والمستويات الثقافية فيها ضعيفة، مقارنة بغيرها في تونس".
ويتابع أن "الأنظمة المصرية السابقة عملت على إضعاف الطبقة المتوسطة بشكل كبير، لأنها عصب أي تغيير في تاريخ الأمم، بينما الطبقة المتوسطة في تونس ساعدها اختلاطها بمجتمعات أكثر انفتاحاً واطلاعها على تجارب أمم سابقة".
ويلفت إلى أن "الأجهزة العميقة في أي دولة هي المتحكم الحقيقي في التفاعلات التي تتم داخل النظام السياسي، وفي مصر الدولة العميقة أو بقايا النظام السابق لا يزال محتفظاً بقوته، على العكس من تونس، وإن كانت هناك محاولات لتعطيل الثورة التونسية".
ويؤكد أن الإعلام في العالم يلعب أدواراً كبيرة في توجيه الرأي العام، وقد لعب الإعلام المصري دوراً كبيراً بسيطرة رجال الأعمال عليه، في تضليل الشعب، وخلق حالة كراهية مع الثورة".
أما عضو "جبهة طريق الثورة"، رامي شعث، فيحدد ثلاثة عوامل أساسية أسهمت في ضياع الثورة المصرية.
ويقول إن "التعليم هو العامل الأول والأهم في عدم الحفاظ على الثورة، وما يترتب عليه من ثقافة واسعة في المجتمع المصري".
ويضيف أنه "في الوقت الذي كانت تنفق فيه مصر 2 في المائة من الدخل القومي على التعليم، كانت تونس تنفق تقريباً 6 في المائة، وهو ما أسهم في معرفتهم بخيوط المؤامرة على ثورتهم".
ويتابع أن "الدولة العميقة في تونس أقل قوة من نظيرتها في مصر، ففي القاهرة لا تزال الدولة العميقة القمعية، ترى أنه لا بديل عن الحل الأمني في التعامل مع الثوار أو أي حراك".
ويشير إلى أن "تلك الدولة العميقة القمعية لا تجد غضاضة في استنساخ تجارب الأنظمة السابقة في مصر منذ 60 عاماً تقريباً، ولديها أمل في نجاح مثل تلك الأساليب". وأكد أن "استمرار هذا النهج سيؤدي إلى انفجار الأوضاع في حالة أسوأ من ثورة 25 يناير".
ويوضح أن "شكل العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية، يمثل عقبة حقيقية في سبيل التغيير خلال الفترة الماضية والمقبلة". وشدد على أنه "لا بديل إلا بفصل سيطرة المؤسسة العسكرية عن الحياة المدنية في مصر".
في المقابل، يقول القيادي في "الجبهة السلفية"، خالد سعيد، إن "هناك أربعة محاور رئيسية لفشل الثورة المصرية أو تعطيلها، في حين عدم وجود هذه الأسباب في تونس أسهم في نجاح وتقدم الثورة هناك".
ويعدّد سعيد هذه العوامل، معتبراً أهمها وجود دولة عميقة قوية في مصر واطلاع المؤسسة العسكرية بأدوار غير المخصصة لها، قامت بالانقلاب على الثورة، ومحاولة إعادة إنتاج النظام القديم المتمثل في رجال الرئيس المخلوع مبارك.
ويضيف أن "النظام القمعي الذي تأسس في مصر منذ 60 عاماً على يد المؤسسة العسكرية، لا يزال يتمتع بقوته حتى الآن".
ويتابع أن "العامل الثاني هو ضعف التعليم والثقافة لدى الشعب المصري"، مؤكداً أن "هذا العامل كان له تأثير واسع على عدم إدراك حقيقة اللعبة ضد الثورة المصرية".
ويشير إلى أن "الثقافة كانت عاملاً أسهم في ضعف الخبرات، وعدم وجود مجال كبير من الخبرات، على العكس من الثوار التونسيين، فقد كان لديهم خبرة واسعة بفضل اختلاطهم بالمجتمعات الغربية، وشكلوا مجلساً لقيادة ثورتهم منذ البداية".
أما العامل الثالث، وفقاً لسعيد، فيتمثل في عدم توحد القوى السياسية، واستغلالها لصالح الثورة المضادة، ملقياً اللوم في الأساس على القوى العلمانية التي وضعت أيديها في يد المؤسسة العسكرية، وخانت الثورة.
ويضيف أن "العامل الرابع يتضمن مواقف المجتمع الدولي من الثورة، فالقوى الدولية باركت الانقلاب على إرادة الشعب والرئيس المنتخب محمد مرسي، لأنها شعرت بخطر عليها وعلى وجودها".
من جهته، يرى أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، بسيوني حمادة، أن "الإعلام عقب ثورة يناير ساهم في خلق حالة من الكراهية للثورة والتظاهرات الرافضة للنظام القديم".
ويضيف أن "الأزمة في الإعلام أنه لا يعتمد الحد الأدنى من المعايير المهنية والموضوعية في عرض مختلف الآراء". وأشار إلى "سيطرة رجال الأعمال على صناعة الإعلام، وتحديداً من رموز نظام مبارك".
وتابع أن "هناك برامج تلفزيونية ساهمت في الانقلاب على ثورة يناير، مستخدمين السباب والألفاظ الخارجة التي تستوجب المحاكمات".
ويردف أنه "لا توجد في مصر قوانين رادعة للإعلاميين المتجاوزين للمعايير الإعلامية"، مطالباً بضرورة وضع قوانين لردع كافة الإعلاميين والوسائل الإعلامية على اختلافها من التجاوزات.
ويشير إلى أن "النظام السياسي الحالي يناصب الإعلام المعارض العداء، ولا يتورع عن التنكيل بمن يرفع صوته لانتقاد النظام أو الحكومة، وآخر مثال على ذلك قطع البث عن الإعلامي وائل الإبراشي، رغم أنه موال للنظام الحالي".
ويؤكد أن "النظام الحالي عقب الانقلاب على مرسي، استغل الإعلام في تغييب الوعي تماماً، بإبراز مشكلات المجتمع وتصديرها للشعب المصري، في حين الآن لا يتفوه الإعلام بأي كلمة عن الأزمات المستمرة والتي تفاقمت أكثر من فترة مرسي".